موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة النساء (4)

 

 


الآية: 1 من سورة النساء

(4) سورة النّساء مدنيّة

[ في : خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ]

يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)

«يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها» يعني نفس آدم ، يخاطب ما تفرع منه ، وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ] يريد بالأب آدم صلّى اللّه عليه وسلم فإنه لما ظهر جسم آدم ، ولم تكن فيه شهوة نكاح ، وكان قد سبق في علم الحق إيجاد التوالد والتناسل ، والنكاح في هذه الدار ، إنما هو لبقاء النوع ، استخرج من ضلع آدم من القصيرى الأيسر صورة حواء ، فكان واحدا في عينه فصار زوجا بها ، وكانت من الضلع للانحناء الذي في الضلوع ، لتحنو بذلك على ولدها وزوجها . فحنو الرجل على المرأة حنوه على نفسه لأنها جزء منه ، وحنو المرأة على الرجل لكونها خلقت من الضلع والضلع فيه انحناء وانعطاف . وعمر اللّه الموضع من آدم الذي خرجت منه حواء بالشهوة إليها ، إذ لا يبقى في الوجود خلاء ، فحن إليها حنينه إلى نفسه لأنها جزء منه ،

490

وحنت إليه لكونه موطنها الذي نشأت فيه ، فحبّ حواء حبّ الموطن ، وحبّ آدم حبّ نفسه ، وصوّر الحق في ذلك الضلع جميع ما صوره وخلقه في جسم آدم ، ولما أقام الحق صورتها وسواها وعدلها نفخ فيها من روحه ، فقامت حية ناطقة ، أنثى ليجعلها محلا للزراعة والحرث لوجود الإنبات الذي هو التناسل ، فالمرأة منفصلة عن الرجل ليحن إليها حنين من ظهرت سيادته بها ، فهو يحبها محبة من أعطاه درجة السيادة وهي تحنّ إليه وتحبه حنين الجزء إلى الكل ، وهو حنين الوطن لأنه وطنها ، مع ما يضاف إلى ذلك من كون كل واحد موضعا لشهوته والتذاذه ، وسكن إليها وسكنت إليه ، وكانت لباسا له وكان لباسا لها ، وسرت الشهوة منه في جميع أجزائه فطلبها ، فلما تغشاها وألقى الماء في الرحم ودار بتلك النطفة من ماء إلى نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظم ، ثم كسا العظم لحما ، فلما أتم نشأته الحيوانية ، أنشأه خلقا آخر فنفخ فيه الروح الإنساني.

اعلم أن آدم عليه السلام خلق من الفردانية ، وأما حواء عليها الصلاة والسلام فمن الوحدانية ،لأن الفرد لم يعلم حتى استيقظ ، وخلقت كاملة على صورتها من حيّ نائم ، كما خلق آدم عليه الصلاة والسلام على صورته من غير مزيد ، فعقل نفسه فيها ، وكانت الشهوة النكاحية في الموضع الذي عمرته حواء حين خرجت ، فإنه ليس في الوجود خلاء ، فأخلت الشهوة الموضع لنزول حواء فيه ، ونزلت بالموضع الذي خرجت منه حواء من آدم فعمر الموضع ، وخرجت الشهوة فيه أقوى مما جرت في حواء ، فإن حواء حكم عليها موضع الشهوة ، فالنساء أغلب على شهواتهن من الرجال ، فإن الشهوة في الرجل بذاتها وفي المرأة بما بقي من آثار رحمتها في موطنها الذي عمرته ، وكانت الشهوة كالثوب على حواء من أجل صورة الموضع ، وفشت الشهوة في آدم ، فعمّتهما جميعا ، لكن بهذا الحكم ، ولهذا تعم شهوة الجماع عند الإنزال جميع البدن ، ولهذا أمر بتطهير جميع البدن ، فإنه فني بكليته في تلك اللحظة ، فأمر بتطهير كليته من ذلك لأجل مناجاة الحق ، فآدم فرد وحواء واحد ، وواحد في الفرد مبطون فيه ، فقوة المرأة من أجل الوحدانية أقوى من قوة الفردانية ، ولهذا تكون المرأة أقوى في ستر المحبة من الرجل ، ولهذا هي أقرب إلى الإجابة وأصفى محلا ، كل ذلك من أجل الوحدانية ، فما نكح آدم سوى نفسه ، فمنه الصاحبة والولد ، والأمر واحد في العدد ، فتبارك اللّه أحسن الخالقين الذي قال : «وَبَثَّ مِنْهُما» من آدم وحواء «رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً» على صورة الزوجين ، وجعلنا مختلفين في عقولنا

