موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة النحل (16)

 

 


الآيات: 123-125 من سورة النحل

ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)

[ «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ» الآية ]

الحكمة إنزال الأمر منزلته ولا يتعدى به مرتبته ، وهي كلها أخلاق ، ولا تكون إلا لمن جعل القرآن إمامه ، فينظر إلى ما وصف الحق به نفسه ، وفي أي حالة وصف نفسه بذلك الذي وصف نفسه ، ومع من صرف ذلك الوصف الذي وصف به نفسه ، فليقم الداعي بهذا الوصف بتلك الحال مع ذلك الصنف ، فأنزل اللّه الميزان ، وبيّن المواطن والأحوال ، فلا تخرج شيئا عن مقتضى ما تطلبه الحكمة «وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ» فهي الموعظة التي تكون عند المذكّر بها عن شهود ، فإن الإحسان أن تعبد اللّه كأنك تراه ، فكيف بمن حقق أنه يراه ؟ فإنه أعظم وأحسن ، ولا تكون الموعظة بصفة قهر ولا منفرة ،

فإن جادلوك قال تعالى : «وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بالجدال الذي تطلبه الأسماء الإلهية ، وهو قوله «بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» كما ورد في الإحسان أن تعبد اللّه كأنك تراه ، فإذا جادل بالإحسان جادل كأنه يرى ربه ،

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لأبي هريرة : [ إذا خلوت بيهودي أو نصراني أو مجوسي فلا يحل لك أن تفارقه حتى تدعوه إلى الإسلام ، يا أبا هريرة لا تجادل أحدا منهم فعسى ، أن يأتيك بشيء من التنزيل فتكذبه ، أو تجيء بشيء فيكذبك ، لا يكون من حديثك إلا أن تدعوه إلى الإسلام ]

وهو قول اللّه تعالى «وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» الدعاء إلى الإسلام ، هذه هي الصفة اللازمة التي ينبغي أن يكون الداعي إلى اللّه عليها ، ولا ينبغي لمسلم ممن ينتمي إلى اللّه أن يجادل إلا فيما هو فيه محق عن كشف لا عن فكر ونظر ، فإذا كان مشهودا له ما يجادل عنه ، حينئذ يتعيّن عليه الجدال فيه بالتي هي أحسن إذا كان مأمورا بأمر إلهي ، فإن لم يكن مأمورا فهو بالخيار ، فإن تعين له نفع الغير بذلك كان مندوبا إليه ، وإن يئس من قبول السامعين له فليسكت ولا يجادل ، فإن جادل فإنه ساع في هلاك السامعين عند اللّه «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» أي بالقابلين التوفيق ، فإنهم على مزاج خاص أوجدهم عليه ، فمن لا علم له بالحقائق يقول : إن العبد إذا صدق فيما يبلغه عن اللّه في بيانه أثر ذلك في نفوس السامعين ، وليس كما زعموا ، فإنه لا أقرب إلى اللّه ومن اللّه ولا أصدق في التبليغ عن اللّه ولا أحب في القبول فيما جاء به من عند اللّه من الرسل صلوات اللّه عليهم وسلامه ، ومع هذا فما عمّ القبول من السامعين ، بل قال الرسول الصادق في التبليغ [ فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ] فلما لم يعم مع تحققنا هذه الهمة ، علمنا أن الهمة ما لها أثر جملة واحدة في المدعو ، والذي قبل من السامعين ما قبل من أثر

همة الداعي - الذي هو المبلغ - وإنما قبل من حيث ما وهبه اللّه في خلقه من مزاج يقتضي له قبول هذا وأمثاله ، وهذا المزاج الخاص لا يعلمه إلا اللّه الذي خلقهم عليه ، وهو قوله تعالى : «وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»

فلا تقل بعد هذا إذا حضرت مجلس مذكر داع إلى اللّه فلم تجد أثرا لكلامه فيك أن هذا من عدم صدق المذكر ، لا بل هو العيب منك من ذاتك ، حيث ما فطرك اللّه في ذلك الوقت على القبول ، فإن المنصف ينظر فيما جاء به هذا الداعي المذكر ،

فإن كان حقا ولم يقبله فيعلم على القطع أن العيب من السامع لا من المذكر ، فإذا حضر في مجلس مذكر آخر وجاء بذلك الذكر عينه وأثر فيه ،

فيقول السامع بجهله : صدق هذا المذكر ، فإن كلامه أثر في قلبي ، والعيب منك وأنت لا تدري ، فلتعلم أن ذلك التأثير لم يكن لقبولك الحق ، فإنه حق في المذكرين في نفس الأمر ، وإنما وقع التأثير فيك في هذا المجلس دون ذلك لنسبة بينك وبين هذا المذكر ، أو بينك وبين الزمان ، فأثر فيك هذا الذكر ،

والأثر لم يكن للمذكر إذ قد كان الذكر ولا أثر له فيك ، وإنما أثرت المناسبة التي بيّنتها لك ، الزمانية أو النسبة التي بينك وبين المذكر ، وربما أثر لاعتقادك فيه ولم يكن لك اعتقاد في ذلك الآخر ، فما أثر فيك سواك أو ما أشبه ذلك ، وأقل فائدة في هذه المسألة سلامة المذكر من تهمتك إياه بعدم الصدق في تذكيره ورده وردك الحق ، فإن السليم العقل يؤثر فيه الحق جاء على يد من جاء ، ولو جاء على لسان مشرك باللّه ، عدو للّه كاذب على اللّه ممقوت عند اللّه ، لكن الذي جاء هو به حق ، فيقبله العاقل من حيث ما هو حق لا من حيث المحل الذي ظهر به ، وبهذا يتميز طالب الحق من غيره.


المراجع:

(125) الفتوحات ج 3 / 563 - ج 2 / 266 ، 267 - ج 3 / 563 - ج 2 / 265 ، 93 - ج 4 / 516 - ج 2 / 265 - ج 3 / 339 ، 498

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!