The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة هود (11)

 

 


الآية: 107 من سورة هود

خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (107)

[ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ]

«خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ» يريد المدة التي كانت الأرض عليها من يوم خلقها اللّه إلى يوم التبديل ، وكانت العرب التي نزل القرآن بلسانها ، تطلق هذه اللفظة وتريد بها التأبيد ، وهي منقطعة بالخبر الإلهي ، وتعريف النبي صلّى اللّه عليه وسلم «إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ» بما يرزقون في النار من اللذة والنعيم «إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» فيقع الاستثناء في قوله «إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ» من زوال صورتهما ، إذ كانت السماء سماء والأرض أرضا ، فإنا نعلم أن جوهر السماء ، هو جوهر الدخان وتبدلت عليه الصور ، فالجوهر الذي قبل صورة الدخان هو الذي قبل صورة السماء ، كما قبل جوهر الطين والحجر صورة البيت ، فإذا انهدم البيت ويبس الطين ، ذهبت صورة البيت والطين ، وبقي عين الجوهر وكذلك العالم كله بالجوهر واحد ، وبالصور يختلف ، فاعلم ذلك ، فيكون الاستثناء في حق أهل النار لمدة عذابهم ، واعلم أنه من سبق رحمته تعالى غضبه أن النار ينزل فيها أهلها بالعدل من غير زيادة ، والجنة ينزل فيها أهلها بالفضل فيرون ما لا تقتضيه أعمالهم من النعيم ، ولا يرى أهل النار من العذاب إلا قدر أعمالهم من غير زيادة ولا رجحان إلى أن يفعل اللّه بهم ما يريد بعد ذلك ، ولذلك

قال في عذابهم «إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» وما يعلم أحد من خلق اللّه حكم إرادة اللّه في خلقه إلا بتعريفه ، ألا تراه في حق السعداء يقول ؟ «عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» والصورة واحدة والمدة واحدة ولم يقل في العذاب ، إنه غير مجذوذ ، لكن يقطع بأنهم غير خارجين من النار ، ولا نعرف حالتهم فيها في حال الاستثناء ما يفعل اللّه فيهم ، فلا يقضى في ذلك بشيء مع علمنا بأن رحمته سبقت غضبه ، وعلمنا بأن اللّه يجزي كل نفس بما عملت ، ولكن يستروح من العبارة أنه إذا استوفيت الحدود ، عمت الرحمة من خزانة الجود ،

وهو قوله تعالى :" فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ "

وهذا هو الحد الزمني ، لأن التبديل لا بد أن يقع بالسماوات والأرض ، فتنتهي المدة عند ذلك ، وهو في حق كل إنسان من وقت تكليفه إلى يوم التبديل ، لأنه غير مخاطب ببقاء السماوات والأرض قبل التكليف ، وهذا في حق السعيد والشقي ، فهما في نتائج أعمالهما هذه المدة المعينة ، فإذا انتهت انته نعيم الجزاء الوفاق وعذاب الجزاء ، وانتقل هؤلاء إلى نعيم المنن الإلهية التي لم يربطها اللّه بالأعمال ولا خصّها بقوم دون قوم ،

وهو قوله : «عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» ما له مدة ينتهي بانتهائها ، كما انته الكفر والإيمان هنا بانتهاء عمر المكلف ، وانتهت إقامة الحدود في الأشقياء والنعيم الجزائي في السعداء بانتهاء مدة السماوات والأرض ؛ «إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ» في حق الأشقياء «إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ»

وكذا وقع الأمر بحسب ما تعلقت به المشيئة الإلهية ، وما قال إن الحال التي هم فيها لا تنقطع ، كما قال في السعداء ، فعلمنا بذكر مدة السماء والأرض وحكم الإرادة في الأشقياء والإعراض عن ذكر العذاب ، أن للشقاء مدة ينتهي إليها حكمه وينقطع عن الأشقياء بانقطاعها والذي منع أن يقول تعالى في الأشقياء عذابا غير مجذوذ قوله «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ»

وقوله [ إن رحمتي سبقت غضبي ] في هذه النشأة ، وعلمنا أن جزاء السعيد على مثل ذلك ثم تعم المنن والرضى الإلهي على الجميع في أي منزل كانوا ، فإن النعيم ليس سوى ما يقبله المزاج وغرض النفوس لا أثر للأمكنة في ذلك ، فحيثما وجد ملاءمة الطبع ونيل الغرض كان ذلك نعيما لصاحبه فإن الوجود رحمة في حق كل موجود وإن تعذّب بعضهم ببعض ، فتخليدهم في حال النعيم غير منقطع وتخليدهم في حال الانتقام موقوف على إرادة ، فقد يعود الانتقام منهم عذابا عليهم لا غير ويزول الانتقام ، ولهذا فسره في مواضع بالألم المؤلم ، وقال : عذاب أليم ، والعذاب الأليم .

