موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الإنفطار (82)

 

 


الآية: 6 من سورة الإنفطار

يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)

[ «يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ» الآية - تلقين الحجة للعبد : ]

وجودك عن تدبير أمر محقق *** وتفصيل آيات لو أنك تعقل

فيا أيها الإنسان ما غرّ ذاتكم *** برب يرى الأشياء تعلو وتسفل

فإن كنت ذا عقل وفهم وفطنة *** علمت الذي قد كنت بالأمس تجهل

وذلك أن تدري بأنك قابل *** لقرب وبعد بالذي أنت تعمل

فخف رب تدبير وتفصيل مجمل *** فذاك الذي بالعبد أولى وأجمل

إذا كان هذا حالك اليوم دائبا *** لعل بشارات بسعدك تحصل

فإن جلال الحق يعظم قدره ***وفي الخلق يقضي ما يشاء ويفصل

فالرب الكريم خلق ، فعيّن الشكل وفصّل الأجزاء في الكل ، لذلك قال «يا أَيُّهَ


الْإِنْسانُ» حدث اسم الإنسان باجتماع النفس والجسم ، وتعلق التكليف وظهرت الطاعات والمخالفات ، فالإنسان العاقل البالغ هو المكلف لا غير ، ومن زالت عنه هذه الشروط من هذا النوع ، فليس بمكلّف ولا مذموم على ترك فعل أو فعل منهي عنه ،

ولما أنس الإنسان برتبة الكمال فوقع بما رآه الأنس له سماه إنسانا ، فالألف والنون فيه زائدتان في اللسان العربي ، ولما كان الإنسان مخلوقا على الصورة الإلهية سمي باسم ينصرف ، ليعلم في صورته الإلهية أنه مقهور ممنوع عبد ذليل مفتقر ، إذ كانت الصورة الإلهية تعطيه التصرف في جميع المراتب ،

ولهذا سمي بإنسان فرفع وخفض ونصب ، فهو إنسان من حيث الصورة ، ومنها يتصرف في المراتب كلها ، ومنع الصرف من حيث هو في قبضة موجده ،

ملك يبقيه ما شاء ويعدمه إن شاء ، فبالصورة تنال الخلافة والتصريف واسم الإنسانية ، فمن إنسانيته ثبت أنه غير يؤنس به ، ومن الخلافة ثبت أنه عبد فقير ما له قوة من استخلفه ،

بل الخلافة خلعت عليه ، يزيلها متى شاء ، ويجعلها على غيره ، فقال تعالى معلما ومنبها ينبه الإنسان «يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ» وما يعني بالإنسان هنا إلا المسئ صاحب الكبيرة ، فنبه اللّه المسئ أن يقول : بكرم الحق ، لكونه يحكم بالكرم في حقه ، فنبهه بهذه الآية ليقول : كرمك ؛ فإنه لا يقاوم كبير كرمه إلا بأكبر الكبائر ، وهناك يظهر عموم الكرم الإلهي ،

فلا يعرف الكريم إلا المسئ ، ولا أكرم من اللّه ، فيقول تعالى لهذا الإنسان «ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ» فهذه الآية من باب تعليم الخصم الحجة خصمه ، ليحاجه بذلك إن كان محبوبا ، ليقول : كرمك ، وتنبيه من اللّه لعبده ، كما يفعله الحاكم المؤمن العالم ،

إذ يقول للسارق والزاني : قل لا زنيت أو قل لا سرقت أو قل لا ، لعلمه أنه إذا اعترف أقام عليه الحد ، فربما يكون الزاني يدهش بين يدي الحاكم فينبهه ، فيقول بهذه المقالة : لا ، فيدرأ عنه الحد بذلك ، وجاء بلفظة الإنسان بالألف واللام والإغرار ليعم جميع الناس ، فلقد فزت بحظ عظيم «يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ» والكريم هو الذي يترك ما له ويؤدي ما أوجبه على نفسه من الحقوق ، كرما منه قبل أن يسألها ، ثم إنه يمنع وقتا ويطالب وقتا ، لتظهر بذلك منزلة الشافع عنده في مثل هذا ، وكرمه بالسائل فيما سأله فيه بإجابته ، فقوله تعالى هذا ذكّر العبد بالحجة ، وأبان له عن المحجة ، ليقول : كرمك غرني ، والكريم لا يضرني وهو الغيور على اسمه ، والمبقي في قلب عبده رسمه لسابق علمه ، فمن رحمة اللّه تعالى تلقين عبده حجته ، فلو قال : الشديد


العقاب ، ذهل وتحير ، وهذا مما يدل على أن إرادة الحق بالناس السعادة في المآل ، ولو نالهم ما نالهم مما يناقضها ، فإن الحق لم يخص شخصا من شخص ، بل الظاهر أنه يريد من خالف أمره وعصاه مطلقا لا من أطاعه ، فنبه الغافل عن صفة الحق التي هي كرمه ، فإنه من كرمه أوجده ، ليقول له العبد : يا رب كرمك غرني ؛ فقد يقولها لبعض الناس هنا في خاطره وفي تدبره عند التلاوة ، فيكون سبب توبته ، وقد يقولها في حشره ، وقد يقولها له وهو في جهنم ، فتكون سببا في نعيمه حيث كان ، فإنه ما يقولها له إلا في الوقت الذي قد شاء أن يعامله بصفة الكرم والجود ، فإن رحمته سبقت غضبه .


المراجع:

(6) الفتوحات ج 1 / 250 - ج 3 / 402 - ج 2 / 406">643 - ج 4 / 68 ، 137 - ج 2 / 139 - ج 3 / 534 - ج 2 / 139 - ج 4 / 4 ، 366 - إيجاز البيان الفاتحة آية 3 - الفتوحات ج 2 / 139 - ج 1 / 528

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!