موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة العصر (103)

 

 


الآيات: 1-3 من سورة العصر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

[ «. . . وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ» الآية ]

فينبغي للمؤمن أن يقبل من أخيه النصح والوصية ، فإن المؤمنين أهل إنصاف ، مطلبهم واحد ، مأمورون بذلك بقوله تعالى : «وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ» وقد أمرنا بالتعاون على البر والتقوى ، ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان ، بقوله «وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ» لذلك عليك بالنصيحة على الإطلاق ، فإنها الدين ، خرج مسلم في الصحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال [ الدين النصيحة ، قالوا : لمن يا رسول اللّه ؟

قال : للّه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ] واعلم أن النصاح الخيط ، والمنصحة الإبرة ، والناصح الخائط . والخائط هو الذي يؤلف أجزاء الثوب حتى يصير قميصا أو ما كان ، فينتفع به بتأليفه إياها ، وما ألفه إلا بنصحه .

والناصح في دين اللّه ، هو الذي يؤلف بين عباد اللّه وبين ما فيه سعادتهم عند اللّه ، ويؤلف بين اللّه وبين خلقه ، وهو قوله : النصيحة للّه ،

وفيه تنبيه في الشفاعة عند اللّه إذا رأى العبد الناصح أن اللّه يريد مؤاخذة العبد على جريمته ،

فيقول للّه : يا رب إنك ندبت إلى العفو عن عبادك ، وجعلت ذلك من مكارم الأخلاق ، وهو أولى من جزاء المسئ بما يسوءه ؛ وذكرت للعبد أن أجر العافين عن الناس فيما أساءوا إليهم فيه ، مما توجهت عليهم به الحقوق ، على اللّه ؛

فأنت أحق بهذه الصفة لما أنت عليه من الجود ، والكرم ، والامتنان ، ولا مكره لك ؛ فأنت أهل العفو والتكرم والتجاوز عن هذا العبد المسئ المتعدي حدودك عن إساءته ،

وإسبال ذيل الكرم عليه ؛ وأما النصيحة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، ففي زمانه إذا رأى منه الصاحب أمرا قد قرر خلافه - والإنسان صاحب غفلات - فينبّه الصاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على ذلك ، مثل سهوه صلّى اللّه عليه وسلّم في الصلاة ، ولهذا أمر اللّه عزّ وجل نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم


بمشاورة أصحابه فيما لم يوح إليه فيه ، فإذا شاورهم تعين عليهم أن ينصحوه فيما شاورهم فيه على قدر علمهم ، وما يقتضيه نظرهم في ذلك أنه مصلحة ، كنزوله يوم بدر على غير ماء ، فنصحوه وأمروه أن يكون الماء في حيّزه صلّى اللّه عليه وسلّم ففعل ، ونصحه عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في قتل أسارى بدر حين أشار بذلك ، وكحديث تأبير النخل .

وأما بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم تبق له نصيحة ، ولكن إذا كانت هذه اللام لام الأجلية بقيت النصيحة ، وأما النصيحة لأئمة المسلمين وهم ولاة الأمور منا ، القائمون بمصالح عباد اللّه الدينية ، والحكام وأهل الفتاوى في الدين من العلماء يدخلون في أئمة المسلمين أيضا ، فإن كان الحاكم عالما كان ،

وإن لم يكن من العلماء بالمسألة سأل من يعلم عن الحكم فيها ، فيتعين على المفتي أن ينصح ويفتيه بما يراه أنه حق عنده ، ويذكر له دليله على ما أفتاه به ، فيخلصه عند اللّه ، فهذه النصيحة لأئمة المسلمين ،

ولما لم تفرض العصمة لأئمة المسلمين ، وعلم أنهم قد يخطئون ويتبعون أهواءهم ، تعين على أهل الدين من العلماء بالدين أن ينصحوا أئمة المسلمين ، ويردوهم عن اتباع أهوائهم في الناس ، فيؤلفون بين ما هو الدين عليه وبينهم ،

فيعود على الناس نفع ذلك ؛ وأما النصيحة لعامتهم فمعلومة ، وهي أن يشير عليهم بما لهم فيه المصلحة التي لا تضرهم في دينهم ولا دنياهم ، فإن كان ولا بد من ضرر يقوم من ذلك إما في الدين أو في الدنيا ، فيرجحوا في النصيحة ضرر الدنيا على ضرر الدين ، فيشيرون عليهم بما يسلم لهم فيه دينهم ؛ ومهما قدروا على دفع الضرر في الدين والدنيا معا بوجه من الوجوه وعرفوه تعين عليهم في الدين أن ينصحوه في ذلك ويبينوه ،

والمستفتي بالخيار في ذلك ، بحسب ما يوفقه اللّه إليه ، فالنصيحة تعم إذ هي عين الدين ، وهي صفة الناصح ، فتسري منفعتها في جميع العالم كله من الناصح الذي يستبرئ لدينه ، ويطلب معالي الأمور ، فيرى حيوانا قد أضر به العطش ، وقد حاد ذلك الحيوان عن طريق الماء ، فيتعين عليه أن يرده إلى طريق الماء ويسقيه إن قدر على ذلك ،

