موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الرعد (13)

 

 


الآيات: 36-39 من سورة الرعد

وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38) يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (39)

424

[ «يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ» ]

«يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ» فذكر المحو بعد الكتابة ، فثبت المحو وهو المعبر عنه بالنسخ عند الفقهاء ، فهو نسخ إلهي رفعه اللّه ومحاه بعد ما كان له حكم في الثبوت والوجود وهو في الأحكام انتهاء مدة الحكم ، وفي الأشياء انتهاء المدة فإنه تعالى قال : (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) فهو يثبت إلى وقت معين ثم يزول حكمه لا عينه (وَيُثْبِتُ) ما شاء مما كتبه ، قال صلّى اللّه عليه وسلم في إسرائه إنه أسري به حتى ظهر لمستوى يسمع فيه صريف الأقلام ، فوصل إلى سماع أصوات الأقلام وهي تجري بما يحدث اللّه في العالم من الأحكام وهذه الأقلام رتبتها دون القلم الأعلى ودون اللوح المحفوظ فإن الذي كتبه القلم الأعلى لا يتبدل وسمي اللوح بالمحفوظ من المحو فلا يمحى ما كتب فيه وهذه الأقلام تكتب في ألواح المحو والإثبات على قدر ما تأتي به إليهم رسل اللّه من عند اللّه من رأس الديوان وهو القلم الأعلى من إثبات ما شاء ومحو ما شاء وهو قوله تعالى : (يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) ومن هذه الألواح تنزل الشرائع والصحف والكتب على الرسل صلوات اللّه عليهم وسلامه ولهذا يدخل في الشرائع النسخ ويدخل في الشرع الواحد النسخ في الحكم وإلى هنا كان يتردد صلّى اللّه عليه وسلم في شأن الصلوات الخمسين بين موسى وبين ربه إلى هذا الحد كان منتهاه فيمحو اللّه عن أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلم ما شاء من تلك الصلوات التي كتبها في هذه الألواح إلى أن أثبت منها هذه الخمسة وأثبت لمصليها أجر الخمسين وأوحى أنه لا يبدل القول لديه ، فما رجع بعد ذلك من موسى في شأن هذا الأمر ، ومن هذه الكتابة «ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ» ومن هذه الحقيقة التردد الكوني في الأمور والحيرة فيها ،

