The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الملك (67)

 

 


الآية: 2 من سورة الملك

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)

«الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ»

[ الموت والحياة وأقسام الحياة : ]

الحياة لعين الجوهر ، والموت لتبدل الصور ، كل ذلك «لِيَبْلُوَكُمْ» أي ليختبركم ، فجعل ليبلوكم إلى جانب الحياة ، فإن الميت لا يختبر «أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا»

- الوجه الأول - :أي ليختبركم بالتكليف ، وهو الابتلاء لما عليه الإنسان من الدعوى ،


وأعظم الفتن والاختبار في النساء والمال والولد والجاه «أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» لإقامة الحجة ، فإنه يعلم ما يكون قبل كونه ، لأنه علمه في ثبوته أزلا ، وأنه لا يقع في الكون إلا كما ثبت في العين

- الوجه الثاني -لما كان للمحب رغبة في لقاء محبوبه ، وهو لقاء خاص عيّنه الحق ، إذ هو المشهود في كل حال ، ولكن لما عيّن ما شاء من المواطن وجعله محلا للقاء مخصوص ، رغبنا فيه ، ولا نناله إلا بالخروج من الدار التي تنافي هذا اللقاء ، وهي الدار الدنيا ، خيّر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بين البقاء في الدنيا والانتقال إلى الأخرى

فقال [ الرفيق الأعلى ] وورد في الخبر أنه [ من أحب لقاء اللّه ] يعني بالموت [ أحب اللّه لقاءه ومن كره لقاء اللّه كره اللّه لقاءه ]

فلقيه في الموت بما يكرهه ، وهو أن حجبه عنه ، وتجلى لمن أحب لقاه من عباده ، ولقاء الحق بالموت له طعم لا يكون في لقائه في الحياة الدنيا بالحال ، فالموت فيه فراغ لأرواحنا من تدبير أجسامها ، وهذا الذوق لا يكون إلا بالخروج من الدار الدنيا بالموت لا بالحال ، وهو أن يفارق هذا الهيكل الذي وقعت له به هذه الألفة من حين ولد وظهر به ، بل كان السبب في ظهوره ، ففرّق الحق بينه وبين هذا الجسم لما ثبت من العلاقة بينهما ،

وهو من حال الغيرة الإلهية على عبيده لحبه لهم ، فلا يريد أن يكون بينهم وبين غيره علاقة ، فخلق الموت وابتلاهم به تمحيصا لدعواهم في محبته

- الوجه الثالث-اعلم أن الحياة للأرواح المدبرة للأجسام كلها النارية والترابية والنورية كالضوء للشمس سواء ، فالحياة لها وصف نفسي ، فما يظهرون على شيء إلا حيي ذلك الشيء ، وسرت فيه حياة ذلك الروح الظاهر له ،

كما يسري ضوء الشمس في جسم الهواء ووجه الأرض وكل موضع تظهر عليه الشمس ، ولما كان كل ما سوى اللّه حيا ، فإنّ كل شيء مسبح بحمد ربه ولا يسبح إلا حي ،

وقد وردت الأخبار بحياة كل رطب ويابس وجماد ونبات وأرض وسماء ، فكانت الحياة للأعيان والموت للنّسب ، فظهور الروح للجسم حياة ذلك الجسم ، كظهور الشمس لاستنارة الأجسام التي ظهرت لها ، وغيبة الروح عن الجسم زوال الحياة من ذلك الجسم وهو الموت ، فالاجتماع حياة والفرقة موت ،

والاجتماع والافتراق نسب معقولة ، لها حكم ظاهر وإن كانت معدومة الأعيان ، فتركيب الروح والجسم ينتج عنه النفس الناطقة المدبرة للأجسام ، وهذا النوع من التركيب هو الذي يتصف بالموت ، فإذا فارق الروح الجسم انحلّ التركيب ، وجعل الروح مدبرا لجسد آخر برزخي ، وألحق الجسم بالتراب ، ثم ينشئ


له نشأة أخرى يركبه فيها في الآخرة ، فقال تعالى «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ» أي يختبر عقولكم بالموت والحياة «أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» بالخوض فيهما والنظر ، فيرى من يصيب منكم ومن يخطئ ؛

واعلم أن القوى كلها التي في الإنسان وفي كل حيوان ،

- مثل قوة الحس وقوة الخيال وقوة الحفظ والقوة المصورة وسائر القوى كلها المنسوبة إلى جميع الأجسام علوا وسفلا - إنما هي للروح ،

تكون بوجوده وإعطائه الحياة لذلك الجسم ،

وينعدم فيها ما ينعدم بتوليه عن ذلك الجسم من ذلك الوجه الذي تكون عنه تلك القوة الخاصة ، فإذا أعرض الروح عن الجسم بالكلية زال بزواله جميع القوى والحياة ، وهو المعبر عنه بالموت ،

كالليل بمغيب الشمس ، وأما بالنوم فليس بإعراض كلي ، وإنما هي حجب وأبخرة تحول بين القوى وبين مدركاتها الحسية مع وجود الحياة في النائم ،

كالشمس إذا حالت السحب بينها وبين موضع خاص من الأرض ، يكون الضوء موجودا كالحياة ، وإن لم يقع إدراك الشمس لذلك الموضع الذي حال بينه وبينها السحاب المتراكم ، وكما أن الشمس إذا فارقت هذا الموضع من الأرض وجاء الليل بدلا منه ، ظهرت في موضع آخر بنوره أضاء به ذلك الموضع ، فكان النهار هنالك كما كان هنا ،

