موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الأعراف (7)

 

 


الآية: 143 من سورة الأعراف

وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)

اعلم أن المناجاة كلام لا مشاهدة فيها ، فإن الحجاب يصحبها ، فإن اللّه يقول : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ)

وكذلك كلم اللّه موسى ، ولذلك طلب الرؤية ، وموسى عليه السلام من العلماء باللّه ، وقد سأل اللّه الرؤية ، فما سألها عليه

السلام إلا من كونها واجبة وجوبا عقليا ، والمعلوم إذا شوهد تعطي مشاهدته أمرا لا يمكن أن يحصل من غير مشاهدة ، كما قيل .ولكن للعيان لطيف معنى * لذا سأل المعاينة الكليمفإنه ليس حكم من شاهد الأمور حكم من لم يشاهدها إلا بالإعلام ، فللعيان حال لا يمكن أن يعرفه إلا صاحب العيان ، كما أن للعلم حالا لا يعرفه إلا أولو العلم ، ليس لغيرهم فيه ذوق ، وما أسمع الرحمن كلامه بارتفاع الوسائط إلا ليتمكن الاشتياق في السامع إلى رؤية المتكلم ، لما سمعه من حسن الكلام ، فتكون رؤية المتكلم أشد ، ولا سيما ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول : إن اللّه جميل يحب الجمال ، والجمال محبوب لذاته ، وقد وصف الحق نفسه به ، فشوق النفوس إلى رؤيته ، وما شوق اللّه عباده إلى رؤيته بكلامه سدى ، ولولا أن موسى عليه السلام فهم من الأمر إذ كلمه اللّه بارتفاع الوسائط ما جرأه على طلب الرؤية ما فعل ، فإن سماع كلام اللّه تعالى بارتفاع الوسائط عين الفهم عنه ، فلا يفتقر إلى تأويل وفكر في ذلك ، وإنما يفتقر من كلمة اللّه بالوسائط من رسول أو كتاب ، فلما كان عين السمع في هذا المقام عين الفهم ، سأل الرؤية ، ليعلم التابع ومن ليست له هذه المنزلة عند اللّه ، أن رؤية اللّه ليست بمحال ، وقد شهد اللّه لموسى أنه اصطفاه على الناس برسالاته وبكلامه ، فهل رآه في وقت سؤاله بالشرط الذي أقامه له كما ورد في نص القرآن (انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) أو لم يره ؟ والآية محتملة المأخذ ، فإنه ما نفى زمان الحال عن تعلق الرؤية ، وإنما نفى الاستقبال بأداة سوف ، ولا شك أن اللّه تجلى للجبل وهو محدث ، وتدكدك الجبل لتجليه ، فحصل لنا من هذا رؤية الجبل ربه التي أوجبت له التدكدك ، فقد رآه محدث ، فما المانع أن رآه موسى عليه السلام في حال التدكدك ووقع النفي على الاستقبال ؟ ما لذلك مانع لمن عقل ، ولا سيما وقد قام الصعق لموسى عليه السلام مقام التدكدك للجبل ، قال تعالى : «وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ» لما كلم موسى عليه السلام ربه أدركه الطمع فقال : «رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ» فسأله ما يجوز له السؤال فيه ، إذ كانت الرسل أعلم الناس باللّه ، وأنه ذو إدراك يدركه به ، وأنه المدرك بالإدراك لا الإدراك ، فإنه عالم بأن الأبصار لا تدركه ، وإنما هي آلة يدرك بها ، فقال : «رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ» بعيني ، فإن الرؤية بأداة إلى رؤية العين ، فقال له الحق : «لَنْ تَرانِي» بعينك ،

