موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الحجر (15)

 

 


الآيات: 10-21 من سورة الحجر

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14)

لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (17) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)

وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)

[ " وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ " الآية ]

إن هنا بمعنى ما ، فعم بها وبشيء ، وجعله مخزونا في خزائن غيبه ، ولهذا قلنا إن الكون صادر من وجود ، وهو ما تحويه هذه الخزائن إلى وجود ، وهو ظهورها من هذه الخزائن لأنفسها بالنور الذي تكشف به نفسها ، فإنها في ظلمة الخزائن محجوبة عن رؤية ذاتها ، فهي في حال عدمها ، والحقيقة أنّا عن الحق صدرنا من كوننا عنده في الخزائن كما أعلمنا فعلمنا ، فهو صدور لم يتقدمه ورود كما هو في بعض الأمور فمن قال إن الصدور بعد الورود فما عنده علم بحقائق الوجود ، فلو لا نحن ثابتين في العدم ما صح أن تحوي علينا خزائن الكرم ،

فلنا في العدم شيئية غير مرئية ، أما قوله : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) فذلك إذ لم يكن مأمورا ، فقيده بالذكر في محكم الذكر (إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ)

عندية اللّه على قسمين ، أعني ما هو عنده ، القسم الواحد ما هو عليه من الأمر الذي يعقل زائدا على هويته ،

وإن لم نقل فيه إنه غير ولا عينه أيضا ، كالصفات المنسوبة إليه ،

لا هي هو ولا هي غيره ، وقد يكون عنده ما يحدث فينا ولنا ، والكل عند اللّه ، فما ثم معقول ولا موجود يحدث عنده ، بل الكل مشهود العين له بعين ثبوت ووجود ، فالثبوت خزائنه ،

والوجود ما يحدثه عندنا من تلك الخزائن ، والعندية أضيفت إلى الحق ،

فاختلفت إضافات العندية باختلاف ما أضيفت إليه من اسم وضمير وكناية ، وهي ظرف ثالث ليس بظرف زمان ولا ظرف مكان مخلص ، بل ما هو ظرف مكانة جملة واحدة على الإطلاق

- الوجه الأول -الخزائن :

ثم إن اللّه جعل عنديته ظرفا لخزائن الأشياء ، ومن هذه الخزائن تخرج الأشياء إلى وجود أعيانها ، فهي في الخزائن محفوظة موجودة للّه ، ثابتة لأعيانها غير موجودة لأنفسها ، فالأشياء الموجودة بالنظر إلى أعيانها موجودة عن عدم ، وبالنظر إلى كونها عند اللّه في هذه الخزائن هي موجودة عن وجود ، فأعيان العالم محفوظون في خزائنه عنده ، وخزائنه علمه ، ومختزنه نحن ، فنحن أثبتنا له حكم الاختزان ، لأنه ما علمنا إلا منا ، ومعلوم أن اللّه يخلق الأشياء ويخرجها من العدم إلى الوجود ، وهذه الإضافة تقتضي بأنه يخرجه من الخزائن التي عنده ، فهو يخرجها من وجود لم تدركه إلى وجود تدركه ، فما خلصت الأشياء إلى العدم الصرف ، بل ظاهر الأمر أن عدمها من العدم الإضافي ، فإن الأشياء في حال عدمها مشهودة له يميزها بأعيانها ،

مفصلة بعضها عن بعض ، ما عنده فيها إجمال ، فخزائنها أعني خزائن الأشياء التي هي أوعيتها المخزونة فيها إنما هي إمكانات الأشياء ليس غير ذلك ، لأن الأشياء لا وجود لها في أعيانها ، بل لها الثبوت ،

والذي استفادته من الحق الوجود العيني ، فتفصلت للناظرين ولأنفسها بوجود أعيانها ، ولم تزل مفصلة عند اللّه تفصيلا ثبوتيا ، ثم لما ظهرت في أعيانها وأنزلها الحق من عنده أنزلها في خزائنها ، فإنّ الإمكان ما فارقها حكمه ، فلو لا ما هي في خزائنها ما حكمت عليها الخزائن ، فما لها خروج من خزائن إمكانها ، والخزائن لا تكون خزائن إلا بما يختزن بها ،