كذلك الروح إذا أعرض عن هذا الجسم الذي كانت حياته به ، تجلى على صورة من الصور الذي هو البرزخ

- وهو بالصاد جمع صورة - فحييت به تلك الصورة في البرزخ ، وكما تطلع الشمس في اليوم الثاني علينا فتستنير الموجودات بنورها ، كذلك الروح يطلع في يوم الآخرة على هذه الأجسام الميتة فتحيا به ، فذلك هو النشر والبعث ؛

واعلم أن الحياة في جميع الأشياء حياتان : حياة عن سبب وهي الحياة التي ذكرناها ونسبناها إلى الأرواح ، وحياة أخرى ذاتية للأجسام كلها كحياة الأرواح للأرواح ، غير أن حياة الأرواح يظهر لها أثر في الأجسام المدبرة بانتشار ضوئها فيها وظهور قواها التي ذكرناها ، وحياة الأجسام الذاتية لها ليست كذلك ، فإن الأجسام ما خلقت مدبرة ،

فبحياتها الذاتية - التي لا يجوز زوالها عنها فإنها صفة نفسية لها - بها تسبح ربها دائما ، سواء كانت أرواحها فيها أو لم تكن ، وما تعطيها أرواحها إلا هيئة أخرى عرضية في التسبيح بوجودها خاصة ، وإذا فارقتها الروح فارقها ذلك الذكر الخاص ،

وهو الكلام المتعارف بيننا المحسوس ، تسبيحا كان أو غيره ، ولكل صورة في العالم روح مدبرة وحياة ذاتية ، تزول الروح بزوال تلك الصورة ، وتزول الصورة بزوال ذلك الروح ، والحياة الذاتية لكل


جوهر فيه غير زائلة ، وبتلك الحياة الذاتية - التي أخذ اللّه بأبصار بعض الخلق عنها - بها تشهد الجلود يوم القيامة على الناس والألسنة والأيدي والأرجل ، وبها تنطق فخذ الرجل في آخر الزمان فتخبر صاحبها بما فعل أهله ، وبها تنطق الشجرة في آخر الزمان إذا اختفى خلفها اليهود حين يطلبهم المسلمون للقتل ، فتقول للمسلم إذا رأته يطلب اليهودي

[ يا مسلم هذا يهودي خلفي فاقتله ]

وإنما كانت هذه الحياة في الأشياء ذاتية لأنها عن التجلي الإلهي للموجودات كلها ، لأنه خلقها لعبادته ومعرفته ، ولا أحد من خلقه يعرفه إلا أن يتجلى له فيعرفه بنفسه ، إذ لم يكن في طاقة المخلوق أن يعرف خالقه ، والتجلي دائم أبدا مشاهد لكل الموجودات ظاهرا ، ما عدا الملائكة والإنس والجن ، فإن التجلي لهم الدائم إنما هو فيما ليس له نطق ظاهر ، كسائر الجمادات والنباتات ، وأما التجلي لمن أعطي النطق والتعبير عما في نفسه وهم الملائكة والإنس والجن من حيث أرواحهم المدبرة لهم وقواها ، فإن التجلي لهم من خلف حجاب الغيب ،

فالمعرفة للملائكة بالتعريف الإلهي لا بالتجلي ، والمعرفة للإنس والجن بالنظر والاستدلال ، والمعرفة لأجسامهم ومن دونهم من المخلوقات بالتجلي الإلهي ،

وذلك لأن سائر المخلوقات فطروا على الكتمان فلم يعطوا عبارة التوصيل ، وأراد الحق ستر هذا المقام رحمة بالمكلفين ، إذ سبق في علمه أنهم يكلفون وقد قدّر عليهم المعاصي ، فلهذا وقع الستر عنهم ، لأنهم لو عصوه بالقضاء والقدر على التجلي والمشاهدة لكان عدم احترام عظيم وعدم حياء ، وكانت المؤاخذة عظيمة ،

فكانت الرحمة لا تنالهم أبدا ، ولهذا كانت الغفلة والنسيان من الرحمة التي جعلها اللّه لعباده ، وما كلّف اللّه أحدا من خلقه إلا الملائكة والإنس والجن ، وما عداهم فإن دوام التجلي لهم أعطاهم الحياة الذاتية الدائمة ، وهم في تسبيحهم مثلنا في أنفاسن «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» فأحسن المؤمنون فسعدوا ، ولم يحسن الكفار فخسروا «وَهُوَ الْعَزِيزُ» المنيع الحمى عن أن يدركه خلقه ، أو يحاط بشيء من علمه إلا بما شاء ، وهو «الْغَفُورُ» الذي ستر العقول عن إدراك كنهه أو كنه جلاله ، ولو كشف لكل أحد ما كشفه لبعض العالم لم يكن غفورا ، ولا كان فضل لأحد على أحد ، إذ لا فضل إلا بمزيد العلم .


المراجع:

(2) الفتوحات ج 3 / 457 - كتاب عقلة المستوفز - الفتوحات ج 2 / 24 - ج 4 / 454 - ج 2 / 351 -ح 3 / 65 ، 66 ، 171 ، 65 ، 66 - إيجاز البيان آية 29 - الفتوحات ج 3 / 66 ، 457

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!