موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الشمس (91)

 

 


الآية: 10 من سورة الشمس

وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10)

[ «وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» الآية - زكاة النفوس ]

لما كان معنى الزكاة التطهير ، ولم يكن المال الذي يخرج في الصدقة من جملة مال المخاطب بالزكاة ، وكان بيده أمانة لأصحابه ، لم يستحقه غير صاحبه ، وإن كان عند هذا الآخر ، ولكنه هو عنده بطريق الأمانة إلى أن يؤديه إلى أهله ، كذلك في زكاة النفوس ، فإن النفوس لها صفات تستحقها ، وهي كل صفة يستحقها الممكن ، وقد يوصف الإنسان بصفات


لا يستحقها الممكن من حيث ما هو ممكن ، ولكن يستحق تلك الصفات اللّه إذا وصف بها ، ليميزها عن صفاته التي يستحقها ، كما أن الحق سبحانه وصف نفسه بما هو حق للممكن تنزلا منه سبحانه ورحمة بعباده ، فزكاة نفسك إخراج حق اللّه منها ، فهو تطهيرها بذلك الإخراج من الصفات التي ليست بحق لها ، فتأخذ ما لك منه وتعطي ما له فيك ،

فقد أفلح من زكاها فلم يتعد قدره والتزم عبوديته ، وقد خاب من دساها في صفات الربوبية ، والإمكان للممكن واجب لنفسه ، فلا يزال انسحاب هذه الحقيقة عليه لأنها عينه ،

واللّه تعالى لا حق له في الإمكان ، يتعالى اللّه علوا كبيرا ، فإنه تعالى واجب الوجود لذاته ، غير ممكن بوجه من الوجوه ، وقد وجدنا هذه النفس قد اتصفت بالوجود ، فقلنا : هذا الوجود الذي اتصفت به النفس ، هل اتصفت به لذاتها أم لا ؟

فرأينا أن وجودها ما هو عين ذاتها ، ولا اتصفت به لذاتها ، فنظرنا لمن هو ، فوجدناه للّه ، كما وجدنا القدر المعين من مال زيد المسمى زكاة ليس هو بمال لزيد ، وإنما هو أمانة عنده ، كذلك الوجود الذي اتصفت به النفس ما هو لها ، إنما هو للّه الذي أوجدها ، فالوجود للّه لا لها ، ووجود اللّه لا وجودها ،

فقلنا لهذه النفس : هذا الوجود الذي أنت متصفة به ما هو لك ، وإنما هو للّه خلعه عليك ، فأخرجه للّه وأضفه إلى صاحبه ، وابق أنت على إمكانك لا تبرح فيه ، فإنه لا ينقصك شيء مما هو لك ، وأنت إذا فعلت هذا كان لك من الثواب عند اللّه ثواب العلماء باللّه ، ونلت منزلة لا يقدر قدرها إلا اللّه ، وهو الفلاح الذي هو البقاء ، فيبقي اللّه هذا الوجود لك لا يأخذه منك أبدا ، فهذا معنى قوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) أي قد أبقاها موجودة من زكاها ، وجود فوز من الشر ، أي من علم أن وجوده للّه أبقى اللّه عليه هذه الخلعة يتزين بها منعما دائما ، وهو بقاء خاص ببقاء اللّه ، فإن الخائب الذي دساها هو أيضا باق ، ولكن بإبقاء اللّه لا ببقاء اللّه ، فإن المشرك الذي هو من أهل النار ما يرى تخليص وجوده للّه تعالى من أجل الشريك ، وكذلك المعطل ، وإنما قلنا ذلك لئلا يتخيل من لا علم له أن المشرك والمعطل قد أبقى اللّه الوجود عليهما ، فبينا أن إبقاء الوجود على المفلحين ليس على وجه إبقائه على أهل النار ، ولهذا وصف اللّه أهل النار بأنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، بخلاف صفة أهل السعادة ، فإنهم في الحياة الدائمة ، وكم بين من هو باق ببقاء اللّه وموجود بوجود اللّه وبين من هو باق بإبقاء اللّه وموجود بالإيجاد لا بالوجود ،


وبهذا فاز العارفون ، لأنهم عرفوا من هو المستحق لنعت الوجود ، وهو الذي استفادوه من الحق ، فهذا معنى قوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) فوجبت الزكاة في النفوس كما وجبت في الأموال ، ووقع فيها البيع والشراء كما وقع في الأموال ،

والزكاة في النفوس آكد منها في الأموال ، ولهذا قدمها اللّه في الشراء فقال (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) ثم قال (وَأَمْوالَهُمْ) واعلم أن النفوس لا تزكو إلا بربها ، فبه تشرف وتعظم في ذاتها ، لأن الزكاة ربو ، فمن كان الحق سمعه وبصره وجميع قواه ،

والصورة في الشاهد صورة خلق فقد زكت نفس من هذا نعته ، ولذلك قال «قَدْ أَفْلَحَ» ففرض له البقاء والبقاء ليس إلا للّه «وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاه» لأنه جهل أنه هكذا في نفس الأمر ، فإن الخلق كله بهذا النعت في نفس الأمر ،

وإلا ما صح لصورة الخلق ظهور ولا وجود ، فوصف بالخيبة حيث لم يعلم هذا ، فهو محروم من نيل غرضه بهذا العلم ، وما ثمّ في الآخرة إلا داران ، جنة ولها أهل ، وهم الموحدون بأي وجه وحدوا ، وهم الذين زكوا أنفسهم ،

والدار الثانية النار ولها أهل ، وهم الذين لم يوحدوا اللّه ، وهم الدّاسون أنفسهم فخابوا ، ومن وجه آخر (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) بالأعمال الصالحة ، «وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» فأدخلها في الصالحين وليست منهم ، فإن من أمراض الأحوال صحبة الصالحين حتى يشتهر في الناس أنه منهم ، وهو في نفسه مع شهوته ، فإن حضروا سماعا ، وهو قد تعشق بجارية أو غلام - والجماعة لا تعلم بذلك - فأصابه وجد وغلب عليه الحال لتعلقه بذلك الشخص الذي في نفسه ، فيتحرك ويصيح ويتنفس الصعداء ،

ويقول : اللّه اللّه ؛ أو : هو هو ؛ ويشير بإشارات أهل اللّه ، والجماعة تعتقد في حاله أنه حال إلهي ، مع كونه ذا وجد صحيح وحال صحيحة ، ولكن فيمن ؟ !

دواؤه «وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» وما أشبه هذه الآية من الأخبار ، فمن أراد طريق العلم والسعادة فلا يضع ميزان الشرع من يده نفسا واحدا ما دام مكلفا ، لأنه إن وضعه من يده نفسا واحدا فني الشرع ، فإن كل حركة في المكلف ومن المكلف وسكون لميزان الشرع فيه حكم ، فلا يصح وضعه مع بقاء الشرع .


المراجع:

(10) الفتوحات ج 1 / 551 - ج 2 / 631 - ج 1 / 550 ، 551 - ج 4 / 119 - كتاب روح القدس - الفتوحات ج 2 / 315 - ج 3 / 239

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!