موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة النحل (16)

 

 


الآية: 18 من سورة النحل

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)

[ «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها» ]

اتبع الحق الخلق الذي هو الإيجاد بقوله تعالى «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها» فإن أول نعمة عقلتها من ربك إخراجك من العدم إلى الوجود ، وقد عدد هذا المقام عليك من

جملة نعمه فقال : (وَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) فهذه أول نعمة أنعم بها عليك ، لو كلّفك اللّه شكر هذه النعمة وحدها ، وجعل معك أهل السماوات والأرض بعبادتهم مؤيدين لك عمرك الأخروي الذي لا نهاية له ، ما قمت بشكرها ، كيف وقد انضاف إليها نعم كثيرة ؟ ! منها كونه أوجدك متغذيا ناميا ، ولم يجعلك جمادا صلدا ، فكانت القدرة ممكنة لما أوجدتك ولم تك شيئا ، أن تنزلك في أمة الجمادات ، ولكن مقام النبات أعلى ، وأمته أفضل ، فجعلك متغذيا ولم يجعلك جمادا ، وهذه نعمة كبيرة ولا يؤدى شكرها ولا يقدّر قدرها ، ثم زادك اللّه نعمة على هذه النعمة بأن نقلك من أمة النبات والشجر ، إلى أمة الحيوان ، فجعلك حساسا ، فوجب عليك من الشكر والعبادة ما وجب على الجماد والنبات والحيوان ، فإنك قد جمعت حقائقهم وزدت على كل واحد منهم ، ثم زادك اللّه تبارك وتعالى ، نعمة أخرى إلى هذه النعم ، فجعلك ناطقا ، وفضلك على الحيوان الحساس خاصة ، فزدت معرفة بما لا يعرفه الحيوان ، فأعطاك بنطقك حقيقة الملك ، وهو الاشتراك في العقل الإلهي ، فوجب عليك ما وجب على الملك من جهة روحك ، فأنت مطالب بالحضور الدائم ، ثم أنعم اللّه عليك بنعمة الاختصاص ، فجعلك موحدا ولم يجعلك مشركا ، لا ليد تقدمت لك عليه ، فهذا اختصاص ، إذ قد قسّم جنسك إلى موحد وإلى مشرك وجعلك من حزب الموحدين ، ثم زادك إلى هذه النعمة نعمة أخرى ، وهي إيمانك بالرسول صلّى اللّه عليه وسلم ، ولم يجعلك مكذبا برسوله كما فعل بغيرك من أبناء جنسك حيث كفر برسوله ، فقد حبانا اللّه بالإيمان بالنبي صلّى اللّه عليه وسلم حين خذل غيرنا ، ثم نعمة أخرى لما جعلك مؤمنا بنبي جعلك من أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، ولم يجعلك من أمة غيره من الأنبياء ، وهنا نعم منها أن ألحق هذه الأمة بدرجة الأنبياء باتباعهم محمدا صلّى اللّه عليه وسلم ، وعيسى عليه السلام من جملة أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وهو رسول اللّه وروحه وكلمته ، والنعمة الأخرى أن جعلك شهيدا على سائر الأمم ، وهي مرتبة النبوة ، فإنهم الشهداء على أممهم ، فهذه مواطن تحشر فيها غدا مع النبيين ، ونعمة أخرى لم يعطها أحدا قبلك من الأمم ، فإنك مؤمن بنبيك آخر الأنبياء وبمن تقدم إلى آدم ، ولكل نعمة شكر يخصها وعمل يطابقها ، ثم أنه حفظك من البدعة وميزك في ديوان السنة ، فهذا اختصاص ، ثم أهل السنة قسمهم قسمين : عالم وجاهل ، فجعلك عالما بما تعبدك به من شريعته ولم يجعلك جاهلا بذلك ، فهذه نعمة يجب أيضا شكرها ،

ثم جعل العالمين على قسمين : طائع وعاصي ، فجعلك من الطائعين ولم يجعلك من العاصين ، فهذه نعمة عظيمة ، فقد غمرتك النعم ، ولا يتسع الليل والنهار لأداء شكر واجبات هذه النعم ، وأنه إن اشتغلنا بواحدة منها ، فغايتنا أن نقطع ضياءنا وظلامنا ببعض ذرة من واحدة ، فعلى هذا يجب علينا الذي يمكننا أن نفعله أن لا يرانا اللّه وقتا واحدا بطالين ولا متصرفين في مباح إلا حاضرين بقلوبنا على الدوام ، مكفوفي الجوارح عن التصرف المحظور علينا ، مطلوقي الألسنة بالذكر ، وبإظهار العلم والشكر عليه ، والاعتراف بالتقصير دائما ، وتوبيخ النفوس الذي أراده الحق منا ، لا تعديلها وتزكيتها ، وعطايا الحق كلها نعم ، إلا أن النعم في العموم موافقة الغرض وعوارف الحق مننه ونعمه على عباده ، فما أطلعك منها على شيء إلا ليردك ذلك الشيء منك إليه ، فهو دعاء الحق في معروفه ، لما رأى عندك من الغفلة عنه ، فتحبب إليك بالنعم «إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» .


المراجع:

(18) روح القدس في محاسبة النفس - الفتوحات ج 4 / 408

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!