موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الإسراء (17)

 

 


الآية: 1 من سورة الإسراء

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)

[ اعلم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لولا بعثه اللّه تعالى رسولا ما ظهرت عليه آية ظاهرة في العموم ]

اعلم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لولا بعثه اللّه تعالى رسولا ما ظهرت عليه آية ظاهرة في العموم كما ظهرت على من تقدم ، فما ظهر عنه صلّى اللّه عليه وسلم من الآيات المنقولة في العموم إنما كان ذلك من كونه رسولا ، رفقا من اللّه تعالى بهذه الأمة وإقامة حجة على من كذبه وكذب ما جاء به ، ألا ترى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم كيف أسري به إلى المقام الذي قد عرف وجاء به القرآن والخبر الصحيح ، فلما خرج إلى الناس بكرة تلك الليلة وذكر للأصحاب ما ذكر مما جرى له في إسرائه بينه وبين ربه تعالى ، أنكر عليه بعض أصحابه ، لكونهم ما رأوا لذلك أثرا في الظاهر ، بل زادهم حكما في التكليف ، وموسى عليه السلام لما جاء من عند ربه كساه اللّه نورا على وجهه يعرف به صدق ما ادعاه ، فما رآه أحد إلا عمي من شدة نوره ، فكان يتبرقع حتى لا يتأذى الناظر إلى وجهه عند رؤيته ، من ذلك نعلم الفرق بين الورثة المحمديين وورثة سائر الأنبياء ، فورثة الأنبياء يعرفون في العموم بما يظهر عليهم من خرق العوائد ، ووارث محمد

صلّى اللّه عليه وسلم مجهول في العموم معلوم في الخصوص ، لأن خرق عادته إنما هو حال وعلم في قلبه ، فهو في كل نفس يزداد علما بربه ، علم حال وذوق ، لا يزال كذلك ، ولولا ما طلب الرسول صلّى اللّه عليه وسلم بالمعراج ما رحل ، ولا صعد إلى السماء ولا نزل ، وكان يأتيه شأن الملأ الأعلى وآيات ربه في موضعه ، كما زويت له الأرض وهو في مضجعه ، ولكنه سر إلهي لينكره من شاء - لأنه لا يعطيه الإنشاء - ويؤمن به من شاء ، فقال تعالى «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ»

[ العبودية المحضة أشرف الحالات ]

فسبّح الحق نفسه ، وقرن سبحانه التسبيح بهذا السفر الذي هو الإسراء فقال «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ» وهو خبر ، ينفي بذلك عن قلب صاحب الوهم ومن تحكم عليه خياله من أهل الشبه والتجسيم ، ما يتخيله في حق الحق من الجهة والحد والمكان ، فلهذا قال «لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا» فجعله مسافرا به صلّى اللّه عليه وسلم ، يعلم أن الأمر من عنده عزّ وجل هبة إلهية وعناية سبقت له مما لم يخطر بسره ولا اختلج في ضميره ، وقوله «بِعَبْدِهِ» يعني عبدا لم يكن فيه شيء من الربوبية التي يدعيها الخلق ، فوصفه بأشرف الحالات وهي العبودية المحضة ، فجعله عبدا محضا ، وجرده عن كل شيء حتى عن الإسراء ، فجعله يسرى به وما أضاف السرى إليه ، فإنه لو قال : سبحان الذي دعا عبده لأن يسري إليه أو إلى رؤية آياته فسرى ؛ لكان له أن يقول ، ولكن المقام منع من ذلك ، فجعله مجبورا لاحظ له من الربوبية في فعل من الأفعال ، فإن العبودية في غاية البعد من صفات الربوبية ،

فاختار سبحانه لنبيه الشرف الكامل بأعلى ما يكون من صفات الخلق ، وليس إلا العبودية ، فإن اللّه إذا أكرم عبدا سافر به في عبوديته ، فما سماه إلا بأشرف أسمائه عنده ، لأنه ما تحسّن عبد بحسن أحسن ولا زينة أزين من حسن عبوديته ، ولأن الربوبية لا تخلع زينتها إلا على المتحققين بمقام العبودية «لَيْلًا» وجعل الإسراء ليلا ، تمكينا لاختصاصه بمقام المحبة ، لأنه اتخذه خليلا حبيبا ، وأكده بقوله" لَيْلًا "

مع أن الإسراء لا يكون في اللسان إلا ليلا لا نهارا ، لرفع الإشكال حتى لا يتخيّل أنه أسرى بروحه ، ويزيل بذلك من خاطر من يعتقد من الناس أن الإسراء ربما يكون نهارا ، فإن القرآن وإن كان نزل بلسان العرب ، فإنه خاطب به الناس أجمعين ، أصحاب اللسان وغيرهم ،