وكذلك لو رأى من ليس على ملة الإسلام يفعل فعلا من سفساف الأخلاق تعين على الناصح أن يرده عن ذلك مهما قدر إلى مكارم الأخلاق ، وإن لم يقدر عليه تعين عليه أن يبين له عيب ذلك ، فربما انتفع بتلك النصيحة الشخص ، بما له في ذلك من الثناء الحسن ،

وينتفع بتلك النصيحة من اندفع عنه ضرر هذا الذي أراد أن يضره ، وإن لم يكن مسلما ، ويحتاج الناصح إلى علم كثير من علم الشريعة ،


لأنه العلم العام الذي يعم جميع أحوال الناس ، وعلم زمانه ومكانه ، وما ثمّ إلا الحال والزمان والمكان ، وبقي للناصح علم الترجيح إذا تقابلت هذه الأمور ، فيكون ما يصلح الزمان يفسد الحال أو المكان ؛

وكذلك كل واحد منها ، فينظر في الترجيح فيفعل بحسب ما يترجح عنده ، وذلك على قدر إيمانه ، فإن الناصح في دين اللّه يحتاج إلى علم كثير ، وعقل وفكر صحيح ، وروية حسنة ، واعتدال مزاج وتؤدة ، وإن لم تكن فيه هذه الخصال كان الخطأ أسرع إليه من الإصابة. وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة ، وكل إنسان يقبل النصح من غيره لا من نفسه ، والمؤمن مرآة أخيه ، لأن النفس عمياء عن عيوبها ، بصيرة بعيوب غيرها ، ولذلك يحتاج المؤمن إلى الإخوان لتبيين آفات نفسه ، فلسان حال الأخ في عقد الأخوة ، كل واحد منا بصير في عيوب أخيه لعماه عن عيوب نفسه ، واستيلاء رمسه ، فأخوك من صدقك لا من صدّقك ، ومن جرحك لا من مدحك ،

وإليه ننظر قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : [ من أرضى الناس بسخط اللّه صار مادحه منهم ذاما ، ومن أرضى اللّه بسخط الناس أرضى اللّه عنه الناس ويهبه العين الصحيحة ] يرى الطالب معاديه بالعرف العام وليا ، والمسئ إليه محسنا ، إذ هو إنما يعادي عدوه ، فهو وليه من حيث لا يدري ، قال الشاعر :

ذهب الرجال المقتدى بفعالهم *** والمنكرون لكل أمر منكر

وبقيت في خلف يزكي بعضهم *** بعضا ليدفع معور

عن معورفمادحك إنما يتولى عدوك ، فاحذره ولا تأنس إليه ، فتميل في كل أحوالك إليه ،

واعلم أنه من التزم النصح قل أولياؤه ، فإن الغالب على الناس اتباع الأهواء ، ولذلك يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : [ ما ترك الحق لعمر من صديق ] وكذلك قال أويس القرني : إن الموت وذكره لم يتركا لمؤمن فرحا ،

وإن علم المؤمن بحقوق اللّه لم يترك في ماله فضة ولا ذهبا ، وإن قيامه للّه بالحق لم يترك له صديقا ولنا في ذلك :

لما لزمت النصح والتحقيقا *** لم يتركا لي في الوجود صديق

أما من استشهد بقول القائل :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساوي


فذلك مقام من أحبك لنفسه ، وأما من أحبك لك فلا سبيل ، ولما كان حب اللّه إيانا لنا لا لنفسه نبهنا على معايبنا ، وأظهر لنا نقائصنا ، ودلنا على مكارم الأخلاق ، ومحامد الأفعال ، وأوضح لنا مناهجها ، ورفع لنا معارجها ، ولما أحببناه لأنفسنا ولم يتمكن في الحقيقة أن نحبه له تعالى عن ذلك ، رضينا بما يصدر منه مما لا يوافق أغراضنا ، وتمجه نفوسنا ، وتكرهه طباعنا ، والسعيد هو الذي رضي بذلك منه تعالى ، ومن سواه يضجر ويسخط ، فنسأل اللّه تعالى العفو والعافية في ذلك لنا وللمسلمين :

قسما بسورة العصر *** إن الإنسان في خسر

غير من أوصوا نفوسهمو *** بينهم بالحق والصبر

فهمو القوم الذين نجوا *** من عذاب اللّه في القبر

ثم في يوم النشور إذا *** جمعوا للعرض في الحشر

(104) سورة الهمزة مكيّة


المراجع:

(3) الفتوحات ج 1 / 522 - كتاب روح القدس - كتاب تلقيح الأذهان - الفتوحات ج 1 / 470 - كتاب روح القدس - الديوان / 440

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!