موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الأعراف (7)

 

 


الآية: 13 من سورة الأعراف

قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)

أهبط إبليس للأرض عقوبة لما وقع منه فسأل اللّه الإغواء أن يدوم له في ذرية آدم لما عاقبه اللّه بما يكرهه من إنزاله إلى الأرض فقال تعالى مخبرا عنه .

[سورة الأعراف (7) : الآيات 14 إلى 17]

قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17)

إن الأعمال هنا في التكليف مقسمة على أربع جهات ، قرن اللّه السعادة والشقاء بها ، وهي اليمين والشمال والخلف والأمام ، لأن الفوقية لا يمشي الجسم فيها بطبعه ، والتحتية لا يمشي فيها الروح بطبعه ، فما جعلت سعادة الإنسان وشقاوته إلا فيما يقبله طبعه في روحه وجسمه ، وهن الجهات الأربع ، وبها خوطب ، ومنها دخل عليه إبليس ، فهي جهات الأهواء ، ولم يقل من فوقهم ولا من تحتهم لأنه لم يقترن بها عمل ، فإنها للتنزل الإلهي والوهب الرباني الرحماني الذي له العزة والمنع والسلطان ، فلما علم إبليس بهذه الجهات قال : «ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ» فما جاء إبليس إلا من الجهات التي تؤثر في سعادة الإنسان إن سمع منه وقبل ما يدعوه إليه ، وفي شقاوته إن لم يسمع منه ولم يقبل ما دعاه

إليه ، فإن هذه الطرق الأربع هي طرق الشيطان ، قال ذلك لما سمع أمر اللّه (وَاسْتَفْزِزْ) قال : «لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ» ولما قال له : (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ)

قال : «وَمِنْ خَلْفِهِمْ» ولما قال له اللّه : (وَشارِكْهُمْ)

قال الشيطان : «وَعَنْ أَيْمانِهِمْ» ولما قال له : (وَعِدْهُمْ)

قال الشيطان : «وَعَنْ شَمائِلِهِمْ»

فهي صورة حرب لما كان القلب هو موضع الإمام ، وهو الذي اصطفاه اللّه من نشأة عبده حين قال : [ وسعني قلب عبدي المؤمن ] وليس لعدو اللّه غرض إلا هذا القلب ، فلم يبق للعدو الذي نصبه اللّه إلا أن يأتي من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا يبتغي الاستيلاء على القلب ، فهي حرب سجال بين جند اللّه وبين جند الشيطان ، والذي أراد الشيطان هنا ليس هو يمين الجارحة ، فإنه لا يلقي على الجوارح ، وكذلك ما هو شمال الجوارح ولا أمام الإنسان ولا خلفه ، فإن محل إلقائه إنما هو القلب ما يقدح في أفعال ما يتعلق بيمينه أو شماله أو من خلفه أو من بين يديه ، ويستعين على الإنسان بالطبع ، فإنه المساعد له فيما يدعوه إليه من اتباع الشهوات ، فقال : «ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ» بظاهر القول الذي يؤدي إلى التجسيم والتشبيه والتشكيك في الحواس ، ويدفعه المؤمن بالعلم فيمنعه أن يصل إليه فبنور علم البرهان يرد به الشبه المضلة القادحة في وجود الحق وتوحيده وأسمائه وأفعاله ، فبالبرهان يرد على المعطلة ويدل على إثبات وجود الإله ، وبه يرد على أهل الشرك الذين يجعلون مع اللّه إلها آخر ، ويدل على توحيد الإله من كونه إلها ، وبه يرد على من ينفي أحكام الأسماء الإلهية وصحة آثارها في الكون ، ويدل على إثباتها بالبرهان السمعي من طريق الإطلاق ، وبالبرهان العقلي من طريق المعاني ، وبه يرد على نفاة الأفعال من الفلاسفة ، ويدل على أنه سبحانه فاعل وأن المفعولات مرادة للحق سمعا وعقلا ، «وَمِنْ خَلْفِهِمْ» بشبه وأمور من الخيالات الفاسدة ، وهو ما يدعوك إليه أن تقول على اللّه ما لا تعلم ، وتدعي النبوة والرسالة وأن اللّه قد أوحى إليك ، فيقوم التفكر فيدفعه ، فإنك إن لم تتفكر وتبحث حتى تعثر على أن تلك الأشياء شبهات هلكت ، وإن طردته من خلفك لاحت لك علوم الصدق ومنازله وأين ينتهي بصاحبه ،

