موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة البروج (85)

 

 


الآية: 1 من سورة البروج

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1)

خلق اللّه في جوف الكرسي جسما شفافا مستديرا قسمه اثني عشر قسما ، سمى الأقسام بروجا ، وهي التي أقسم بها لنا في كتابه فقال «وَالسَّماءِ» لعلوها علينا ، وهي الفلك الأدنى ، خلقه اللّه وقسّمه اثني عشر قسما سماها البروج ، فجعل كل قسم برجا «ذاتِ الْبُرُوجِ» وتسمى هذه السماء الفلك الأطلس ، قسّمه الحق على اثنى عشر مقدارا ، فعمت المقادير ،

وإنما كانت الفروض المقدرة في الفلك الأطلس اثني عشر فرضا لأن منتهى أسماء العدد إلى اثنى عشر اسما ، وهو من الواحد إلى العشرة ، إلى المائة وهو الحادي عشر ،

إلى الألف وهو الثاني عشر ، وليس وراءه مرتبة أخرى ، ويكون التركيب فيها بالتضعيف إلى ما لا نهاية له بهذه الأسماء الخاصة ، وجعل سبحانه البروج محلات لسكنى اثنى عشر ملكا ،

أنزلهم اللّه فيها فهي بروج لأرواح ملكية على طبائع مختلفة ، سمى كل برج باسم ذلك الملك الذي جعل ذلك المقدار برجا له يسكنه ، كالأبراج الدائرة بسور البلد ، وكمراتب الولاة في الملك ، وهي البروج المعلومة عند أهل التعاليم ، وجعل اللّه لكل وال ساكن في هذا البرج أحكاما معلومة عن دورات مخصوصة ، وأسماء هذه الملائكة التي تسمت بها البروج هي:


الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت والحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة ، وجعل اللّه لهؤلاء الملائكة مراتب في الفلك المحيط ، وجعل بيد كل ملك ما شاء أن يجعله مما يبرزه فيمن هو دونهم إلى الأرض حكمة ، ورفع اللّه الحجاب الذي بين هؤلاء الملائكة وبين اللوح المحفوظ ، فرأوا ما فيه مسطرا أسماءهم ومراتبهم وما شاء الحق أن يجريه على أيديهم في عالم الخلق إلى يوم القيامة ، وجعل اللّه لكل واحد من هؤلاء الملائكة حاجبين ينفذان أوامرهم ، فمجموعهم أربع وعشرون ملكا ، وجعل بين كل حاجبين سفيرا يمشي بينهما بما يلقي إليه كل واحد منهما ، وعيّن اللّه لهؤلاء الذين جعلهم اللّه حجّابا لهؤلاء الولاة في الفلك الثاني منازل يسكنونها ، وأنزلهم إليها وهي الثمانية والعشرون منزلة التي تسمى المنازل التي ذكرها اللّه في كتابه ، فقال (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) يعني في سيره ، وقد أوحى اللّه في سماء البروج أمرها ، فلكل برج فيها أمر يتميز به عن غيره من البروج ، وجعل لهذه البروج أثرا من أمر اللّه الموحى به فيها فيما دون هذه السماء ، من عالم التركيب والإنسان من حيث جسمه وطبيعته ، وذلك بأن جعل اللّه البروج ترجع إلى أربعة من الطبيعة ، ثم كرر كل واحد من الأربعة في ثلاثة مواضع منه ، وجعل هذه الأقسام كالمنازل والمناهل التي ينزل فيها المسافرون ويسير فيها السائرون في حال سيرهم وسفرهم ، لينزل في هذه الأقسام عند سير الكواكب فيها وسباحتهم ما يحدث اللّه في جوف هذا الفلك من الكواكب التي تقطع بسيرها في هذه البروج ، ليحدث اللّه عند قطعها وسيرها ما شاء أن يحدث من العالم الطبيعي والعنصري ، وجعلها علامات على أثر حركة فلك البروج ، فقسم من هذه الأربعة طبيعته الحرارة واليبوسة ، والثاني البرودة واليبوسة ، والثالث الحرارة والرطوبة ، والرابع البرودة والرطوبة ، وجعل الخامس والتاسع مثل الأول ، وجعل السادس والعاشر مثل الثاني ، وجعل السابع والحادي عشر مثل الثالث ، وجعل الثامن والثاني عشر مثل الرابع ، أعني في الطبيعة ، ولما خلق اللّه هذا الفلك الأول دار دورة غير معلومة الانتهاء إلا للّه تعالى ، لأنه ليس فوقه شيء محدود من الأجرام يقطع فيه -فإنه أول الأجرام الشفافة - فتتعدد الحركات وتتميز ، ولا كان قد خلق اللّه في جوفه شيئا فتتميز الحركات وتنتهي عند من يكون في جوفه ، ولو كان لم تتميز أيضا لأنه أطلس لا كوكب فيه ، متشابه الأجزاء ، فلا يعرف مقدار الحركة الواحدة منه ولا تتعين ، فلو كان فيه جزء مخالف لسائر الأجزاء عدّ به حركاته بلا شك ،