والليل أحب زمان المحبين لجمعهما فيه ، والخلوة بالحبيب متحققة بالليل ، ولتكون رؤية الآيات بالأنوار الإلهية خارجة عن العادة عند العرب بما لم تكن تعرفها ، فإن البصر لا يدرك شيئا من المرئيات بنوره خاصة إلا الظلمة ، والنور الذي به يكشف الأشياء إذا

كان حيث لا تغلب قوة نور البصر ، فإذا غلب حكمه مع نور البصر حكم الظلمة لا يراه سواه ، إذ كان البصر لا يدرك في الظلمة الشديدة سوى الظلمة ، فالبصر يرى بالنور المعتدل النور وما يظهر له النور من الأشياء المدركة ،

ولا فائدة عند السامع لو كان العروج به نهارا من رؤية الآيات فإنه معلوم له ،

فلهذا كان ليلا ، وأتى أيضا بقوله «لَيْلًا»

ليحقق أن الإسراء كان بجسده الشريف صلّى اللّه عليه وسلم فإن قوله «أَسْرى»

[ سر الإسراء ليلا ]

يغني عن ذكر الليل ، قليلا في موضع الحال من عبده ، فالإسراء لا يكون إلا بالليل ، وكذا معارج الأنبياء لم تكن قط إلا بالليل ، لأنه محل الأسرار والكتم وعدم الكشف «مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ» سمي المسجد الأقصى لأنه أقصي من الأولية ، لأن البيت الذي هو الكعبة قد حاز الأولية ، وبين الأقصى وبينه أربعون سنة ، ولم يكن ظهوره للعبادة بعد المسجد الحرام ، إلا بعد أربعين سنة «لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا»

اعلم أنه ما نقل اللّه عبدا من مكان إلى مكان ليراه ، بل ليريه من آياته التي غابت عنه ، فإن اللّه تعالى قال : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) فهو تعالى معنا أينما كنا ، في حال نزوله إلى السماء الدنيا في الثلث الباقي من الليل في حال كونه استوى على العرش ، في حال كونه في العماء ، في حال كونه في الأرض وفي السماء ، وفي حال كونه أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد منه ، وهذه نعوت لا يمكن أن يوصف بها إلا هو ، فنقله عبده من مكان إلى مكان ليريه ما خص اللّه به ذلك المكان من الآيات الدالة عليه تعالى ، من حيث وصف خاص لا يعلم من اللّه تعالى إلا بتلك الآية ،

فكأنما سبحانه وتعالى يقول ما أسريت به إلا لرؤية الآيات لا إليّ ، فإنه لا يحويني مكان ، ونسبة الأمكنة إليّ نسبة واحدة ، فأنا الذي وسعني قلب عبدي المؤمن ، فكيف أسري به إليّ وأنا عنده ومعه أينما كان ؟ .

"إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " يقول له صلّى اللّه عليه وسلم : أخبر العباد بما رأيته ، تشوقهم إليّ وترغبهم فيّ ، وتكون رحمة لهم . فلما أراد اللّه تعالى أن يري النبي محمدا صلّى اللّه عليه وسلم من آياته ما شاء ، أنزل إليه جبريل عليه السلام وهو الروح الأمين بدابة يقال لها البراق ، إثباتا للأسباب وتقوية له ، ليريه العلم بالأسباب ذوقا ، ليعلمنا بثبوت الأسباب التي وضعها في العالم ، والبراق دابة برزخية فإنه دون البغل الذي تولد من جنسين مختلفين وفوق الحمار الذي تولد من جنس واحد ، وهو مركب المعارج فإنه يجمع بين ذوات الأربع وذوات الجناح فهو علوي سفلي ، فركبه صلّى اللّه عليه وسلم وأخذه جبريل عليه السلام ، والبراق للرسل مثل فرس النوبة الذي يخرجه المرسل

إلى المرسل إليه بالرسول ليركبه تهمما به في الظاهر ، وفي الباطن أن لا يصل إليه إلا على ما يكون منه «1» لا على ما يكون من غيره ليتنبه بذلك ، فهو تشريف وتنبيه لمن لا يدري مواقع الأمور ، فهو تعريف في نفس الأمر ، فجاء صلّى اللّه عليه وسلم إلى البيت المقدس ونزل عن البراق وربطه بالحلقة التي تربطه بها الأنبياء ، كل ذلك إثبات للأسباب ، فإنه ما من رسول إلا وقد أسري به راكبا على ذلك البراق ، وإنما ربطه مع علمه بأنه مأمور ولو أوقفه دون ربط بحلقة لوقف ، ولكن حكم العادة منعه من ذلك إبقاء لحكم العادة التي أجراها اللّه في مسمى الدابة ، وقد قلب البراق في الطريق بحافره القدح الذي كان يتوضأ به صاحبه في القافلة الآتية إلى مكة ، فلما صلى جاءه جبريل عليه السلام بالبراق فركب عليه ومعه جبريل ، فطار البراق به في الهواء فاخترق به الجو ، فعطش واحتاج إلى الشرب ، فأتاه جبريل عليه السلام بإناءين :

