موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة البقرة (2)

 

 


الآيات: 133-136 من سورة البقرة

أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134) وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)

أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلم المؤمنون به أتباع كل نبي ، وكل كتاب ، وكل صحيفة ، جاء أو أنزل

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

فقال:" إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ " أي اختار لكم الدين الذي هو الإسلام ، وهو ملة إبراهيم ، فالألف واللام للعهد ، «فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» فنهاهم عن الصفة لا عن الموت ، فإن الموت متحقق ، يقول مت وأنت موحد ، فليس الأمر بالموت ، وإنما الأمر بموت على هذه الصفة ، وفيه تنبيه على ملازمة هذا الدين أيام حياتهم ، لأن وقت الموت مجهول ، والحيوان في كل نفس ينتظره ، ولما كان الأمر هكذا ، خرج الكلام بالنهي عن الموت على غير صفة الإسلام مخرج الزموا هذا الدين أيام حياتكم (134) «أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ» الآية ، لما زعمت اليهود أن يعقوب أوصى بنيه عند الموت أن يموتوا على اليهودية ، فقيل لهم ، أتدعون على الأنبياء اليهودية في قولكم هذا ، أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ؟ فتكون «أَمْ» على هذا متصلة ، ومن جعلها منقطعة جعل الهمزة للإنكار ، والمعنى أي ما كنتم حاضرين يعقوب إذ حضر يعقوب الموت ، وقد يمكن أن يقال فيه أيضا إن الهمزة للاستفهام ، والمعنى أكنتم شهداء ؟ واستفهم بأم ،

من عند اللّه ، في الإيمان به - لا بالعمل بالحكم - ، فالشرائع كلها أنوار ، وشرع محمد صلّى اللّه عليه وسلم بين هذه الأنوار كنور الشمس بين أنوار الكواكب ، فإذا ظهرت الشمس خفيت أنوار

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

فإنه يستفهم بها كثيرا في الكلام المستأنف على كلام سبق ، فكأنه يقول : ما كنتم حاضرين ، فلم يبق إلا أن تعلموا ذلك من كتابكم أن يعقوب وإبراهيم كانا على اليهودية ، وأنتم تعلمون أن كتابكم ينطق بخلاف ما تزعمون ، وأنه قيل لكم : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فما أوصى إبراهيم بنيه الذي يعقوب منهم - فإنه ولد ولده - إلا بالملة الحنيفية وهو دين الإسلام ، فقولكم يناقض علمكم ، وقوله : «إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي» فأتى بما فإنها تنطلق على كل شيء بخلاف من ، فكأنه يقول : أي شيء تعبدون من بعدي ؟ وأما استفهامه بنيه لعلمه بأن قلوب الخلق بيد اللّه يقلبها كيف يشاء ، ولعلمه بأن أولاد الأنبياء قد يخرجون عن دين آبائهم ، وقد وقع هذا كله قبل يعقوب فيمن تقدم ، فأراد أن يرى ما يصرون عليه في قلوبهم بعد موته لينقلب مسرورا إن كان خيرا في جوابهم ، وإن سمع منهم غير ذلك فيدعو اللّه لهم - ما دام حيا - أن يجمعهم على الإسلام ، ولهذا قال «مِنْ بَعْدِي» فإنهم في هذا الوقت على دين أبيهم ، فقالوا : «نَعْبُدُ إِلهَكَ» أي نذل له بالطاعة لأمره ونوحده «وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ» تهمموا بتقديمه لما علموا من اصطفاء اللّه له بالخلة ، ولسنه ، ولأن ذلك مما يسر يعقوب ، وتلوه بإسماعيل ، فقالوا : «وَإِسْماعِيلَ» لأنه أسن من إسحاق ، وجعلوا العم هنا أبا فإن أبا يعقوب إسحاق ، وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال : عم الرجل صنو أبيه ، فإن الأخوين من أب واحد كصنوان النخل «وَإِسْحاقَ» كل ذلك عطف بيان على «آبائِكَ» ثم قالوا : «إِلهاً واحِداً» لئلا يتوهم السامع الكثرة ، فهو بدل من إلهك وإله آبائك ، وقد قيل إن نصبه على الاختصاص ، أي نريد بقولنا إلهك وإله آبائك ، إلها واحد «وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» منقادون لما يأمرنا به وينهانا عنه ، وإنما قدموا يعقوب بالذكر على آبائه لحضوره ، وللحاضر مزية على الغائب عند المخاطب ، وربما ذكروه بالقصد الأول على وجه الاقتصار عليه ، ثم إنهم لما ذكروه خطر لهم أن يذكروا آباءه ، ينبهوه أنك كما عبدت إله آبائك كذلك نحن نعبد ما كانوا يعبدون ، إذ كان شرع اسم الإسلام لإبراهيم ، (135) «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ» الآية ، تدل هذه الإشارة أن واحدا منهم قال : إنه ينتفع بانتسابه إلى آبائه الذين كانوا مع الأنبياء المتقدمين على دينهم ، فرد اللّه ذلك بقوله : «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ» أي انقضت مدتها وذهبت بعملها ، يقال خلى الرجل إذا صار إلى مكان ليس فيه غيره ، ومنه الخلوة والخلاء ، لانفراد الشخص فيه ، وقوله : «لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ» يؤيد من يقول إنه لا ينوب أحد عن أحد في

