موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة البقرة (2)

 

 


الآية: 22 من سورة البقرة

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)

«وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» أنه أوجد الأسباب ، وأوجدكم عندها لا بها ، فإن اللّه وضع الأسباب وجعلها له كالحجّاب ، فهي توصل إليه تعالى كل من علمها حجّابا ، وهي تصد عنه كل

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:قوله (رِزْقاً لَكُمْ) كلها من باب تقرير النعم التي أنعم بها على عباده ، فكأن «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» صار مقحما ، وإن لم يسم مثل هذا مقحما ، ولكنه في المعنى كذلك ، وربما لا يعرف إنزال هذه اللفظة في هذا الموضع وفصلها بين المناسبين إلا من يعرف إعجاز القرآن ، وأما حرف الترجي في هذه التقوى مع علمه بما يكون منهم ، فمثل قوله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ) وهو عالم بما يكون منهم ، وغلّب المخاطب على الغائب في «لَعَلَّكُمْ» لأنه المقصود بالخطاب ، وهو الأوجه من طريق المعنى ، لأن اللّه هو المخاطب ولا يغيب شيء عن اللّه ، فينسحب هذا الخطاب على جميع المخلوقات من مضى ، ومن هو الآن ، ومن يكون ، وبلا شك أن من يكون مخاطب بهذه الآية وهو الآن لم يكن ، ولكن ما جاء فيه بضمير الغائب ، وكذلك من قبلنا ، والكلام قديم ، والسامع محدث ، والمتكلم به كذلك ، قال تعالى (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) والذي جاءهم إنما هو المتكلم به .

ثم قال (23) «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً» خص ذكر الفراش على المهاد والقرار والبساط للتوالد الذي يذكره فيما بعد ، من إخراج الثمرات بإنزال الماء من السماء في الأرض ، وذكر السماء بلفظة البناء للابتناء ، فجعله شبيها بالنكاح فقال «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً» فعلى السماء على الأرض وهي مفترشة قابلة ، فأنزل فيها الماء فاهتزت وتحركت وربت ، حملت شبه حمل المرأة «فَأَخْرَجَ بِهِ» أي بسبب هذا النكاح «مِنَ الثَّمَراتِ» الألف واللام لاستغراق الجنس «رِزْقاً لَكُمْ» ما تغتذون به «فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ» الذي خلق هذه الأشياء كلها «أَنْداداً» آلهة تعبدونها ، مخلوقة تنحتونها بأيديكم ، أو تتخذون الكواكب وغيرها آلهة مع اللّه «وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» أنهم لا يخلقون شيئا وأن اللّه هو خالقهم وخالق كل شيء ، والند المثل المخالف المناوي ، وهذا لا يتصور إلا فيمن يدّعي الألوهية ، كفرعون وغيره من الجبابرة ، لا في كل من يدّعى فيه الألوهية ، وهو واللّه أعلم من ندّ أي شرد ، فإنه شرد من موطن العبودة التي هي حقيقته إلى الربوبية التي ليس له منها وصف ، ولا له فيها قدم ، فلهذا سمي ندا ، فكأنه يقول لهم : من ندّ وادعى لكم أنه إله ، فلا تجعلوه لي ندا ، أي مثلا ، قال عليه

من اتخذها أربابا ، فذكرت الأسباب في إنبائها ، أن اللّه من ورائها ، وأنها غير متصلة بخالقها ، فإن الصنعة لا تعلم صانعها ، ولا منفصلة عن رازقها ، فإنّها تأخذ عنه مضارها ومنافعها ، فالعلاقة بين الأسباب والمسببات لا تنقطع ، فإنها الحافظة لكون هذا سببا ، وهذا مسببا عنه ، فسببية السماء فيما يظهر على الأرض من النبات من توجهها عليها بما تلقيه من الغيث فيها ، وتلقيها ، كذلك كل حركة فلكية ونظر كوكب في العالم العلوي وإمداد الطبيعة ، كل ذلك أسباب لوجود زهرة تظهر على وجه الأرض ، والسبب الحادث قد يعلم أن أثره وحكمه في المسبّب عن أمر إلهي فله فيه إرادة ، فهو سبب عرضي ، وقد لا يعلم أن أثره وحكمه في المسبب عن أمر إلهي فهو سبب ذاتي ، ومن جهة أخرى نقول : إن الغنى باللّه لا يصح عن اللّه ، ولا عن المخلوقين من حيث العموم ، لكنه يصح من حيث تعيين مخلوق ما ، يمكن أن يستغنى عنه بغيره ، فإن اللّه ما وضع الأسباب سدى ، فمنها أسباب ذاتية لا يمكن رفعها هنا ، ومنها أسباب عرضية يمكن رفعها ، فمن المحال رفع التأليف والتركيب عن الجسم ، مع بقاء حكم الجسمية فيه ، فهذا سبب لا يمكن زواله إلا بعدم عين الجسم من الوجود ، وإذا كانت الأسباب الأصلية لا ترتفع فلنقر الأسباب العرضية أدبا مع اللّه ، فإنه ما وضعها إلا وهو يعلم الحكمة في وضعها ، ولا نركن إليها ، ونبقي الخاطر معلقا باللّه ، فلا يرفع الأسباب إلا جاهل بالوضع الإلهي ، ولا يثبت الأسباب إلا عالم كبير أديب في العلم الإلهي ، ومع ذلك يجب أن نعلم أن للّه في كل موجود وجها خاصا وفي كل ما وجد فيه ، وعن ذلك الوجه الخاص وجد ، ولا يعرف السبب قط ذلك الوجه الخاص الذي لمسبّبه المنفعل عنه ، فلا يعلمه إلا اللّه خاصة وهو رقيقة الجود ، وكل خلق أضيف إلى خلق فمجاز وصورة حجابية ، ليعلم العالم من الجاهل ، وفضل الخلق بعضهم على بعض.

[ كيفيته كون الأرض فراش ]

إشارة لطيفة - إن فهمت معاني القرآن ، وكيف جعل الأرض فراشا ، وكيف خلق آدم منها ، علمت قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : الولد للفراش يريد المرأة ، أي لصاحب الفراش ، كما كان آدم عليه السلام حيث جعله خليفة فيمن خلق فيها ، ليكون أيضا صاحب فراش لأنه على صورة من أوجده ، فأعطاه قوة الفعل ، كما أعطاه قوة الانفعال ، فإن اللّه ما خلق الألفاظ حين عينها بالذكر سدى ، ولولا هذه الحكمة المطلوبة لا كتفي بالمهاد ولم

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
السلام : من الكبائر أن تجعل للّه ندا وهو خلقك ، فمن عجز عن الخلق فليس بإله ، فالخلق أخص

يذكر الفراش ، فإن ذلك حرف جاء لمعنى وهو ما قلنا ولا يقتصر ، فجعل سبحانه بين السماء والأرض التحاما معنويا ، وتوجها لما يريد سبحانه أن يوجده في هذه الأرض من المولدات ، من معدن ونبات وحيوان ، فجعل الأرض كالأهل ، والسماء كالبعل ، والسماء تلقي إلى الأرض من الأمر الذي أوحى اللّه فيها ، كما يلقي الرجل الماء بالجماع في المرأة ، وتبرز الأرض عند الإلقاء ما خبأه الحق فيها من التكوينات على طبقاتها .


المراجع:

(22) الفتوحات ج 1 / 399 - ج 2 / 429 ، 428 ، 208 ، 227 ، 123 ، 434 - ج 3 / 386 - الفتوحات ج 4 / 243 ، 415 - الفتوحات ج 1 / 131

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!