موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الأنفال (8)

 

 


الآية: 29 من سورة الأنفال

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)

[ «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً» الآية ] «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» ما أيّه الحق إلا بالمؤمن والناس والمؤتين ، ما أيّه بأصحاب العين «إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ» وهو العمل على تقليد ما جاء به الإيمان فينتج ذلك العمل العلم باللّه ، فيفرق بين الحق والباطل عن بصيرة صحيحة لا تقليد فيها ، فالمتقي يتولى اللّه تعليمه ، فلا يدخل

علمه شك ولا شبهة «يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً» يخاطب مؤمنا وإيمانا أي يفهمكم اللّه معاني القرآن ، فتعلموا مقاصد المتكلم به ، لأن فهم كلام المتكلم ما هو ، بأن يعلم وجوه ما تتضمنه تلك الكلمة بطريق الحصر مما تحوي عليه مما تواطأ عليه أهل اللسان ، وإنما الفهم أن يفهم ما قصده المتكلم بذلك الكلام ، هل قصد جميع الوجوه التي يتضمنها ذلك الكلام أو بعضها ؟ فينبغي لك أن تفرق بين الفهم للكلام أو الفهم عن المتكلم وهو المطلوب ، فكل من فهم عن المتكلم فقد فهم الكلام ، وما كل من فهم الكلام فهم عن المتكلم ما أراد به على التعيين ، إما كل الوجوه أو بعضها ، وقوله تعالى : «يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً» هو علم الكشف ، وهو قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)

وقال صلّى اللّه عليه وسلم : [ من عمل بما علم أورثه اللّه علم ما لم يكن يعلم ] وهو علم مكتسب بالتقوى لا علم وهبي ، فإن التقوى جعلها اللّه طريقا إلى حصول هذا العلم ، والعلم الوهبي لا يحصل عن سبب بل من لدنه سبحانه ، فيجعل اللّه له فرقانا من العلوم الإلهية المغيبة عن أكثر الخلق ، فرقانا تفرقون به بين اللّه وبين الآلهة التي عبدها المشركون ، فرقانا تفرقون به بين ما أدركتموه من اللّه بالعلم الخبري وبالعلم النظري وبالعلم الحاصل عن التقوى» فرقانا تميزون به ، ومن ذلك تفرقون بين ما ينبغي له وما ينبغي لكم ، فيعطى كل ذي حق حقه ، فالعلم باللّه عن التقوى أعلى المراتب في الأخذ ، فإن له الحكم الأعم على كل حكم وعلى كل حاكم بكل حكم ، ومن ادعى التقوى ولم يحصل له هذا الفرقان فما صدق في دعواه . واعلم أيدك اللّه بروح القدس أن المتقي بمجرد تقواه قد حصل في الفرقان ، إذ لو لم يفرق ما اتقى ، وهذا الفرقان الذي أنتجته التقوى لا يكون إلا بتعليم اللّه ليس للنظر الفكري فيه طريق غيره ، فإنه ما تقدم لنبي قط قبل نبوته نظر عقلي في العلم باللّه ، ولا ينبغي له ذلك ، وكذلك كل ولي مصطفى لا يتقدم له نظر عقلي في العلم باللّه ، وكل من تقدمه من الأولياء علم باللّه من جهة نظر فكري فهو وإن كان وليا فما هو مصطفى ولا هو ممن أورثه اللّه الكتاب الإلهي ، وسبب ذلك أن النظر يقيده في اللّه بأمر ما يميزه به عن سائر الأمور ، ولا يقدر على نسبة عموم الوجود للّه ، فما عنده سوى تنزيه مجرد ، فإذا عقد عليه فكل ما أتاه من ربه مخالف عقده ، فإنه يرده ويقدح في الأدلة التي تعضد ما جاءه من عند ربه ، فمن اعتنى اللّه به عصمه قبل اصطفائه من علوم النظر ، واصطنعه لنفسه وحال بينه وبين طلب العلوم النظرية ، ورزقه الإيمان باللّه

