موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة المائدة (5)

 

 


الآية: 6 من سورة المائدة

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. (6)

اجتمع المسلمون قاطبة من غير مخالف على وجوب الطهارة على كل من لزمته الصلاة ، إذا دخل وقتها ، والوضوء مخصص بعض الأعضاء بالاغتسال والمسح ، وعليك بالوضوء على الوضوء فإنه نور على نور ، ولولا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم شرع في الوضوء ما شرع من صلاة فريضتين فصاعدا بوضوء واحد ، لكان حكم القرآن يقتضي أن يتوضأ لكل صلاة .

وبالجملة فهو أحسن بلا خلاف ، فإن الوضوء عبادة مستقلة وإن كان شرطا في صحة عبادة أخرى ، فلا يخرجه ذلك عن أن يكون عبادة مستقلة في نفسه مرادا لعينه ، وأما أفعال هذه الطهارة فقد ورد بها الكتاب والسنة ، وبين فرضها من سننها ، ومن استحباب أفعال فيه .

ولهذه الطهارة شروط وأركان وصفات وعدد وحدود معينة في محالها " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ "

الوضوء والمسح والاغتسال من الجنابة

لا خلاف في أن غسل الوجه فرض ، واختلف في تحديد غسل الوجه في الوضوء في ثلاثة مواضع : منها البياض الذي بين العذار والأذن ، والثاني ما سدل من اللحية والثالث غسل اللحية ، واللحية شيء يعرض في الوجه ما هي من الوجه ، ولا تؤخذ في حده «وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ» أجمع العلماء بالشريعة على غسل اليدين والذراعين في الوضوء بالماء ، واختلف في إدخال المرافق في الغسل قال تعالى : «وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ» فيها خروج الحد من المحدود ، ومذهبنا الخروج إلى محل الإجماع في الفعل فإن الإجماع في الحكم لا يتصور ، فغسل اليدين والذراعين وهما المعصمان واجب ، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إذا غسل ذراعيه في الوضوء يجوز المرفقين حتى يشرع في العضد ،

والخلاف في حدّ اليدين أكثره إلى الآباط ، وأقله إلى المفصل الذي يسمى منه الذراع فبقي إدخال المرافق ، ولا خلاف عند القائلين بترك الوجوب على استحباب إدخالهما في الغسل . «وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ» اتفق علماء الشريعة على أن مسح الرأس من فرائض الوضوء ، واختلفوا في القدر الواجب منه ، وأصل هذا الخلاف وجود الباء في قوله تعالى : «بِرُؤُسِكُمْ» فمن جعلها للتبعيض ، بعّض المسح ، ومن جعلها زائدة للتوكيد في المسح ، عم المسح جميع الرأس ، ولا يتمكن لنا إظهار الحق في هذه المسألة لأن ذلك لا يرفع الخلاف من العالم فيه ، والمسألة معقولة ، وكل مسئلة معقولة لا بد من الخلاف فيها لاختلاف الفطر في النظر «وَأَرْجُلَكُمْ» اتفق العلماء على أن الرجلين من أعضاء الوضوء ، واختلف في طهارة الأرجل ، هل ذلك بالغسل ، أو بالمسح ، أو بالتخيير بينهما ؟ فأي شيء فعل منهما فقد سقط عنه الآخر وأدى الواجب ، هذا إذا لم يكن عليهما خف ، فمذهبنا التخيير ، والجمع أولى ، فالمسح بظاهر الكتاب ، والغسل بالسنة ، ومحتمل الآية بالعدول عن الظاهر منها ، وسبب الخلاف هو القراءة في قوله : «وَأَرْجُلَكُمْ» بفتح اللام وكسرها من أجل حرف الواو على أن يكون عطفا على الممسوح بالخفض ، وعلى المغسول بالفتح ، فمذهبنا أن الفتح في اللام لا يخرجه عن الممسوح ، فإن هذه الواو قد تكون واو المعية تنصب . وكذلك من قرأ «وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ» بفتح اللام فحجة من يقول بالمسح في هذه الآية أقوى لأنه يشارك القائل بالغسل في الدلالة التي اعتبرها وهي فتح اللام ولم يشاركه من يقول بالغسل في خفض اللام ، وينقل عن العرب أن المسح لغة في الغسل ، فأمة محمد صلّى اللّه عليه وسلم المتطهرون ، وهم الغر المحجلون ، تحجيلهم دليلهم ، لو كان لغيرهم هذا النعت المخصوص من الطهور ، ما اختصت هذه الأمة المحمدية بهذا النور . فإنه قال صلّى اللّه عليه وسلم : ما تعرف هذه الأمة المحمدية من سائر الأمم إلا به ، فانتبه ، فوردت الأخبار المنصوصة بطهارة هذه الأعضاء المخصوصة ، فأسبغناها طهورا ، فجعل لنا بذلك غررا ، وألبسها نورا ، فكان لهم بذلك التمييز والتعريف ، المقام الشريف والتشريف ، فمن أسبغ طهوره ، تمم اللّه له نوره ، ومن ثنى وثلث فرح بذلك أكثر من صاحب الواحدة إذا تحنث . «وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» خروج المني على وجه اللذة موجب للاغتسال ، وعليه وضوء واحد في اغتساله ، ولما كان الغسل يتضمن الوضوء ، كان حكم المضمضة والاستنشاق من حيث أنه متوضئ في اغتساله لا من حيث أنه مغتسل ، فإنه ما ورد أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم تمضمض ولا استنشق في