متفاوتين في نظرنا ، والأصل واحد ، ومنا الطيب والخبيث ، والأبيض والأسود ، وما بينهما ، والواسع الخلق والضيق الخلق الحرج ، فجميع الناس رحم ، فإنهم أبناء أب واحد وأم واحدة - الوجه الثاني - لما كان الهباء أصل الوجود ، وتجلّى له اسمه تعالى النور ، من حضرة الجود كان الظهور ، فقبلت صورته صلّى اللّه عليه وسلم من هذا الهباء فيض ذلك النور ، فظهرت صورة مثلية ، مشاهدها عينية ، ومشاربها غيبية ، وجنتها عدنية ، ومعارفها قلمية ، وعلومها يمينية ، وأسرارها مدادية ، وأرواحها لوحية ، وطينتها آدمية ، فهو صلّى اللّه عليه وسلم أب لنا في الروحانية ، كما كان آدم صلى اللّه عليه أبا لنا في الجسمية ، قال صلّى اللّه عليه وسلم في حديث جابر رضي اللّه عنه [ أول ما خلق اللّه نور نبيك يا جابر ] فكان صلّى اللّه عليه وسلم النفس الواحدة التي خلق منها زوجها ، وبه وجد الوجود ، فآدم زوجها من وجه ، لأنه أكمل مخلوق مقابل لها في الوجود ، فهو بهذه النسبة أمّ ، ثم هو أب بالنسبة إلى ذريته وحواء أمّ ، فهي زوجة ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم آدم أبوة النبوة ، كما أن آدم عليه السلام آدم أبوة الطين ، قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ] فكان صلّى اللّه عليه وسلم النفس الواحدة التي خلق منها زوجها ، فإنه ما من نبي - من آدم إلى عيسى - يأخذ إلا من مشكاته ، التي هي فلك الرحمة (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) فهو نازل من حيث روحانيته إلى كل نبي لما أنزل إليه إن فهمت وإن تأخرت طينته ، وذلك معنى قوله : [ كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ] ولذلك تأخر وجود طينته إلى ختم النبوة ، فإن البداية هي النهاية ، وغيره ما كان نبيا إلا بعد استعداده لنزوله عليه ، فكان نبيا حين بعث بفيض الحياة من مشكاته ، ولم يتحقق بها كما تحقق بها صلّى اللّه عليه وسلم ، وقد نبّه على ذلك بقوله : [ مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى قصرا أحسن بنيانه ، وترك فيه موضع لبنة ، فطاف بها النظار يتعجّبون من حسن بنائه إلا موضع تلك اللبنة ، فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة ، ختم بي البنيان وختم بي الرسل ] وفي رواية [ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ] ومما رواه جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال : سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن أول شيء خلقه اللّه تعالى فقال : هو نور نبيك يا جابر ، خلقه اللّه تعالى ، ثم خلق فيه كل خير ، وخلق بعده كل شيء - الحديث بطوله .[ العام وجد من واحد]

- إشارة - قوله تعالى «خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ» وقوله تعالى" وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي "

دليل على أن الأجسام من جسم واحد والأرواح من روح واحدة، تنبيه على أن العالم وجد من واحد ، لا إله

إلا هو العليم القدير (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) «وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ» قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وقال صلّى اللّه عليه وسلم [ الرحم شجنة من الرحمن ] وقال : [ أنا من اللّه والمؤمنون مني ] فالرحم رحمان : رحم طينية ، ورحم دينية ، قال تعالى في الرحم الطينية (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) .وقال في الرحم الديني (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) وقال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) فأعط الطين حقه ، وانفر إلى رحمك الديني الذي هو أولى بك من نفسك ، فإن صلة الرحم بتقوى الأرحام ، بتحكيم اللطيف على الكثيف - إشارة - هذه الآية تشير إلى وجوب الشفقة على خلق اللّه والرحمة بعباد اللّه ، فإن كان العبد كافرا فهو أخوه من حيث أنه وأباه من نفس واحدة ، وإن كان مؤمنا فهو أخوه أخوة اختصاص ديني سعادي ، فعلى كل حال وجبت الشفقة . «إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً» رقيب على كل نفس بما كسبت ، فإن اللّه له مع كل واحد من المملكة أمر خاص في نفسه .


المراجع:

(1) الفتوحات ج 3 / 57">501 - فصوص الحكم - الفتوحات ج 2 / 445 - ج 3 / 314 - ج 1 / 124 ، 679 - كتاب الألف - الفتوحات ج 3 / 314 ، 417 ، 531 - ج 1 / 5 - كتاب تلقيح الأذهان - كتاب التراجم - كتاب تلقيح الأذهان - الفتوحات ج 3 / 381 - ج 1 / 296

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!