The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الشمس (91)

 

 


الآية: 8 من سورة الشمس

فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8)

[ «فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها» الآية ]

لهذا جعلناها محل التطهير والتغيير ، فإن أجابت الهوى كان التغيير ، وحصل لها اسم الأمّارة بالسوء ، وإن أجابت العقل كان التطهير وصح لها اسم المطمئنة شرعا ، ووقوع هذا الأمر لحكمة لطيفة وسر عجيب ، وهو أن اللّه سبحانه لما أوجد الروح وهو الخليفة على الكمال ، أراد أن يعرّفه سبحانه مع ذلك أنه فقير لا حول ولا قوة إلا لسيده الرب تعالى ، فلهذا أوجد له منازعا ينازعه فيما قلّده ، فرجع الروح بالشكوى إلى اللّه القديم سبحانه ، فثبتت له في نفسه عبوديته بالافتقار والعجز والذلة ، وتحقق التميز وعرف قدره ، فذلك كان المراد ، فإن الإنسان لو نشأ على الخير والنعم طول عمره لم يعرف قدر ما هو فيه حتى يبتلى ، فإذا مسه الضر عرف قدر المنعم ، والإلهام ضرب من ضروب الوحي لا يخلو عنه موجود ، وهو خبر من اللّه للعبد على يد ملك مغيّب عن هذا الملهم ، وقد يلهم من الوجه الخاص ، فالرسول والنبي يشهد الملك ويراه عندما يوحي إليه ، وغير الرسول يحس بأثره


ولا يراه رؤية بصر ، فيلهمه اللّه به ما شاء أن يلهمه ، أو يعطيه من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط ، وهو أجلّ الإلقاء وأشرفه ، فالإلهام إعلام إلهي ، ما هو مثل وحي الكلام ، ولا وحي الإشارة والعبارة ، وهو الخاطر الخاطر ، فلا يعول إلا على الخاطر الأول ، فإنه الحق المبين ، والصادق الذي لا يمين ، ولهذا يصيب ولا يخطئ ، ويمضي ما يقول ولا يبطئ ، فدخل الملك بالتقوى في هذه الآية إذ لا نصيب له في الفجور ، وكذلك سائر نفوس ما عدا الإنس والجان ، فالإنس والجن ألهموا الفجور والتقوى ، وما ذكر سبحانه من الملهم لها بالفجور والتقوى ، فأضمر الفاعل ، فالظاهر أن الضمير المضمر يعود على المضمر في (سَوَّاها) وهو اللّه تعالى ، فإن سبيل الوحي قد انقطع بموت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، وقد كان الوحي قبله ، ولم يجئ خبر إلهي أن بعده وحيا ، وإن لم يلزم هذا ،

وقد جاء الخبر النبوي الصادق في عيسى عليه السلام - وقد كان ممن أوحي إليه قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -أنه لا يؤمنا إلا منا ، أي بسنتنا ، فله الكشف إذا نزل والإلهام ، كما لهذه الأمة ، فالإلهام الإلهي أكثره لا واسطة فيه ، فمن عرفه عرف كيف يأخذه ، ومحله النفس ، قال تعالى «فَأَلْهَمَها» فالفاعل هويته ، فهو الملهم لا غيره (فُجُورَها) ليعلمه لا ليعمل به «وَتَقْواها» ليعلمه ويعمل به ، فهو إلهام إعلام لا كما يظنه من لا علم له ، فبين لها الفجور من التقوى إلهاما من اللّه لها ، لتتجنب الفجور وتعمل بالتقوى ، فألهمها فعلمت أن الفجور فجور فاجتنبته ، وعلمت أن التقوى تقوى فلزمته ، فتسلك طريق التقوى وتجانب طريق الفجور ، وكذلك ليفصل بين الفجور والتقوى ، إذ النفس محل لظهور الأمرين فيها ، فربما التبس عليها الأمر وتخيلت فيه أنه كله تقوى ، فعلمها اللّه فيما ألهمها ما يتميز به عندها الفجور من التقوى ، ولذا جاء بالإلهام ولم يجئ بالأمر ، فإن اللّه لا يأمر بالفحشاء ، والفجور فحشاء ، فله الإلهام فينا ، ولنا العمل بما ألهم ، ولذلك قال (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) والدس إلحاق خفي بازدحام ، فألحق العمل بالفجور بالعمل بالتقوى وما فرق في موضع التفريق ، فجمع بينهما في العلم والعمل ، والأمر ليس كذلك ، وسبب جهله بذلك أنه رمى ميزان الشرع من يده ، فلو لم يضع الميزان من يده لرأى أنه مأمور بالتقوى منهي عن الفجور ، مبيّن له الأمران معا ، ولما أضاف اللّه الفجور لها والتقوى ، علمنا أنه لا بد من وقوعهما في الوجود من هذه النفس الملهمة ، وكما أن اللّه سبحانه لم يأمر بالفحشاء لم يلهم العبد العمل بالفحشاء كما يراه بعضهم ،


ولو ألهمه العمل بالفحشاء لما قامت الحجة للّه على العبد ، بل هذه الآية

مثل قوله (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) - .

