موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة التوبة (9)

 

 


الآية: 125 من سورة التوبة

وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125)

[ مرض القلوب ]

«وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» وهو الشبه المضلة القادحة في الأدلة وفي الإيمان ، تحول بين العقل من العاقل وبين صحة الإيمان الذي له تعلق بوجود الحق وتعلق بتوحيد الحق ، فالذي حال مرضه العقلي بينه وبين صحة الإيمان بوجود الحق فقد حال بينه وبين العلم لضروري ، فإن العلم بوجود الصانع عند ظهور الصنعة للناظر ضروري ، وإن لم يعلم حقيقة الصانع ولا ماهيته ولا ما يجب أن يكون عليه ويجوز ويستحيل إلا بعد نظر فكري وإخبار إلهي نبوي ، فهذا مرض لا طب فيه ، ومن فقد العلم الضروري كان بمنزلة المريض الذي قد استفرغ المرض نفسه بحيث لا يعلم أنه مريض ولا ما هو فيه لأنه لا عقل له ، وأما

الذي معه الإيمان أو العلم الضروري بوجود الحق الخالق فمرضه عدم اعتقاد صحة التوحيد وعدم القبول من الشارع ما جاء به من صفات الحق ، فإن توحيد الحق يدرك بالإيمان ويدرك بالنظر «فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ» لأنهم على مزاج لا يصلح إلا للنار «فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ» أي الصفقة من قوله تعالى واشتروا الضلالة بالهدى ، وهي السورة المنزلة فلا بد من الزوائد في الفريقين .

[سورة التوبة (9) : الآيات 126 إلى 128]

وَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128)

[ «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» ]

حفظ اللّه علينا «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» إلى آخر السورة بشهادة خزيمة ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أقامه في شهادته مقام رجلين ، فحكم بشهادته وحده ، إذ لم يقبل الجامع للقرآن آية منه إلا بشهادة رجلين فصاعدا إلا هذه الآية ،

فإنها ثبتت بشهادة خزيمة وحده رضي اللّه عنه ، وشهد اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلم بحرصه على نجاة أمته فقال : «عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ»

أي عنادكم يعز عليه للحق المبين «حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ» في أن تسلموا وتنقادوا إلى ما فيه سعادتكم وهو الإيمان باللّه وما جاء من عند اللّه ،

فمدح اللّه تعالى رسوله صلّى اللّه عليه وسلم بالحرص على ما تسعد به أمته ، فالأوصاف الجبلية في الإنس والجان مثل الحسد والغضب والحرص والجبن والبخل ، وما كان في الجبلة فمن المحال عدمه إلا أن تنعدم العين الموصوف بها ،

ولما علم الحق أن إزالتها من هذين الصنفين من الخلق لا يصح زوالها عيّن لها مصارف يصرفها فيها فتكون محمودة إذا صرفت في الوجه الذي أمر الشارع أن تصرف فيه وجوبا أو ندبا ، وتكون مذمومة إذا صرفت في خلاف المشروع ،

فقال تعالى :" حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ".

ومن ذلك حرصه على إسلام عمه أبي طالب إلى أن قال له : قلها في أذني حتى أشهد لك بها ،

لعلمه بأن شهادته مقبولة وكلامه مسموع «بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ» فوصف النبي صلّى اللّه عليه وسلم بالرحمة ، وهي رحمة فطر عليها زائدة على الرحمة التي بعث بها ، وهي قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)

وما من أحد من الأمة إلا وهو مؤمن باللّه ، ومن وجه آخر قيده بالإيمان ولم يقيد الإيمان فهذا تقييد في إطلاق ، فإنه قال في الإيمان إنه مؤمن صاحبه بالحق والباطل ، ومن كونه صلّى اللّه عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفا رحيما أن أبان لأمته عن صورة تجلي الحق لعباده بقول ما قاله نبي لأمته قبله ، كما جاء في حديث الدجال

- مسئلة -الاتصاف بأوصاف الحق تعالى التي بها يكون إلها واجب شرعا وعقلا اجتناب هذه الأسماء الإلهية معنى وإن أطلقت لفظا ينبغي أن لا تطلق لفظا على أحد إلا تلاوة ،

فيكون الذي يطلقها تاليا حاكيا كما قال تعالى : «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ» فسماه عزيزا رؤوفا رحيما فنسميه بتسمية اللّه إياه ونعتقد أنه صلّى اللّه عليه وسلم في نفسه مع ربه عبد ذليل خاشع أواه منيب ، فإطلاق الألفاظ التي تطلق على الحق من الوجه الصحيح الذي يليق بالجناب الإلهي لا ينبغي أن تطلق على أحد من خلق اللّه إلا من حيث أطلقها الحق لا غير وإن أباح ذلك ،

فإن أطلقها العبد على من أطلقها عليه الحق أو الرسول صلّى اللّه عليه وسلم ، فيكون هذا المطلق تاليا أو مترجما ناقلا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في ذلك الإطلاق ، ومن الورع أن لا يطلق على أحد ممن ليس بنبي ولا رسول اللفظ الذي اختصوا به ، فيطلق على الرسل الذين ليسوا برسل اللّه لفظة الورثة والمترجمين ، فيقال من السلطان الفلاني إلى السلطان الفلاني ترجمان يقول كذا .

وكذا ، فلا يطلق على المرسل ولا المرسل إليه اسم الملك ورعا وأدبا مع اللّه ، ويطلق عليه اسم السلطان ، فإن الملك من أسماء اللّه ، فيجتنب هذا اللفظ أدبا وحرمة وورعا ،

ويقال السلطان ، إذ كان هذا اللفظ لم يرد في أسماء اللّه ، ويطلق على الرسول الذي جاء من عنده اسم الترجمان ولم يطلق عليه اسم الرسول ، لأنه أطلق على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، فيجعل من خصائص النبوة والرسالة أدبا مع رسل اللّه عليهم السلام ، وإن كان هذا اللفظ أبيح ولم ينه عنه فلزوم الأدب أولى

- إشارة-التوحيد في الإله ، من حيث ما هو إله ، لا من حيث الأسماء فإنها للعبيد والإماء ، بها يكون التحقق ، وهي المراد بالتخلق ، قد قال في الكتاب الحكيم عن رسوله الكريم ، إنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ، وقال سبحانه عن نفسه في كلامه القديم ، إن اللّه بكم لرؤف رحيم ، فقد عرفنا ، بأنه وصف

نفسه بما وصفنا ، فلو لا صحة القبول منا ، ما أخبر بذلك عنا ، وخبره صدق ، وقوله حق ، فالمشاركة في الصفات ، دليل على تباين الذوات ، فالحق تعالى يرى صورته في مرآة الإنسان الكامل ، ومعنى يرى صورة الحق فيه إطلاق جميع الأسماء الإلهية عليه ، كما جاء في الخبر فبهم تنصرون واللّه الناصر ، وبهم ترزقون واللّه الرازق ، وبهم ترحمون واللّه الراحم ، وقد ورد في القرآن فيمن علمنا كماله واعتقدنا ذلك فيه أنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ، فالتخلق بالأسماء ، يقول به جميع العلماء .


المراجع:

(125) الفتوحات ج 1 / 475 - إيجاز البيان آية 17 - ج 3 / 565 - ج 2 / 520

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!