موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة البقرة (2)

 

 


الآية: 34 من سورة البقرة

وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34)

ثم قال تعالى للملائكة بعد التعليم : «اسْجُدُوا لِآدَمَ» سجود المتعلمين للمعلم من أجل

يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ» يقول أعلمهم «بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ» أعلمهم بأسمائهم «قالَ» اللّه للملائكة «لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» لكلام قد تقدم له سبحانه مع ملائكته لم يذكره لنا ، ثم قال «وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ» يقول ما تظهرون «وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» يقول ما هو

ما علمهم ، فلآدم هنا لام العلة والسبب أي من أجل آدم ، فالسجود للّه من أجل آدم سجود شكر لما علمهم اللّه من العلم به ، وبما خلقه في آدم عليه السلام ، فعلموا ما لم يكونوا يعلمون فأمر اللّه سبحانه للملائكة بالسجود لمعلمهم سجود أمر - كسجود الناس إلى الكعبة - وتشريف ، لا سجود عبادة ، نعوذ باللّه فيكون في هذا العالم الإنساني ثمرة السجود ، لا نفس السجود ، وإنما هو التواضع والخضوع والإقرار بالسبق والفخر والشرف والتقدم له ، كتواضع التلميذ لمعلمه . فنال آدم عليه السلام التقدمة عليهم بكونه علمهم ، فهو أستاذهم في هذه المسألة ، وبعده فما ظهرت هذه الحقيقة في أحد من البشر إلا في محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، فقال عن نفسه : إنه أوتي جوامع الكلم ، وهو قوله تعالى في حق آدم عليه السلام «الْأَسْماءَ كُلَّها» وكلها بمنزلة الجوامع ، والكلم بمنزلة الأسماء ، فنال التقدمة بها وبالصورة التي خلقه اللّه عليها ، عند ذلك علمت الملائكة أن آدم عليه السلام خليفة اللّه في أرضه ، لا خليفة عن سلف ، ثم ما زال يتلقاها كامل عن كامل حتى انتهت إلى السيد الأكبر المشهود له بالكمال محمد صلّى اللّه عليه وسلم الذي عرف بنبوته وآدم بين الماء والطين ، وأوتي صلّى اللّه عليه وسلم جوامع الكلم ، كما أوتي آدم جميع الأسماء ، ثم علمه اللّه الأسماء التي علمها آدم ، فعلم علم الأولين والآخرين ، فكان محمد صلّى اللّه عليه وسلم أعظم خليفة وأكبر إمام . «فَسَجَدُوا» ولم يزل حكم السجود فيهم لآدم وللكامل من أبنائه أبدا دائما ، فإن الملأ الأعلى عنده ازدحام لرؤية الإنسان

مكتوم فيكم مما لا تعلمونه أنتم ، وما هو مكتوم عندكم بعضكم من بعض ، وهو قوله (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) فالسر ما بين العبد والحق ، والأخفى ما يعلمه سبحانه من العبد ولا يعلمه العبد من نفسه أنه يكون فيه ، ثم أعلم سبحانه نبيه فقال أيضا (35) «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ» الآية ، تقدم قبل هذا أن ضمير الجماعة في جانب الحق يعود على الأسماء من جهة ما تطلبه الحقائق في تلك القصة ، فقد أنعم على آدم بأشياء متعددة ، بإيجاد عينه ، وبما علّمه من العلم ، مع أنه لا يقوى في تصفية نشأته تصفية الملائكة ، فإنهم مخلوقون من نور ، وآدم مخلوق من حمأ مسنون ومن صلصال ، ثم نفخ فيه روحا ملكيا في مثل هذه النشأة الترابية ، وخلقها بيديه ، وهذه كلها أسباب أسماء مختلفة النسب ، فكل اسم له نسبة أثر في آدم ، له أن يقول أنا ، فإذا اجتمعت الأسماء صدق القائل أن يقول «قُلْنا» فقال «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ» فأحدث لهم حرمة بالسجود للّه سبحانه من أجل خلق آدم ، وما أنعم به عليه ، حيث أبدى لهم في وجوده من العلم