لان المقصود من الرؤية حصول العلم بالمرئي ، ولم يكن ذاك موطنه ومقامه ، ولا تزال ترى في كل رؤية خلاف ما تراه في الرؤية التي تقدمت ، فلا يحصل لك علم برؤية أصلا في المرئي ، فقال : «لَنْ تَرانِي» فإني لا أقبل من حيث أنا التنوع ، فإن رؤية المرئي تعطي العلم به ، ويعلم الرائي أنه راء أمرا ما ، وقد أحاط علما بما رآه ، والحق لا تنضبط رؤيته ، وما لا ينضبط لا يقال فيه إن الذي رآه عرف أنه رآه ، ولا تتعجب من طلب موسى عليه السلام رؤية ربه ، فإنه ثمّ مقام يقتضي طلب الرؤية ، والإنسان بحكم الوقت ، ويحتمل أن موسى عليه السلام منع من الرؤية بقوله تعالى : «لَنْ تَرانِي» لكونه سألها عن غير أمر إلهي ، فقيل له : «لَنْ تَرانِي» ثم استدرك استدراك لطيف بعبده ، لما انته فيه حد عقوبة فوت الأدب بالسؤال ابتداء ، الذي حمله عليه شوقه ، فلما علم أن اليأس قد قام به فيما طلبه ، استدرك بالإحالة على الجبل في استقراره ، عند التجلي ، فقال : «وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي» والجبل من الممكنات «فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا» اعلم أنه لا يثبت لتجلي الحق ، فلا بد من تغير الحال ، فإن التجلي الإلهي يورث الخشوع ،

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن اللّه إذا تجلى لشيء خشع له ] فلما تجلى الحق للجبل نقله من حال الشموخ إلى حال الخشوع والاندكاك ، فإن للتجلي النقيضين ، يمحو ويثبت ، ويوجد ويعدم ، فقال تعالى : «فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ» ذلك التجلي «دَكًّا» فما أعدمه ، ولكنه أزال حاله ونعته ، ولم يزل عينه ، ولكن أزال شموخه وعلوه ، فكان أول جبل أنزله اللّه عن قهره وجبروته ، فإن الجبال ظهرت بصورة القهر حيث سكّنت ميد الأرض ، فلا تعرف التواضع ، فإنها ما كانت أرضا ثم صارت جبالا ، فصار جبل موسى بالتدكدك أرضا بعد ما كان جبلا ، ولولا العظمة التي في نفس الجبل من ربه لما تدكدك لتجلي الرب له ، فإن الذوات لا تؤثر في أمثالها ، وإنما يؤثر في الأشياء قدرها ومنزلتها في نفس المؤثر فيه ، فعلمه بقدر ذلك المتجلي أثر فيه ، ما أثر فيه ما ظهر له ، فإنا نرى الملك إذ دخل في صورة العامة ومشى في السوق بين الناس وهم لا يعرفون أنه الملك لم يقم له وزن في نفوسهم ، فإذا لقيه في تلك الحالة من يعرفه قامت بنفسه عظمته وقدره ، فأثر فيه علمه به ، وكان نظر موسى عليه السلام للجبل في حال شموخه ، وكان التجلي له من الجانب الذي لا يلي موسى ، فلما صار دكا ظهر لموسى ما صير الجبل دكا ، فخر موسى صعقا ، فإنه لما كان الجبل حجابا

للتجلي ، لم يثبت التجلي ما دام الجبل باقيا ، الذي هو الحجاب ، فلما تدكدك الجبل الذي هو الحجاب بقي التجلي بلا حجاب ، فرآه موسى فصعق كما صعق الجبل ، وقامت فيه علامة الرؤية التي قامت في الجبل ، وذلك قوله تعالى : «وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً» فكان الدك للجبل كالصعق لموسى ،

والذي دك الجبل أصعق موسى ، وما أصعقه إلا ما عنده ، أي ما شاهده ، فعلم عند ذلك ما لم يكن يعلم من صورة الحق مع العالم ، ولا أدري اندك الجبل عن رؤية أو عن مقدمة رؤية ، لا بل عن مقدمة رؤية ، وصعق موسى عن تلك المقدمة ، وكان موسى عليه السلام ناظرا إلى الجبل طاعة لأمر اللّه ، فلاح له عند تدكدكه الأمر الذي جعل الجبل دكا ، فخر موسى صعقا ، وكان هذا من ضروب الوحي لموسى عليه السلام ،

فإنه ورد في الخبر : أن اللّه إذا تكلم بالوحي كأنه سلسلة على صفوان صعقت الملائكة ، ويحتمل أن يكون قوله تعالى : «وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً» أي ميتا ،

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن أحدكم لا يرى ربه حتى يموت ]

فلذلك لما سأله موسى الرؤية أجابه فخر صعقا ، فرآه تعالى في صعقته ، وقد شك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في أمر موسى إذا وجده يوم البعث ، فلا يدري أجوزي بصعقة الطور فلم يصعق في نفخة الصعق ؟ فإن نفخة الصعق ما تعم ، وقد صعق بالطور ،