ولكن علم اللّه قدرها وانتهاءها وكرورها ، فحدث عن تلك الحركة اليوم ، ولم يكن ثمّ ليل ولا نهار في هذا اليوم ، ثم استمرت حركات هذا الفلك ، فخلق اللّه ما شاء من الأملاك والأفلاك والدار الدنيا والدار الآخرة ، وخلق الجان من النار والطير والدواب البرية والبحرية والحشرات ، ولما استوت المملكة وتهيأت ما عرف أحد من هذه المخلوقات كلها من أي جنس يكون الخليفة الذي مهّد اللّه هذه المملكة لوجوده .

واعلم أن هؤلاء الاثني عشر ملكا هم لأهل الجنة كالعناصر لأهل الدنيا ، جعل لكل نائب من هؤلاء الأملاك الاثني عشر في كل برج ملكه إياه ثلاثين خزانة ، تحتوي كل خزانة منها على علوم شتى ، يهبون منها لمن نزل بهم على قدر ما تعطيه رتبة هذا النازل ، وهذه الخزائن تسمى عند أهل التعاليم درجات الفلك ، والنازلون بها هم الجواري ، والمنازل وعيوقاتها من الثوابت ، والعلوم الحاصلة من هذه الخزائن الإلهية هي ما يظهر في عالم الأركان من التأثيرات ، بل ما يظهر من مقعر فلك الكواكب الثابتة إلى الأرض ، وسميت ثابتة لبطئها عن سرعة الجواري السبعة ، وجعل لهؤلاء الاثني عشر نظرا في الجنات وأهلها وما فيها مخلصا من غير حجاب ، فما يظهر في الجنان من حكم فهو عن تولي هؤلاء الاثني عشر بنفوسهم ، تشريفا لأهل الجنان ، وأما أهل الدنيا وأهل النار فما يباشرون ما لهم فيها من الحكم إلا بالنواب ، وهم النازلون عليهم ، فكل ما يظهر في الجنات من تكوين وأكل وشرب ونكاح وحركة وسكون وعلوم واستحالة ومأكول وشهوة ، فعلى أيدي هؤلاء النواب الاثني عشر من تلك الخزائن بإذن اللّه عزّ وجل الذي استخلفهم ، ولهذا كان بين ما يحصل عنهم بمباشرتهم وبين ما يحصل عنهم بغير مباشرتهم - بل بواسطة النازلين بهم الذين هم لهم في الدنيا والنار كالحجاب والنواب - بون عظيم وفرقان كبير ، فهؤلاء النواب الاثنا عشر هم الذين تولوا بناء الجنات كلها إلا جنة عدن ، فإن اللّه خلقها بيده ، وجعل بأيديهم غراس الجنات إلا شجرة طوبى ، فإن الحق تعالى غرسها بيده في جنة عدن ، وأما البروج فهي الفروض المؤقتة الاثنا عشر شهرا ، وبقطع الشمس الفروض تسمى الشهر ، وسمي قطع الفروض كلّها السنة الشمسية .


المراجع:

(1) الفتوحات ج 3 / 433 - ج 1 / 388">388 ، 122 - ج 2 / 434 - ج 1 / 294 - ج 2 / 434 -ح 1 / 146 ، 195 - ج 3 / 298 - ج 1 / 122 - ج 3 / 433 - ج 1 / 388">388

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!