إناء لبن وإناء خمر - وذلك قبل تحريم الخمر - فعرضهما عليه ، فتناول اللبن ، فقال جبريل عليه السلام : أصبت الفطرة أصاب اللّه بك أمتك ، فلما وصل إلى السماء الدنيا استفتح جبريل فقال له الحاجب : من هذا ؟ فقال : جبريل ، قال : ومن معك ؟ قال : محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، قال وقد بعث إليه ؟

قال : قد بعث إليه ، ففتح : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ فدخلنا فإذا بآدم صلّى اللّه عليه وسلم وعن يمينه أشخاص بنيه السعداء أهل الجنة ، وعن يساره نسم بنيه الأشقياء عمرة النار ]

ورأى صلّى اللّه عليه وسلم نفسه في أشخاص السعداء الذين عن يمين آدم فشكر اللّه تعالى ، وعلم عند ذلك كيف يكون الإنسان في مكانين وهو عينه لا غيره ، فقال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ، ثم عرج به البراق وهو محمول عليه في الفضاء الذي بين السماء الأولى والسماء الثانية أو سمك السماوات ، فاستفتح جبريل السماء الثانية كما فعل في الأولى ، وقال وقيل له ، فلما دخل إذا بعيسى عليه السلام بجسده عينه ، فإنه لم يمت إلى الآن بل رفعه اللّه إلى هذه السماء وأسكنه بها ، فرحب به وسهل ، ثم جاء السماء الثالثة فاستفتح وقال وقيل له ففتحت ، وإذا بيوسف عليه السلام فسلم عليه ورحب وسهل ، وجبريل في هذا كله يسمي له من يراه من هؤلاء الأشخاص ، ثم عرج به إلى السماء الرابعة ، فاستفتح وقال وقيل له ففتحت ، فإذا بإدريس عليه السلام بجسمه فإنه ما مات إلى الآن بل رفعه اللّه مكانا عليا ، وهو هذه السماء قلب السماوات وقطبها ، فسلم عليه ورحب وسهل ، ثم عرج به إلى السماء

(1) الوجه الأول : أن براقه عمله ، والوجه الثاني : على ما يكون منه أي أن هذا الانتقال من فضل اللّه ونعمته لا من غيره .

الخامسة ، فاستفتح وقال وقيل له ، فإذا بهارون ويحيى عليهما السلام ، فسلما عليه ورحبا به وسهلا ، ثم عرج به إلى السماء السادسة ، فاستفتح وقال وقيل له ففتحت ، وإذا بموسى عليه السلام فسلم عليه ورحب وسهل ، ثم عرج به إلى السماء السابعة ، فاستفتح وقال وقيل له ففتحت ، فإذا بإبراهيم الخليل عليه السلام مسندا ظهره إلى البيت المعمور ، فسلم عليه ورحب وسهل وسمى له البيت المعمور الضراح ، فنظر إليه وركع فيه ركعتين ، وأعلمنا أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك من الباب الواحد ويخرجون من الباب الآخر ، وأخبره أن أولئك الملائكة يخلقهم اللّه كل يوم من قطرات ماء الحياة التي تسقط من جبريل حين ينتفض كما ينتفض الطائر عندما يخرج من انغماسه في نهر الحياة ، فإن له كل يوم غمسة فيه ،

ثم عرج به إلى سدرة المنتهى ، فإذا نبقها كالقلال وورقها كآذان الفيلة ، فرآها وقد غشاها اللّه من النور ما غشى ، فلا يستطيع أحد أن ينعتها لأن البصر لا يدركها لنورها ،

ورأى يخرج من أصلها أربعة أنهار : نهران ظاهران ونهران باطنان ، فأخبره جبريل أن النهرين الظاهرين النيل والفرات ، والنهرين الباطنين نهران يمشيان إلى الجنة ،

وأن هذين النهرين النيل والفرات يرجعان يوم القيامة إلى الجنة ، وهما نهرا العسل واللبن ،-

وفي الجنة أربعة أنهار نهر من ماء غير آسن ، ونهر من لبن لم يتغير طعمه ،

ونهر من خمر لذة للشاربين ، ونهر من عسل مصفى - وأخبره أن أعمال بني آدم تنتهي إلى تلك السدرة ، وأنها مقر الأرواح ، فهي نهاية لما ينزل مما هو فوقها ونهاية لما يعرج إليها مما هو دونها ، وبها مقام جبريل عليه السلام وهناك منصته ،

فنزل صلّى اللّه عليه وسلم عن البراق بها وجيء إليه بالرفرف - وهو نظير المحفة عندنا - فقعد عليه وسلمه جبريل إلى الملك النازل بالرفرف ، فسأله الصحبة ليأنس به ،

فقال : لا أقدر لو خطوت خطوة احترقت ، فما منا إلا له مقام معلوم ، وما أسرى اللّه بك يا محمد إلا ليريك من آياته ، فلا تغفل .