وفي مواضع لم يقيد العذاب بالأليم وأطلقه فقال : (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) *يعني وإن زال الألم فإن السكنى لأهل النار في النار لا يخرجون منها كما قال تعالى «خالِدِينَ فِيها» *يعني في النار ،

وقال في أهل السعادة «خالِدِينَ فِيها» *يعني في الجنة ، ولم يقل فيه فيريد العذاب ، فلو قال عند ذكر العذاب خالدين فيه ، أشكل الأمر ، ولما أعاد الضمير على الدار ، لم يلزم العذاب ،

فإن قال قائل : فكذلك لا يلزم النعيم كما لم يلزم العذاب ، قلنا : وكذلك كنا نقول :

ولكن لما قال اللّه تعالى : في نعيم الجنة إنه عطاء غير مجذوذ ، أي عطاء غير مقطوع ،

وقال : لا مقطوعة ولا ممنوعة ، لهذا قلنا بالخلود في النعيم والدار ، ولم يرد مثل هذا قط في عذاب النار ، فلهذا لم نقل به وما ورد في العذاب شيء يدل على الخلود فيه ، كما ورد في الخلود في النار ، ولكن العذاب لا بد منه في النار وقد غيب عنا الأجل في ذلك ، وما نحن من جهة النصوص على يقين ، إلا أن الظواهر تعطي الأجل في ذلك ، ولكن كميّته مجهولة ، لم يرد بها نص ، ولا نص يعارض ونبقى نحن مع قوله تعالى : «إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ»

وأي شيء أراد ، فهو ذلك ، ولا يلزم أهل الإيمان أكثر من ذلك ، إلا أن يأتي نص بالتعيين متواتر يفيد العلم ، فحينئذ يقطع المؤمن وإلا فلا ،

قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عندما رأى جنازة يهودي فقيل له : إنها جنازة يهودي فقال : أليست نفسا ؟

وهذا أرجى ما يتمسك به أهل اللّه في شرف النفس الناطقة ، وأن صاحبها وإن شقي بدخول النار فهو كمن يشقى هنا بأمراض النفس ، من هلاك ما له وخراب منزله وفقد ما يعز عليه ألما روحانيا لا حسيا ؛ فإن ذلك حظ الروح الحيواني ، وهذا كله غير مؤثر في شرفها فإنها منفوخة من الروح المضاف إلى اللّه بطريق التشريف ، فالأصل شريف ، ولما كانت من العالم الأشرف ، قام لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لعينها ، وهذا إعلام بتساوي النفوس في أصلها ، وهذه من أعظم المسائل تؤذن بشمول الرحمة وعمومها لكل نفس ، وإن عمرت النفوس الدارين ، ولا بد من عمارة الدارين كما ورد ، وأن اللّه سيعامل النفوس بما يقتضيه شرفها بسر لا يعلمه إلا أهل اللّه ، فإنه من الأسرار المخصوصة بهم ، فكما أن الحد يجمعهم كذلك المقام يجمعهم لذاتهم إن شاء اللّه تعالى كما قال في الذين شقوا «إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» ولم يقل عذابا غير مجذوذ كما قال في السعداء ، فإن رحمة اللّه سبقت غضبه ، ورحمته تعالى وسعت كل شيء منّة واستحقاقا ، وبالأصل فكل ذلك منة منه سبحانه ، فإنه الذي كتب على نفسه الرحمة للمتقي ، والمتقي بمنته سبحانه اتقاه ، وجعله محلا للعمل الصالح .


المراجع:

(107) الفتوحات ج 2 / 688 - ج 3 / 7 ، 387 - ج 2 / 281 - ج 3 / 387 - ج 2 / 381 - ج 3 / 77 - ج 1 / 527

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!