كما قال تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)

فإن القوة لما كانت صفة الصادق حيث قوي على نفسه ، فلم يتزين بما ليس له ، والتزم الحق في أقواله وأحواله وأفعاله ، وصدق فيها ، أقعده الحق عند مليك مقتدر «وَعَنْ أَيْمانِهِمْ» وهذه الجهة هي الموصوفة بالقوة فإنه يأتي منها ليضعف إيمانك ويقينك ، ويلقي عليك شبها في أدلتك

ومكاشفاتك ، أو يأتيك بالجنة العاجلة وهي الشهوات واللذات ، فيزينها ويحببها للعبد ، ولكن الخوف يعرض له فيدرأه عنها ، ولولاه لوقع فيها ، وبوقوعه يكون الهلاك «وَعَنْ شَمائِلِهِمْ»

بشبهات التعطيل أو وجود الشريك للّه تعالى في ألوهيته ، فتطرده بدلائل التوحيد وعلم النظر الذي يعلم به وجود الباري ، أو يأتي الشيطان عن الشمال بالقنوط واليأس وسوء الظن باللّه وغلبة المقت ، ولكن الرجاء وحسن الظن باللّه عزّ وجل يدفعه ويقمعه ، فلتجعل الخوف عن يمينك والرجاء عن شمالك ، والعلم بين يديك والتفكر من خلفك ، فهذه الجهات الأربع التي يدخل عليك الخلل منها ، ومن جهة أخرى فإن الخلف للتعطيل ، والشمال للشرك ، واليمين للضعف ، ومن بين أيديهم التشكيك في الحواس

- الوجه الثاني - الشيطان يأتي للمشرك من بين يديه ، فإنه رأى إذ كان بين يديه جهة عينيه ، فأثبت وجود اللّه ولم يقدر على إنكاره ، فجعله إبليس يشرك مع اللّه في ألوهيته ، ويأتي للمعطل من خلفه ، فإن الخلف ما هو محل النظر ،

فقال له : ما ثمّ شيء ، أي ما في الوجود إله ، ويأتي إلى المتكبر عن يمينه ، لأن اليمين محل القوة ، فتكبر بقوته التي أحسها من نفسه ، فادعى الربوبية لنفسه ونفاها عن اللّه ، ويأتي المنافق عن شماله ، فإنه أضعف الطوائف ، كما أن الشمال أضعف من اليمين

- الوجه الثالث - لما سكت إبليس في إتيانه العبد للإغواء عن الفوقية سكت عن التحت ، لأنه على خط استواء مع الفوق ، لأنه لعنه اللّه رأى نزول الأنوار على العبد من فوقه ، فخاف من الاحتراق ، فلم يتعرض في إتيانه من الفوق ، ورأى التحت على خط استواء من فوق ، فإن ذلك النور يتصل بالتحت للاستواء لم يأت من التحت

[ - إشارة - فإن قلت : لم أتى إبليس ابن آدم من جميع جهاته إلا من أعلاه ؟ ]

- إشارة - فإن قلت : لم أتى إبليس ابن آدم من جميع جهاته إلا من أعلاه ؟

قلنا : لئلا يحترق بنور تنزل الأمر من مولاه ، فإن قلت : فهلا أتاه من أسفله فيغويه ؟ قلنا : إليه يدعوه فلا فائدة فيه ، أي السفل مقام الذل والعبودية .

اعلم أن لك ست جهات ، أربعة منها للشيطان ، وواحدة لك وواحدة للّه ، فأنت فيما منها للّه معصوم فمن ثمّ خذ التلقي ، واحذر من الباقي وهو الخمسة ، ولذا جاء الشرع بخمسة أحكام ، منها جهتك وجهات الشيطان منك ، وأما جهته منك فلا حكم فيها للشرع ، وهي جهة معصومة لا يتنزل على القلب منها إلا العلوم الإلهية المحفوظة من الشوب .


المراجع:

(13) الفتوحات ج 3 / 144

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!