فالأشياء عند اللّه مختزنة في حال ثبوتها ، فإذا أراد تكوينها لها أنزلها من تلك الخزائن وأمرها أن تكون ، فتكتسي حلة الوجود فيظهر عينها لعينها ، ولم تزل ظاهرة للّه في علمه أو لعلمه بها ، فليست الخزائن إلا المعلومات الثابتة ، فإنها عنده ثابتة يعلمها ويراها ويرى ما فيها ، فيخرج منها ما شاء ، وهي مع كونها في خزائن ، فيتخيل فيها الحصر والتناهي ، وإنما هي غير متناهية ،

- الوجه الثاني -اعلم أن الخزائن التي عند الحق على نوعين ، نوع منها خزائن الثبوت للممكنات ، والنوع الثاني منها خزائن وجودية لمختزنات موجودة ، كشيء يكون عند زيد ، من جارية أو غلام أو فرس أو ثوب أو دار أو أي شيء كان ، فزيد خزانته ،

وذلك الشيء هو المختزن ، وهما عند اللّه ، فإن الأشياء كلها بيد اللّه ، فيفتقر عمرو إلى اللّه تعالى في ذلك الذي عند زيد أن يكون عنده ، كان ما كان ،

فيلقي اللّه في قلب زيد أن يهب ذلك الشيء أو يبيعه أو يزهد فيه ويكرهه فيعطيه عمروا ، فمثل هذا من خزائن الحق التي عنده ، والعالم على هذا كله خزائن بعضه لبعض ، وهو عين

المختزن ، والعالم خزانة مخزون ، وانتقال مختزن من خزانة إلى خزانة فما أنزل منه شيء إلى غير خزانة ، فكله مخزون عنده ، فهو خزانته على الحقيقة التي لا يخرج شيء عنها ، وما عدا الحق فإن المختزن يخرج عنها إلى خزانة أخرى ، فالافتقار للخزائن من الخزائن إلى الخزائن ، والكل بيد اللّه وعنده ، فهو الصمد الذي يلجأ إليه في الأمور ويعول عليه ، ومن هنا يتعلق المتوكلون في حال توكلهم على ما توكلوا عليه ، فمنهم المتوكل على اللّه ، ومنهم المتوكل على الأسباب ، غير أن الأسباب قد تخون من اعتمد عليها ولجأ إليها في أوقات ، والحق تعالى لا يسلم من توكل عليه وفوض أمره إليه .

الوجه الثالث -في هذه الخزائن : هي الخزائن الموجودة في الفلك الأطلس فلك البروج ، فإن لكل ملك من الأملاك الاثني عشر في كل برج ملكه إياه ثلاثين خزانة ، تحتوي كل خزانة منها على علوم شتى يهبون منها لمن ينزل بهم على قدر ما تعطيه رتبة هذا النازل (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) فله موازين ، فما يتميز عنده إلا ما هو موجود له ، ولا يجري القدر إلا في عين مميزة عن غيرها ، وليس هذا صفة المعدوم من كل وجه ، فدل ذلك كله على وجود الأعيان للّه تعالى في حال اتصافها بالعدم لذاتها ، وهذا هو الوجود الأصلي لا الإضافي والعدم الإضافي ،

كما يدل قوله تعالى (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) على أن ترتيب الإيجاد يؤذن بالتوقيت على مقتضى الحكمة من اسمه الحكيم ، فينزل الأرزاق بقدر معلوم في الدنيا ، فإذا كان في الآخرة عاد الحكم فيما تحوي عليه هذه الخزائن التي عند اللّه إلى العبد العارف الذي كمل اللّه سعادته ، فيدخل فيها متحكما فيخرج منها ما يشاء بغير حساب ، ولا قدر معلوم ، بل بحكم ما يختاره في الوقت ، فإن المسعود في الآخرة يعطى التكوين ، ويكشف له عن نفسه أنه عين الخزانة التي عند اللّه ، فإنه عند اللّه ، فكل ما خطر له تكوينه كونه ، فلا يزال في الآخرة خلاقا دائما ، فارتفع التقدير فهو يتبوأ من الجنة حيث يشاء .


المراجع:

(21) الفتوحات ج 2 / 587 - ج 4 / 64">340 ، 129 - ج 3 / 649">649">193 ، 192 - ج 2 / 281 - ج 4 / 108 - ج 3 / 649">649">193 - ج 4 / 293 ، 295 - ج 3 / 434 - كتاب الأعلاق - الفتوحات ج 2 / 587 - ج 4 / 426 - ج 2 / 281 - ج 3 / 6 - ج 4 / 180

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!