الخليفة ، وأمروا بالسجود فطأطئوا عن أمر اللّه ، ناظرين إلى مكان هذا الخليفة حتى يكون السجود له ، لأن اللّه أمرهم بالسجود له ، فقال صلّى اللّه عليه وسلم : أطت السماء بعمارها وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك ساجد للّه ، واستصحاب سجود الملائكة للإمام دنيا وآخرة ونقول في الملائكة :قدّسهمو أن يجهلوا حق من * قد سخر اللّه له العالمينكيف لهم وعلمهم أنني *ابن الذي قد خروا له ساجدينواعترفوا بعد اعتراض علي * والدنا بكونهم جاهلينوأبلس الشخص الذي قد أبى * وكان للفضل من الجاحدينقدّسهمو قدّسهمو أنهم * قد عصموا من خطأ المخطئين.

كيف توجه الخطاب على إبليس وهو ليس من صنف الملائكة ؟

والسؤال هنا : كيف توجه الخطاب على إبليس وهو ليس من صنف الملائكة ؟ فقال تعالى : «إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ» .فنقول إن معنى الملائكة: الرسل وهو من المقلوب ، وأصله مألكة ، والألوكة الرسالة والمألكة الرسالة ، فما تختص بجنس دون جنس ، فالرسالة جنس حكم يعم الأرواح الكرام البررة السفرة ، والجن ، والإنس ، فمن كل صنف من أرسل ، ومنه من لم يرسل ، ولهذا دخل إبليس في الخطاب بالأمر بالسجود لما قال اللّه للملائكة : «اسْجُدُوا» لأنه ممن كان يستعمل في الرسالة ، فهو رسول ، فأمره اللّه فأبى واستكبر فكان ذلك سببا لبعده عن القرب الإلهي ، فصح الاستثناء وجعله منصوبا بالاستثناء المنقطع ، فقطعه عن الملائكة كما قطعه عنهم في خلقه من نار ، ولكنه تعالى شرّك بينهم في

بالأسماء ما لم يكونوا يعلمون ، والسجود للّه ، وجرت العادة في الملوك إذا أنعموا على شخص بحضور خاصته ، أن يخدموه بما جرت العادة أن يخدموه به ، ولا سيما إذا عاد عليهم من ذلك الشخص منفعة من جانب الملك لهم بسببه ، فتكون تلك الخدمة من أجل ذلك الشخص للملك «فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ» وأبى إبليس واستكبر حسدا وظلما وعلوا للجنسية ، فإنه رأى نفسه مخلوقا مثله من الطبائع الأربع ، ورأى أن العنصر الذي غلب عليه أشرف من العنصر الذي غلب على نشأة الإنسان ، فهذا استكباره ، وأما إبايته فقد نبهنا أن النارية تقتضي له ذلك ، ويكون الاستثناء متصلا بوجه ، ومنقطعا بوجه ، فمن راعى نشأته وجنسه ، قال : إنه استثناء منقطع ، ومن رأى أنه في الملائكة كالمستهلك فيهم لكثرتهم ، واتصاله بهم في جماعتهم في عباداتهم

الرسالة ، فكأنه تعالى يقول : «إِلَّا إِبْلِيسَ» إلا من أبعده اللّه من المأمورين بالسجود «أَبى وَاسْتَكْبَرَ» وقال : «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» *ثم قال تعالى : «وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ» فطمع إبليس في الرحمة التي وسعت كل شيء ، وطمعه فيها من عين المنة لإطلاقها ، لأنه علم في نفسه أنه موحد ، وسماه اللّه كافرا فقال : «وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ» ولم يقل من المشركين لأنه يخاف اللّه رب العالمين ويعلم أن اللّه واحد ، وقد علم مآل الموحدين إلى أين يصير ، سواء كان توحيدا عن إيمان أو عن نظر من غير إيمان ، وعلم أن جهنم لا تقبل خلود أهل التوحيد وإنما سماه اللّه كافرا لأنه يستر عن العباد طرق سعادتهم التي جاء بها الشرع في حق كل إنسان .


المراجع:

(34) الفتوحات ج 2 / 71 - كتاب التدبيرات الإلهية - ج 3 / 399 ، 152 - ج 1 / 50 - ج 2 / 255 - ج 1 / 753 - ج 3 / 367 - ج 2 / 255 - ج 3 / 382

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!