موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة البقرة (2)

 

 


الآية: 44 من سورة البقرة

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ فَلا تَعْقِلُونَ (44)

العقل قيد وما خاطب تعالى إلا العقلاء ، وهم الذين تقيدوا بصفاتهم وميزوها عن صفات خالقهم ، ولهذا أدلة العقول تميز بين الحق والعبد ، والخالق والمخلوق ، فقال تعالى : «تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ» البر هو الإحسان والخير «وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ» ولا يتمكن لعبد التزم

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

مستعاذا منه ، فقال (منك) فجعله سبحانه في مقابلة نفسه إذ لا مثل له ، وهو قوله تعالى (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) فهو المتكبر سبحانه الجبار ، والعبد إذا اتصف بما تناقض حقيقته من أوصاف العظمة والكبرياء التي تستحقها الربوبية [ يقع في سخط اللّه ] «*» فلهذا قال (منك) أي أن أكون متكبرا جبارا ، فهو يستعيذ من كبريائه أن يقوم به بكبريائه سبحانه ، ثم قال تعالى (43) «وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ» الآية ، يقول : لا تخلطوا الحق بالباطل ، وهو قوله سبحانه عنهم (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ) وهو الحق (وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) وهو الباطل فخلطوا بينهما «وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ» حال من الضمير وهو الأوجه ، أي لا تلبسوا الحق بالباطل كاتمين للحق ، ويؤيد هذا قوله «وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» أنه الحق ، قال تعالى (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ) وهم هؤلاء (لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يقول : إن الحق أبلج ، لا لبس فيه لقوة الدلالة عليه ، ولذلك قال (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا شك ولا لبس ، فهم يتخيلون أن الحق يختلط بالباطل وليس كذلك ، ولذلك كثيرا ما يصف سبحانه الآيات أنها بينات ومبينات ، اسم فاعل واسم مفعول ، وهو قوله «وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» أنه الحق وأنه لا يلتبس ، فهما معلومان لهم ، ثم قال (44) «وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ» الآية ، تقدم الكلام في إقامة الصلاة في أول السورة «وَآتُوا الزَّكاةَ» المفروضة عليكم ، التي يؤدي إعطاؤها إلى نمو أموالكم وزيادتها ، وإلى تطهيركم مما يلزمكم من إمساكها ، وقوله «وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ» أي صلوا في الجماعة ، ففي ذلك الحث على حضور الجماعة في الصلاة ، وإن كان الضمير يعود على أهل الكتاب ، فإن صلاتهم على ما قيل لا ركوع فيها ، فيقال لهم صلوا صلاة المسلمين ، وقد يريد «ارْكَعُوا» أي انقادوا لهذا الدين كانقياد المؤمنين ، إذ الركوع الانقياد والخضوع ، (45) «تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ» الآية ، خطاب لكل من أمر بالبر ولم يعمل به ، البر الإحسان أجمعه ، وكل من أحسن لمن أمر

(*) [ . . . ] ساقطة من الأصل.

الحياء من اللّه أن يأمر أحدا ببر وينسى نفسه منه ، بل يبتدئ بنفسه ، فقد قال له ربه على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلم : ابدأ بنفسك ، وشرع له ذلك حتى في الدعاء إذا دعا اللّه لأحد أن يبدأ بنفسه ، فإن جميع الخيرات صدقة على النفوس ، أي خير كان حسا ومعنى ، فينبغي للمؤمن أن يتصرف في ذلك بشرع ربه لا بهواه ، فإنه عبد مأمور تحت أمر سيده ، فإن تعدى شرع ربه في ذلك لم يبق له تصرف إلا هوى نفسه ، فسقط عن تلك الدرجة العلية إلى ما هو دونها عند العامة من المؤمنين ، وأما عند الأكابر العارفين فهو عاص ، فإذا خرج الإنسان بصدقته فأول محتاج يلقاه نفسه ، قبل كل نفس محتاجة ، وهو إنما أخرج الصدقة للمحتاجين ، فإن تعدى أول محتاج فذلك لهواه لا للّه ، فإن اللّه قال : ابدأ بنفسك وهو أول من يلقاه من أهل الحاجة ، وقد شرع له في الإحسان أي يبدأ بالجار الأقرب فالأقرب ، فإن رجح الأبعد في الجيران على الأقرب مع التساوي في الحاجة فقد اتبع هواه ، وما وقف عند حد ربه ، وهذا سار في جميع أفعال البر ، وسبب ذلك الغفلة عن اللّه تعالى ، فأمر العبد بالصفة التي تحضره مع اللّه وهي الصلاة ، فهي مناجاة العبد لربه ، وتشير هذه الآية إلى توبيخ اللّه لمن أمر غيره بإقامة الصلاة ، وإتمام نشأتها ونسي نفسه ، وجعله إياه بمنزلة من لا عقل له . والبر من جملة أحوال الصلاة فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول : أقرت الصلاة بالبر والسكينة «وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ» فإنكم تجدون فيه قوله «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ» وهذه حالة من أمر بالبر غيره ونسي نفسه ، فالغافل القليل الحياء من اللّه يأمر غيره بالطاعات وهو على الفجور ، وينسى نفسه فلا يأمرها بذلك «فَلا تَعْقِلُونَ» يقول :

أما لكم عقول تنظرون بها قبيح ما أنتم عليه ؟ فإذا قلت خيرا ، أو دللت على خير ، فكن أنت أول عامل به ، والمخاطب بذلك الخير ، وانصح نفسك فإنها آكد عليك ، فإن نظر الخلق إلى فعل الشخص أكثر من نظرهم إلى قوله ، والاهتداء بفعله أعظم من الاهتداء بقوله ، فإن اللّه تعالى يقول في نقصان عقل من هذه صفته : «تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

بالإحسان إليه فقد أحسن لنفسه ، والأمر بالإحسان من الإحسان ، فقال تعالى منكرا على من يأمر بالإحسان ولا يأتيه «تَأْمُرُونَ النَّاسَ» أي غيركم «بِالْبِرِّ» بالأفعال الحسنة «وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ» أي وتتركون أنفسكم ، يقول : ألا تأمرون أنفسكم بالفعل الحسن «وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ» أي تجدون في الكتاب إذا قرأتموه أنكم مخاطبون بأن تأتوا البر في كل حال ، «فَلا تَعْقِلُونَ»

وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ فَلا تَعْقِلُونَ» فإذا تلا الإنسان القرآن ولا يرعوي إلى شيء منه ، فإنه من شرار الناس بشهادة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، فإن الرجل يقرأ القرآن والقرآن يلعنه ، ويلعن نفسه فيه ، يقر «أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» وهو يظلم فيلعن نفسه ، ويقر «لعنة اللّه على الكاذبين» وهو يكذب فيلعنه القرآن ، ويلعن نفسه في تلاوته ، ويمر بالآية فيها ذم الصفة وهو موصوف بها فلا ينتهي عنها ، ويمر بالآية فيها حمد الصفة فلا يعمل بها ولا يتصف بها ، فيكون القرآن حجة عليه لا له ، قال صلّى اللّه عليه وسلم في الثابت عنه : «القرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها» .


المراجع:

(44) الفتوحات ج 2 / 358 - ج 1 / 542 ، 543 - ج 4 / 485

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!