425

وهو إذا وجد الإنسان أنّ نفسه تتردد في فعل أمر ما ، هل يفعله أو لا يفعله ؟ وما تزال على تلك الحال حتى يكون أحد الأمور التي ترددت فيها فيكون ويقع ذلك الأمر الواحد ويزول التردد فذلك الأمر الواقع هو الذي ثبت في اللوح من تلك الأمور المتردد فيها وذلك أن القلم الكاتب في لوح المحو يكتب أمرا ما وهو زمان الخاطر الذي يخطر للعبد فيه فعل ذلك الأمر ثم تمحى تلك الكتابة يمحوها اللّه فيزول ذلك الخاطر من ذلك الشخص لأنه ما ثم رقيقة في هذا اللوح تمتد إلى نفس هذا الشخص في عالم الغيب فإن الرقائق إلى النفوس من هذه الألواح تحدث بحدوث الكتابة وتنقطع بمحوها فإذا أبصر القلم موضعها في اللوح ممحوا كتب غيرها مما يتعلق بذلك الأمر من الفعل أو الترك فيمتد من تلك الكتابة رقيقة إلى نفس ذلك الشخص الذي كتب هذا من أجله فيخطر لهذا الشخص ذلك الخاطر الذي هو نقيض الأول ، فإذا أراد الحق إثباته لم يمحه ، فإذا ثبت بقيت رقيقة متعلقة بقلب هذا الشخص وثبتت ، فيفعل ذلك الشخص ذلك الأمر أو يتركه بحسب ما ثبت في اللوح فإذا فعله أو ثبت على تركه وانقضى فعله محاه الحق من كونه محكوما بفعله وأثبته صورة عمل حسن أو قبيح على قدر ما يكون ، ثم إن القلم يكتب أمرا آخر هكذا الأمر دائما ، وهذه الأقلام هذه مرتبتها والموكل بالمحو ملك كريم على اللّه تعالى هو الذي يمحو على حسب ما يأمر به الحق تعالى والإملاء على ذلك الملك ومن أحكام هذه الأقلام تكون جميع التأثيرات في العالم دائما ولا بد لها أن تكتب وتثبت انتثار الكواكب وانحلال هذه الأجرام الفلكية وخراب هذه الدار الدنياوية وانتقال العمارة في حق السعداء إلى الجنان العلية وفي حق الأشقياء إلى جهنم وهي أسفل سافلين - وجه آخر - للقلب وجهان ظاهر وباطن فباطنه لا يقبل المحو بل هو إثبات مجرد محقق وظاهره يقبل المحو [ وهو لوح المحو ] والإثبات فيه وقتا أمرا م «يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ» فقلب العبد هو محل الإلقاء الإلهي من خير وشر شرعا ، وهو لوح المحو والإثبات ، فيخطر للعبد خاطر أن يفعل أمرا ما من الأمور ، ثم ينسخه خاطر آخر ، فيمحو الأول ويثبت الثاني ، وهذا ما دام العبد مهتما لخواطره ، محجوبا عن كشف الإلقاء الإلهي ، فإذا أيّد بالعصمة إن كان نبيا ، أو بالحفظ إن كان وليا ، عاد قلبه لوحا محفوظا عن المحو ، فإن ظهر ممن هذا مقامه محو في ظاهر الكون بعد إثبات ، وهو عن أمر يقوم بالقلب من الحق ، فلا يقال فيه إنه لوح محو وإثبات لأنه صاحب كشف ، وإنما وقع المحو في ظاهر الكون وبقيت حكمته

426

في القلب «وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ» فلو كان صاحب الكتاب مؤمنا بكل كتابه ما ضل أبدا - إشارة - «يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ» يمحو الأسباب من قلوب الموحدين ويثبت نفسه ، ويمحو الوحدانية من قلوب الناظرين ويثبت الأسباب «وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ» وهي السابقة التي لا تتبدل ولا تمحى ، فأم الكتاب هو الكتاب الذي فيه ما كان قبل إيجاده وما يكون ، كتاب ذو قدر معلوم فيه بعض أعيان الممكنات وما يتكون عنها وفيه قضاء اللّه وحكمه وهو كتاب محصور لأنه موجود وعلم اللّه في الأشياء لا يحصره كتاب مرقوم ولا يسعه رق منشور ولا لوح محفوظ ولا يسطره قلم عليّ ، ومن هذا الكتاب سمي الحق عليما وله القضاء الذي يحكم على القدر - الوجه الثاني - «وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ» اعلم أن تحقيق عندية كل شيء نفسه والعندية في اللسان ظرف مكان أو ظرف محلي كالجسم للعرض اللوني الذي يدركه البصر فهو أجلى فيما ترومه من الدلالة فهو بحيث محله وصاحب المكان ما هو بحيث المكان والعندية جامعة للأمرين «وَعِنْدَهُ» أي الحق فهو «أُمُّ الْكِتابِ» وهو القرآن فإنه صفة الحق فالقرآن أم الكتاب الذي عنه خرجت الكتب المنزلة واختلفت الألسنة به لقبولها إياه بحقيقته فقيل فيه : إنه عربي وإنه عبراني وإنه سرياني بحسب اللسان الذي أنزل به والقرآن من جملة الكتب إلا أن له الجمعية دون سائر الكتب .


المراجع:

(39) الفتوحات ج 2 / 534 ، 552 ، 534 - ج 3 / 61 - ج 4 / 287 - ج 3 / 61 - كتاب الفناء - كتاب مواقع النجوم - رسالة ابن سودكين - الفتوحات ج 3 / 112 ، 160

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!