لا تحكمن بإلهام تجده فقد *** يكون في غير ما يرضاه واهبه

واجعل شريعتك المثلى مصححة *** فإنها ثمر يجنيه كاسبه

له الإساءة والحسنى معا فكما *** تعطي طرائفه تردي مذاهبه

فاحذره إن له في كل طائفة *** حكما إذا جهلت فينا مكاسبه

لا تطلبن من الإلهام صورته *** فإن وسواس إبليس يصاحبه

في شكله وعلى ترتيب صورته *** وإن تميز فالمعنى يقاربه

فجعل اللّه النفس محلا قابلا لما تلهمه من الفجور والتقوى ، فتميز الفجور فتجتنبه ، والتقوى فتسلك طريقه ، ومن نظر قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [ إن للملك في الإنسان لمة ، وللشيطان لمة ]

يعني بالطاعة وهي التقوى ، والمعصية وهي الفجور ، فيكون الضمير في ألهمها للملك في التقوى ، وللشيطان في الفجور ، فيكون قوله تعالى «فَأَلْهَمَها فُجُورَها» عملا أو تركا ، لمجيئه على يد شيطان ، «وَتَقْواها» عملا أو تركا لمجيئه على يد ملك ، ولم يجمعهما في ضمير واحد لبعد المناسبة بينهما ،

وكل بقضاء اللّه وقدره ، ولا يصح أن يقال في هذا الموضع : إن اللّه هو الملهم بالتقوى ، وإن الشيطان هو الملهم بالفجور ، لما في ذلك من الجهل وسوء الأدب ، لما في ذلك من غلبة أحد الخاطرين ، والفجور أغلب من التقوى ،

فإنه في ذلك يجمع بين اللّه والشيطان في ضمير واحد ، وهو غاية سوء الأدب مع اللّه ، وما أحسن ما جاء بالواو العاطفة في قوله «وَتَقْواها» فتعالى اللّه الملك القدوس أن يجتمع مع المطرود من رحمة اللّه في ضمير ، مع احتمال الأمر في ذلك ، فالفاعل في ألهمها مضمر ، وكذلك لا يترجح أن ننسب الإلهام بالفجور إلى اللّه ، فلم يبق بعد هذا الاستقصاء إلا أن يكون الضمير في ألهمها بالفجور إلى الشيطان ،

وبالواو بالتقوى إلى الملك ، فمقابلة مخلوق بمخلوق أولى من مقابلة مخلوق بخالق ، ومن وجه آخر تطلبه الآية ، وهو أنه بما ألهمها عرّاها أن يكون لها في الفجور والتقوى كسب أو تعمل ، وإنما هي محل لظهور الفعل ، فجورا كان أو تقوى شرع

- الفرق بين الإلهام والعلم اللدني-

العلم بالطاعة إلهامي ، والعلم بنتائج الطاعة لدني ، فالإلهام عارض طارئ ، يزول ويجيء ، والعلم اللدني ثابت لا يبرح ،


والإلهام هو ما يلهمه العبد من الأمور التي لم يكن يعرفها قبل ذلك ، والعلم اللدني الذي لا يكون في أصل الخلقة ، فهو العلم الذي تنتجه الأعمال ، فيرحم اللّه بعض عباده بأن يوفقه لعمل صالح ، فيعمل به فيورثه اللّه من ذلك علما من لدنه لم يكن يعلمه قبل ذلك ، ولا يلزم من العلم اللدني أن يكون في مادة ، والإلهام لا يكون إلا في مواد ، والعلم يصيب ولا بد ، والإلهام قد يصيب وقد يخطئ ، فالمصيب منه يسمى علم الإلهام ، وما يخطئ منه يسمى إلهاما لا علما ، أي لا علم إلهام ،

قال صلّى اللّه عليه وسلّم [ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع اللّه ] فالإلهام هنا هو التقليب ، والأصابع للسرعة ، والاثنينية لها خاطر الحسن وخاطر القبيح

- بشرى –

قال تعالى «فَأَلْهَمَها فُجُورَها ، وَتَقْواها» قدم تعالى الفجور على التقوى عناية بنا إلى الخاتمة ، والغاية للخير ، فلو أخر الفجور على التقوى لكان من أصعب ما يمر علينا سماعه ، فالفجور يعرض للبلاء ، والتقوى محصل للرحمة ، وقد تأخر التقوى فلا يكون إلا خيرا .


المراجع:

(8) كتاب التدبيرات - الفتوحات ج 2 / 58 - ج 3 / 238 ، 239 - ج 4 / 363 - ج 2 / 58 - ج 1 / 285">285">285">285 - ج 3 / 239 - ج 1 / 280 - ج 4 / 18 ، 346 - ج 3 / 521 ، 211 ، 239 - ج 1 / 285">285">285">285 - ج 2 / 465 - ج 1 / 285">285">285">285 ، 96 - ج 2 / 412

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!