الكواكب واندرجت أنوارها في نور الشمس ، فكان خفاؤها نظير ما نسخ من الشرائع بشرعه صلّى اللّه عليه وسلم مع وجود أعيانها ، كما يتحقق وجود أنوار الكواكب ، ولهذا ألزمنا في شرعنا العام أن نؤمن بجميع الرسل ، وجميع شرائعهم أنها حق ، فلم ترجع بالنسخ باطلا ، ذلك

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

الأعمال البدنية ، ويحتج بقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) وقوله : «ما كَسَبَتْ» من الخير والشر ، أي ما عملته من ذلك ، والذي أذهب إليه في هذه المسألة أن ليس للإنسان أن يطلب جزاءه إلا عن ما سعى فيه ، وليس له بطريق الجزاء إلا ما عمله ، وأما عمل غيره فلا يتعدى له من حيث هو عمل ، فإن العمل لا يتصف به إلا عامله وهو الصحيح ، وإنما الجزاء الذي عيّن اللّه على ذلك لعامله هو رحله يتصرف فيه كيف يشاء ، فيمسكه لنفسه ويهبه إن شاء لمن يريد ، فالذي يوهب له ذلك الثواب فليس هو له جزاء ، لأنه وصل إليه من غير عمل عمله ، ولكن من باب الهدية والمنة من صاحبه ، كالرجل يأخذ أجرة عمله فإن شاء أكلها ، وإن شاء تصدق بها ، وقد ورد في الشرع ما يؤيد قولنا ، وهذا نقول به في الخير ، وأما في الشر فلا ، فإن الشرع منع من ذلك ، قال تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) * (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) ،ثم قال : «وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ» أيضا ولا يسألون عما كنتم تعملون (136) «وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا» - الآية - قولهم : «تَهْتَدُوا» أي تصيبوا طريق الحق ، المعنى أي يتبين لكم الحق ، إذا كنتم على اليهودية تقول اليهود ، وتقول النصارى كونوا نصارى ، وهما دينان مختلفان لأنه دين عن أهوائهم لا دين أنبيائهم ، فقال اللّه تعالى لنبيه : «قُلْ» لهم «بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» أي نتبع نحن وأنتم كلمة بيننا وبينكم سواء (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) فهذه هي ملة إبراهيم ، وقد أخبرنا اللّه تعالى وهو في كتابكم أن إبراهيم ما كان يهوديا ولا نصرانيا ، ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ، وأنتم معشر اليهود تقولون: عزير ابن اللّه وأنتم معشر النصارى تقولون : المسيح ابن اللّه ، والمسيح هو اللّه ، فأشركتكم ، فكيف نتبعكم وأنتم ما اتبعتم ما أنزل إليكم ؟ والقرآن مما أنزل إليكم فإني رسول إليكم جميعا (137) «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ» لما قالت اليهود لنا : (كُونُوا هُوداً) وقالت النصارى : (كونوا نصارى) قيل لنا : «قُولُوا» لهم «آمَنَّا بِاللَّهِ» أي بوحدانيته وبوجوده «وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا» وهو القرآن «وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ» من الصحف والوحي «وَما أُوتِيَ مُوسى» وهو التوراة «وَعِيسى» وهو الإنجيل «وَما أُوتِيَ» أعطي «النَّبِيُّونَ» الألف واللام لاستغراق الجنس . «مِنْ رَبِّهِمْ» من عند ربهم من الكتب والشرائع «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ» كما فرقتم ، فآمنتم ببعضهم

ظن الذين جهلوا ، والأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ، ولم يبعث عاما سوى محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وما سواه فبعثه خاص ، فنعلم من ذلك أن المحمدي مطلق الدعاء بكل لسان ، لأنه مأمور بالإيمان بالرسل وبما أنزل إليهم ، فما وقف الولي المحمدي مع وحي خاص إلا في الحكم بالحلال والحرام ، وأما في الدعاء ، وما سكت عنه ، ولم ينزل فيه شيء في شرع محمد صلّى اللّه عليه وسلم يؤذن بتركه ، فلا يتركه إذا نزل به وحي على نبي من الأنبياء عليهم السلام ، رسولا كان أو غير رسول .


المراجع:

(136) الفتوحات ج 3 / 870">414 ، 153 - ج 2 / 87 - ج 3 / 167

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!