فما رآه تعالى حتى مات ، ثم أفاق فعلم من رأى . واعلم أن الحق إذا تجلى في صفة الجبروت لمن تجلى من عباده ، فإن كان المتجلّى له ليس له مدبر غير اللّه ، كجبل موسى ، تدكدك لتجليه ، فإنه ما فيه غير نفسه ، وإن كان له مدبر قد جعله اللّه له كتدبير النفوس الناطقة أبدانها ، لم تتدكدك أجسامها ،

لكن أرواحها حكم فيها ذلك التجلي حكمه في الجبل ، فبعد أن كان قائما بتدبير الجسد ، زال عن قيامه ، فظهر حكم الصعق ، في جسد موسى ، وما هو إلا إزالة قيام المدبر خاصة ، كما زال الجبل عن وتديته ، فزال حكمه إذ زالت جبليته ، كما زال تدبير الروح لجسد صاحب الصعق ،

إذ زال قيامه به ، لأن موسى ذو روح له حكم في مسك الصورة على ما هي عليه ، وما عدا الحيوان فروحه عين حياته ، لا أمر آخر ، فكان الصعق لموسى مثل الدك للجبل لاختلاف الاستعداد ، إذ ليس للجبل روح يمسك عليه صورته ، فزال عن الجبل اسم الجبل ، ولم يزل عن موسى بالصعق اسم موسى ولا اسم الإنسان ، فأفاق موسى ولم يرجع الجبل جبلا بعد دكه ، لأنه ليس له روح يقيمه ، فإن حكم الأرواح في الأشياء ما هو مثل حكم الحياة لها ، فالحياة دائمة في كل شيء ، والأرواح

كالولاة ، وقتا يتصفون بالعزل ، ووقتا يتصفون بالولاية ، ووقتا بالغيبة عنها ، مع بقاء الولاية ، فالولاية ما دام مدبرا لهذا الجسد الحيواني ، والموت عزله ، والنوم غيبته عنه مع بقاء الولاية عليه ، وأفاق موسى بعد صعقته ولم يرجع الجبل إلى وتديته لوجود العوض ، وهو غيره من الجبال ، وهذا الجسد الخاص ما له مدبر مخلوق سوى هذا الروح ، فطلب الجسم من اللّه بالحال مدبره ، فرده اللّه إليه ، فهذا سبب علة إفاقة موسى وعدم رجوع الوتدية للجبل ، لأن الأرض استغنت عنه بأمثاله ، وفي تدكدك الجبل وصعق موسى عليه السلام إشارة لقول العارف : إن المحدث إذا ظهر له القديم يمحو أثره ، إذ لا طاقة للمحدث على رؤية القديم ، ولهذا جاء الخبر الصحيح الإلهي بأن الحق قد يكون بصر العبد وسمعه ، حتى يثبت لظهور الحق في التجلي أو في الكلام ، ألا ترى إلى موسى عليه السلام لما كان الحق سمعه ثبت لكلام اللّه فكلمه ، فلما وقع التجلي ولم يكن الحق عند ذلك بصر موسى كما كان سمعه صعق ولم يثبت ، فلو كان بصره لثبت ، وكان اندكاك الجبل عن تجلي الحق لكون روحه ما أوجده اللّه لحفظ الصورة على الجبل مثل الأرواح المدبرة ، وإنما أوجده ليكون مسبحا له ، فلذلك لم تحفظ عليه صورة الجبلية ، وأثر فيه التجلي جعله دكا ، وحفظ روح موسى عليه السلام على موسى في صعقته عند رؤية ما رآه الجبل الذي كان حجابا عليه صورة نشأته «فَلَمَّا أَفاقَ»

رجع موسى موسى وما رجع الجبل جبلا ، فعلم موسى أنه قد وقع منه ما كان ينبغي له أن لا يقع إلا بأمر إلهي «قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ» لما علم أن اللّه يحب التوابين ، قال : رجعت إليك ، أو رجعت إلى الحالة التي لم أكن سألتك فيها الرؤية ، فلا أطلب رؤيتك على الوجه الذي كنت طلبتها به أولا ، فإني قد عرفت ما لم أكن أعلمه منك «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» على وجهين :