غسله إلا في الوضوء فيه ، فالحكم فيهما عندي راجع إلى حكم الوضوء ، والوضوء عندنا لا بد منه في الاغتسال من الجنابة «وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ» التيمم - انظر النساء آية (43)

[ - تحقيق ونصيحة - «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ» ]

- تحقيق ونصيحة - «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ»

ولما أتينا بالطهارة كله .... على وفق شرع اللّه في الحسّ والعقل

أتينا نناجيه بقدس كلامه .... على نحو ما قد صح عندي من النقل

فلم يستطع إحداث لفظي لكونه .... قديما فناجيت المهيمن بالفعل

ولم يستطع معناي أيضا كلامه .... فقد صحّ عندي أنني لست بالمثل

فردّ علي اللّه من عرش ذاته .... بما طابق اللفظ الذي جاء من ظلي

على نحو ما أتلوه في النور والهدى .... بإيجاد وصف العدل منه أو الفضل

وما سمع الرحمن غير كلامه .... على مقولي في الفرض كنت أو النفل

فصحّ لي التعبير عنه لأنه .... تعالى عن الأصوات والحرف والشكل

فإن قلت : إني قد تلوت كلامه .... فقد قلت : إني ما تلوت سوى مثل

فإن تك خالفت الذي قد نصصته .... فقد غصت يا مسكين في أبحر الجهل

فيا عقل انصرف إلى مصلاك ، ليتلو سبحانه كلامه عليك ، فاستمع وانصت ، وتحقق ذلك المقام ، وأثبت فإنه مقام الدهش والطيش ، ومحل الحياة والعيش ، فاشحذ فؤادك ، واترك اعتقادك ، ولا تدبر في حين الخطاب ، ولا تفكر فيما تردّ عليه من الجواب ، فإنه مقام التأييد والقوة ، ومشربه الرسالة والنبوة ، فإن إجابة الحق إذا خاطب عبده لا ينتجها فكر ، ولا يقوم لها ذكر ، حسب العقل قبول الخطاب ، وقبول ما يخلق فيه من الجواب ، من غير تقدم قصد ولا نية ، ولا فكر ولا روية ، (وأنت) يا حسّ أتل على ربك كلامه ، ولا تلتفت ، وحقق معنى ما تناجيه به وتثبّت ، وشمّر أذيالك ، واجعل خلفك أعمالك وآمالك ، وضع اليدين مكتوفتين فوق السرة وتحت الصدر ، واطلب منه في ذلك المقام فضل ليلة القدر ، في كونها خيرا من ألف شهر ، واجعل كل صلاة تدخل فيها آخر صلاتك ، وذلك النفس منته حياتك ، فلا تزال مقنعا ، ولربك مستمعا ، متوشحا بالحياء ، غير ملتفت إلى السماء ، طرفك حيث سجودك ، وقلبك حيث معبودك ، وخشية تخشع

الجوارح ، وهيبة تقصف الجوانح ، وعبرة تسفح ، وزفرة تلفح ، وأنين وزمزمة ، وحنين وهمهمة ، وتلاطف في تعاطف ، وتوسل في ترسل ، ومشاهدة في مجاهدة ، وتغيّر في تحيّر ، واختلاف صفات ، وتنوع حالات ، وآداب وسكينة ، واعتدال وطمأنينة ، إلى أن تفرغ من صلاتك ، فتنظر عند ذلك فيما زكا من صفاتك ، وما تقدس من ذاتك ، فعند ذلك تكون المصلي السابق وغيرك المصلي اللاحق ، جعلنا اللّه وإياكم ممن حضر في صلاته ، فأجزل له في صلاته ، فكان جزاؤه النور ، ودار السرور .

[ - إشارة - «وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» ]

إشارة : «وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» لا يتطهر من الحدث إلا الحدث ، ولا من الجنابة إلا من هو عن الحضرة الإلهية في جنابة ، إن العقل إذا نظر في كونه ، فهو في جنابة عن عينه ، فجنابته جنايته ، فإذا نظر إلى نفسه ، فهو في الحدث الأصغر الذي في عكسه ، فحدثه حدثه ،والماء ماءان:

لأن المتطهر به عالمان ،ماء سماوي، فتطهر بهذا الماء أيها العقل الأقدس .

والماء الآخر ماء أرضيمن عالم الأمشاج ، فمنه عذب فرات ، ومنه ملح أجاج ، فتطهر بهذا الماء أيها الحسّ الأنفس ، فيا أيها العقل إن كنت ذا جنابة أو متعملا ، فعم الطهر بذاتك المنصوصة ، وإن كنت ذا حدث فاغسل الأعضاء المخصوصة ، فسرّ التعميم في طهر الجنابتين ، لغيبتك الكلية عن علم نكاح الصورتين ، الصورة المثلية العقلية ، والصورة المثلية الشرعية ، وسرّ الطهر المخصوص لبعض الأعضاء ، للغفلات التي تتخللك في حضورك عند الاقتضاء ، وإن عدمت الماءين ، فاعمد إلى ما خلقت منه ، ولا تعدل عنه ، فإنك تبيح العبادة ولا ترفع الحدث ، لما قام بك من الخبث . واعلم أن الطهارة الباطنة واجبة عند أهل اللّه .


المراجع:

(6) الفتوحات ج 1 / 335">335 - ج 1 / 331 - ج 4 / 486 - ج 1 / 335">335 ، 338 ، 339 - ج 3 / 301 - ج 1 / 339 ، 341 - ج 4 / 235 - ج 1 / 343 - ج 4 / 366 - ج 1 / 365 ، 364 - التنزلات الموصلية

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!