The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة المائدة (5)

 

 


الآية: 117 من سورة المائدة

ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)

-الوجه الأول - «ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ» ما زدت على ذلك شيئا ، وإذا قال القائل ما أمر به أن يقوله فقد خرج من العهدة بما بلغ . وقول عيسى عليه السلام «ما أَمَرْتَنِي بِهِ» ولم يقل به أمرت مع أن الأمر بالتوحيد لم يختص به بل أمر به جميع الأنبياء ، في ذلك تنبيه لنا على سر القدر وأن الأمر أمران : أمر حقيقة ، وأمر شريعة ، فأمر الحقيقة :

هو المشار إليه بقوله : «إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» وهو متوجه إلى جميع الكائنات ، فما من كفر ولا إيمان إلا وهو مأمور به بهذا الاعتبار لأنه لا يكون إلا بأمره ، وأما أمر الشريعة فهو الذي ربط به الثواب والعقاب وقامت به الحجة «لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ» فمن هذا يفهم السر في قول عيسى عليه السلام : «أَمَرْتَنِي بِهِ» خصصه بالإضافة إليه تنبيها على أمر الشريعة ، ولم يقل أمرت تنبيها على أمر الحقيقة

– الوجه الثاني - تفسير من مقام المحبوبية : «ما قُلْتُ لَهُمْ» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو ، ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم فقال : «إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ» وأنت المتكلم على لساني ، وأنت لساني ، وأثبت نفسه مأمورا ، وليس سوى عبوديته ، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل ، فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها ، «أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع ، لم يخص اسما خاصا دون اسم ، بل جاء بالاسم الجامع للكل «ربي وربكم» ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر ، فلذلك فصل بقوله : «ربي وربكم» ، كناية المتكلم ، وكناية المخاطب .

«وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً» أي رقيبا ، ولم يقل على نفسي معهم ، كما قال : (ربي وربكم) «ما دُمْتُ فِيهِمْ» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم «فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي» أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ» في غير مادتي بل في موادهم ، إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة ، فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه ، وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له ، فأراد أن يفصل بينه وبين

ربه ، حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا ، وأن الحق هو الحق لكونه ربا له ، فجاء لنفسه بأنه شهيد ، وفي الحق بأنه رقيب ، وقدمهم في حق نفسه فقال :" عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ "إيثارا لهم في التقدم وأدبا ، وأخّرهم في جانب الحق عن الحق في قوله : «الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة .

ثم اعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله : «عَلَيْهِمْ شَهِيداً»

فقال : «وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» فجاء بكل " للعموم وبشيء " لكونه أنكر النكرات ، وجاء بالاسم الشهيد ، فهو الشهيد على كل مشهود ، بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود ،

فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال : «وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ» فهي شهادة الحق في مادة عيسوية ، كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره ، ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية ، أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار اللّه عنه في كتابه ، وأما كونها محمدية فلوقعها من محمد صلّى اللّه عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه ، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» و «هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب ،

فقال :" إِنْ تُعَذِّبْهُمْ "بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه من الحق ، فذكرهم اللّه قبل حضورهم حتى إذا حضروا تكون الخميرة قد تحكمت في العجين فصيرته مثلها ، «فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ» فأفرد الخطاب للتوحيد الذي كانوا عليه ، ولا ذلّة أعظم من ذلة العبيد لأنهم لا تصرف لهم في أنفسهم ، فهم بحكم ما يريده بهم سيدهم ، ولا شريك له فيهم ، فإنه قال : «عِبادُكَ»

فأفرد ، والمراد بالعذاب إذلالهم ولا أذل مما هم فيه من كونهم عبيدا «وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ» أي تسترهم عن إيقاع العذاب الذي يستحقونه بمخالفتهم أي تجعل لهم غفرا يسترهم عن ذلك ويمنعهم منه ، «فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ» أي المنيع الحمى ، وجاء بالفصل والعماد أيضا تأكيدا للبيان ،

ولتكون الآية على مساق واحد في قوله : «إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» وقوله «كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ» فجاء أيضا «فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» فكان سؤلا من النبي عليه السلام ، وإلحاحا منه على ربه في المسألة ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر ، يرددها طلبا للإجابة ، فلو سمع الإجابة في أول سؤال ما كرر ، فكان الحق يعرض عليه فصول ما استوجبوا به العذاب عرضا مفصلا ، فيقول له في عرض عرض ، وعين عين «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ

الْحَكِيمُ» فلو رأى في ذلك العرض ما يوجب تقديم الحق وإيثار جنابه لدعا عليهم لا لهم ، فما عرض عليه إلا ما استحقوا به ما تعطيه هذه الآية من التسليم للّه ، والتعريض لعفوه ، وقد ورد أن الحق إذا أحب صوت عبده في دعائه إياه أخّر الإجابة عنه حتى يتكرر ذلك منه ، حبا فيه لا إعراضا عنه ، ولذلك جاء بالاسم الحكيم ، والحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها ، ولا يعدل بها عما تقتضيه وتطلبه حقائقها بصفاتها ، فكان صلّى اللّه عليه وسلم بترداد هذه الآية على علم عظيم من اللّه تعالى ، فمن تلا فهكذا يتلو وإلا فالسكوت أولى به .


المراجع:

(117) الفتوحات ج 3 / 267 - كتاب فصوص الحكم فص 15 - إيجاز البيان آية 144 - كتاب فصوص الحكم فص 15

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!