- الوجه الأول -أول المؤمنين بوقوع هذا الجائز ، إذ ما تقدم لأحد من هذا النوع الإنساني أنه سأل ربه رؤيته ، ولا أنه رآه ، فلذلك ادعى موسى أنه أول المؤمنين ، فما انحجب موسى عن ربه ، واستصحبته رؤيته إلى أبد الأبد ، ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أعلمنا أنه ما من أحد إلا سيرى ربه ويكلمه كفاحا ، وأبان صلّى اللّه عليه وسلم لأمته عن صورة تجلي الحق لعباده ، ونحن نعلم قطعا أن ذوق الرسل فوق ذوق الأتباع بما لا يتقارب ، فلا تظن أن سؤال موسى رؤية ربه أنه فاقد للرؤية التي كانت حالة أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه في قوله : ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّه قبله ، هذه الرؤية ما هي الرؤية التي طلبها موسى من ربه ، فإنها رؤية

حاصلة له لعلو مرتبته ، فإن ذوق الصادق ما هو ذوق الصديق ، فالرؤية ثابتة بلا شك ذوقا ونقلا لا عقلا ، فإن رؤية اللّه تعالى من محارات العقول ، ومما يوقف عندها ولا يقطع عليها بحكم من أحكامها الثلاثة ، إذ ليس للأنبياء ولا للأولياء علم باللّه يكون عن فكر ، قد طهرهم اللّه عن ذلك - الوجه الثاني - «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» أي المصدقين بقولك «لَنْ تَرانِي» فإنه ما نزل هذا القول ابتداء إلا عليّ ، فأنا أول المؤمنين به ، ثم يتبعني في الإيمان به من سمعه إلى يوم القيامة ، فإنك ما قلت ذلك إلا لي ، وهو خبر ، فلذلك ألحقه بالإيمان لا بالعلم ، ولولا ما أراد الإيمان بقوله «لَنْ تَرانِي» ما صحت الأولية ، فإن المؤمنين كانوا قبله ، ولكن بهذه الكلمة لم يكن ، فما ظهر الحق لطالب الرؤية ولا للجبل ، لأنه لو رآه الجبل أو موسى لثبت ، ولم يندك ولا صعق ، فإنه تعالى الوجود ، فلا يعطي إلا الوجود ، لأن الخير كله بيديه ، والوجود هو الخير كله ، فلما لم يكن مرئيا أثر الصعق والاندكاك ، ولذلك قلنا إن الصعق والاندكاك كانا عن مقدمة الرؤية ، ومن هذه الآية نفرق بين الرؤية والمشاهدة ، فالمشاهدة في حضرة التمثل كالتجلي الإلهي في الدار الآخرة الذي ينكرونه ، فإذا تحول لهم في علامة يعرفونه بها أقروا به وعرفوه ، وهو عين الأول المنكور ، وهو هذا الآخر المعروف ، فما أقروا إلا بالعلامة لا به ، فالمشاهدة شهود الشاهد الذي في القلب من الحق ، وهو الذي قيد بالعلامة ، والرؤية ليست كذلك ، ولهذا قال موسى : «رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ» وما قال أشهدني ، فإنه مشهود له ما غاب عنه ، وكيف يغيب عن الأنبياء وليس يغيب عن الأولياء العارفين به ؟ فقال له : «لَنْ تَرانِي» ولم يكن الجبل بأكرم على اللّه تعالى من موسى ، وإنما أحاله على الجبل لما قد ذكر سبحانه في قوله : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) والجبل من الأرض وموسى من الناس فخلق الجبل أكبر من خلق موسى من طريق المعنى ، أي نسبة الأرض والسماء إلى جانب الحق أكبر من خلق الناس من حيث ما فيهم من سماء وأرض ، فإنها في السماء والأرض معنى وصورة ، وهما في الناس معنى لا صورة ، والجامع بين المعنى والصورة أكبر في الدلالة ممن انفرد بأحدهما ، فجمع الجبل بين الصورة والمعنى ، فهو أكبر من جبل موسى المعنوي ، فإذا كان الجامع بين الأمرين وهو الأقوى والأحق باسم الجبل صار دكا عند التجلي ، فكيف يكون موسى حيث جبليته التي هي فيه معنى لا صورة ؟ ولما كانت الرؤية لا تصح إلا لمن يثبت

لها إذا وقعت ، والجبل موصوف بالثبوت في نفسه وبالإثبات لغيره ، إذ كان الجبل هو الذي يسكّن ميد الأرض ، ويقال فلان جبل من الجبال إذا كان يثبت عند الشدائد والأمور العظام ، فلهذا أحاله على الجبل الذي من صفاته الثبوت ، فإن ثبت الجبل إذا تجليت له ، فإنك ستراني من حيث ما فيك من ثبوت الجبل.فرؤية اللّه لا تطاق * فإنها كلها محاقفلو أطاق الشهود خلق * أطاقه الأرض والطباقلهذا قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : أرأيت ربك ؟ قال نور أنّي أراه - تحقيق - فإن قلت :