وبما جاء من عند اللّه على لسان رسول اللّه ، هذا في هذه الأمة التي عمت دعوة رسولها ، وأما في النبوة الأولى ممن كان في فترة من الرسل ، فإنه يرزق ويحبب إليه الشغل بطلب الرزق أو بالصنائع العملية أو الاشتغال بالعلوم الرياضية من حساب وهندسة وهيئة وطب وشبه ذلك ، من كل علم لا يتعلق بالإله ، فإن كان مصطفى ويكون نبيا في زمان النبوة في علم اللّه ، فيأتيه الوحي وهو طاهر القلب من التقييد بإله محصور في إحاطة عقله ، وإن لم يكن نبيا وجاء رسول إلى أمة هو منها قبل ما جاءه به نبيه ، ذلك لسذاجة محله ، ثم عمل على إيمانه واتقى ربه رزقه اللّه عند ذلك فرقانا في قلبه وليس لغيره ذلك ، هكذا أجرى اللّه عادته في خلقه ، وإن سعد صاحب النظر العقلي فإنه لا يكون أبدا في مرتبة الساذج الذي لم يكن عنده علم باللّه إلا من حيث إيمانه وتقواه ، وهذا هو وارث الأنبياء في هذه الصفة ، فهو معهم وفي درجتهم هذه ، وهذا الفرقان الذي تعطيه التقوى ، لا بد أن يكون فرقانا خاصا ، وليس سوى الفرقان الذي يكون في عين القرآن ، فإن القرآن يتضمن الفرقان بذاته ، وهذا الفرقان نتيجة العامل بالقرآن العظيم ، وتختلف نتائج القرآن باختلاف نعوته ، فالقرآن المطلق يعطي ما لا يعطيه القرآن المقيد ، وقد قيد اللّه قرآنه بالعظمة والمجد والكريم ، وإنما نسب الجعل إلى هذا الفرقان «يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً» لأن التقوى أنتجته ، فإما أن يكون جعله ظهوره لمن اتقاه مع كونه لم يزل موجود العين قبل ظهوره ، أو يكون جعله خلقه فيه بعد أن لم يكن ، وما هو إلا الظهور دون الخلق ،

فإنه أعقبه بقوله : «وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ» أي يستر ، والستر ضد الظهور ، فلا يخلو العبد في تقواه ربه ، أن يجعل نفسه وقاية له عن كل مذموم ، وينسب إليه ، أو يجعل ربه وقاية عن كل شدة لا يطيق حملها إلا به ، وهو لا حول ولا قوة إلا باللّه ،

وهو قوله : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)

فيتلقى به شدائد الأمور ، ومن وجه آخر «وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ» أي يستر عنكم ما يسوءكم فلا ينالكم ألم من مشاهدته ، فإن رؤية السوء إذا رآه من يمكن أن يكون محلا له - وإن لم يحل به - فإنه تسوءه رؤيته ، وذلك لحكم الوهم الذي عنده والإمكان العقلي «وَيَغْفِرْ لَكُمْ» أي ويستر من أجلكم ممن لكم به عناية في دعاء عام أو خاص معين ، فالدعاء الخاص ما تعين به شخصا بعينه أو نوعا بعينه ، والعام ما ترسله مطلقا على عباد اللّه ممن يمكن أن يحل بهم سوء «وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»

بما أوجب على نفسه من الرحمة وبما امتن به منها على من استحق العذاب كالعصاة

في الأصول والفروع .


المراجع:

(29) الفتوحات ج 4 / 380 - ج 1 / 372">372 - ج 3 / 128 ، 111 - ج 1 / 372">372 ، 506 ، 254 - ج 3 / 434 ، 401 ، 166 ، 401 - ج 4 / 150 - ج 3 / 402 - ج 4 / 150 ، 399 ، 150 - ج 3 / 434

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!