إنك تزعم أن أهل اللّه الذين هم أهله لم يزالوا ولا يزالون دنيا وآخرة في مشاهدة عينية وإن اختلفت الصور ، فلا يقدح ذلك عندهم ، فموسى أحق بهذه الصفة من الولي ، وقد سأل الرؤية ، قلنا : قد ثبت عندك إن كنت مؤمنا - وإن لم تكن من أهل الكشف - أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قد أخبر أن اللّه يتجلى في صورة ويتحول إلى صورة ، وأنه يعرف وينكر ، إن كنت مؤمنا لا تشك في هذا ، وأنه قد بيّن أن التجلي في الصور بحسب قدر المتجلى له ، فإذا علمت هذا ، تعلم أن موسى قد رأى الحق بما هو متجل للأولياء ، إذ علم أنه يتجلى للأولياء في صور مختلفة ، لأن موسى ولي للّه ، وقد علم ذلك ، ومثل هذا فلا يخفى ، وإنما سأل التجلي في الصورة التي لا يدركها إلا الأنبياء ، ومن الأنبياء من خصه اللّه بمقام لم ينله غيره ، كالكلام بارتفاع الوسائط لموسى عليه السلام ، فطلب موسى عليه السلام من ربه أن يراه في تلك الصورة التي يطلبها مقامه ، وأما رؤيته إياه في الصورة التي يراها الأولياء فذلك خبره وديدنه ، فإن قلت : قال تعالى : «لَنْ تَرانِي» ولن تنفي الأفعال المستقبلة ، قلنا : إن الحق ما يتجلى لمخلوق إلا في صورة المخلوق ، إما التي هو عليها في الحال فيعرفه ، أو ما يكون عليها بعد ذلك فينكره ، حتى يرى تلك الصورة قد دخل فيها فحينئذ يعرفه ، فإن اللّه علمه وعلم ما يؤول إليه ، والمخلوق لا يعلم من أحواله إلا ما هو عليه في الوقت ، فالصورة صورتك ، فصدق «لَنْ تَرانِي» واعلم أنه ليس هناك منع بل فيض دائم وعطاء غير محظور ، ولو لم يكن المتجلى له على استعداد أظهر له ذلك الاستعداد هذا المسمى تجليا ، ما صح أن يكون له هذا التجلي ، فالحق متجل دائما ، والقابل لإدراك هذا التجلي لا يكون إلا باستعداد خاص ، وقد صح له ذلك الاستعداد فوقع التجلي في حقه ، ولا يخلو أن يكون له أيضا

استعداد البقاء عند التجلي أو لا يكون له ذلك ، فإن كان له ذلك فلا بد أن يبقى ، وإن لم يكن له ، فكان له استعداد قبول التجلي ولم يكن له استعداد البقاء ، ولا يصح أن يكون له ، فإنه لا بد من اندكاك أو صعق أو فناء أو غيبة أو غشية ، فإنه لا يبقى له مع الشهود غير ما شهد ، فلا تطمع في غير مطمع ، قال بعضهم : شهود الحق فناء ما فيه لذة لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فليس التفاضل ولا الفضل في التجلي ، وإنما التفاضل والفضل فيما يعطي اللّه لهذا المتجلى له من الاستعداد ، وعين حصول التجلي عين حصول العلم ، لا يعقل بينهما بون ، وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل والالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري ، ومن لم ير غيره ربما حكم على التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد

[ - إشارة - لم سأل موسى عليه السلام الرؤية وهو يعجز عن النظر ؟ ]

- إشارة - لم سأل موسى عليه السلام الرؤية وهو يعجز عن النظر ؟ حتى لا يبقى له من الميراث أثر ، فإن الرؤية للنبي محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وانظر إلى كثرة سواد موسى عليه السلام في الآخرة لقرب نسبته من الرسول عليهما السلام .


المراجع:

(143) الفتوحات ج 1 / 258 - ج 3 / 349 ، 443 ، 195 ، 395 ، 116 - ج 4 / 55 - ج 3 / 116 ، 349 - ج 2 / 304 ، 540 - ج 3 / 486 ، 554 - ج 2 / 540 - كتاب

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!