فودعه وانصرف على الرفرف مع ذلك الملك يمشي به ، إلى أن ظهر لمستوى سمع منه صريف القلم ، والأقلام في الألواح بما يكتب اللّه بها مما يجريه في خلقه وما تنسخه الملائكة من أعمال عباده ، وكل قلم ملك ، قال تعالى : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

ثم زج في النور زجة فأفرده الملك الذي كان معه وتأخر عنه ، فاستوحش لما لم يره ، وبقي لا يدري ما يصنع ، وأخذه هيمان في ذلك النور ، وأصابه الوجد فأخذ يميل ذات اليمين وذات الشمال ، واستفزعه الحال وكان سببه سماع إيقاع تلك

الأقلام وصريفها في الألواح ، فأعطت من النغمات المستلذة ما أداه إلى ما ذكرناه من سريان الحال فيه وحكمه عليه ، فتقوى بذلك الحال ، وأعطاه اللّه في نفسه علما علم به ما لم يكن يعلمه قبل ذلك ، عن وحي من حيث لا يدري وجهته ، فطلب الإذن في الرؤية بالدخول على الحق ، فسمع صوتا يشبه صوت أبي بكر وهو يقول له : «يا محمد قف إن ربك يصلي» فراعه ذلك الخطاب وقال في نفسه : أربي يصلي ؟ ! ! فلما وقع في نفسه هذا التعجب من هذا الخطاب ، وأنس بصوت أبي بكر الصديق ، تلي عليه (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) فعلم عند ذلك ما هو المراد بصلاة الحق ، فلما فرغ من الصلاة وأوحى اللّه إليه في تلك الوقفة ما أوحى ، أمره بالدخول فدخل ، فرأى عين ما علم لا غير وما تغيرت عليه صورة اعتقاده ، ثم فرض عليه في جملة ما أوحى به إليه خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، فنزل حتى وصل إلى موسى عليه السلام ، فسأله موسى عما قيل له وما فرض عليه ، فأجابه وقال إن اللّه فرض على أمتي خمسين صلاة في كل يوم وليلة ،

فقال له : يا محمد قد تقدمت إلى هذا الأمر قبلك وعرفته ذوقا وتعبت مع أمتي فيه ، وإني أنصحك فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فراجع ربك وسله التخفيف ، فراجع ربه فترك له عشرا ، فأخبر موسى بما ترك له ربه ، فقال له موسى : راجع ربك ، فراجعه فترك له عشرا ، فأخبر موسى ، فقال له : راجع ربك ، فراجعه فترك له عشرا ، فأخبر موسى ، فقال له : راجع ربك ، فراجعه فترك له عشرا ، فأخبر موسى ، فقال له : راجع ربك ، فراجعه ،

فقال له ربه : هي خمس وهي خمسون ، ما يبدل القول لدي . فأخبر موسى ، فقال : راجع ربك

. فقال : إني أستحي من ربي وقد قال لي كذا وكذا ، ثم ودعه وانصرف ونزل إلى الأرض قبل طلوع الفجر ، فنزل بالحجر فطاف ومشى إلى بيته ، فلما أصبح ذكر ذلك للناس ، فالمؤمن به صدقه وغير المؤمن به كذبه والشاكّ ارتاب فيه ، ثم أخبرهم بحديث القافلة وبالشخص الذي كان يتوضأ ، وإذا بالقافلة قد وصلت كما قال ، فسألوا الشخص فأخبرهم بقلب القدح كما أخبرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ،

وسأله من حضره من المكذبين ممن رأى بيت المقدس أن يصفه لهم - ولم يكن رأى منه صلّى اللّه عليه وسلم ، إلا قدر ما مشى فيه وحيث صلى - فرفعه اللّه له حتى نظر إليه ، فأخذ ينعته الحاضرين ، فما أنكروا من نعته شيئا ، فكان قوله تعالى «لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا» أي ليريه ما أودع من الآيات والحقائق فيما أبدع من الخلائق ، فأراه اللّه من الآيات ما زاده علما باللّه

[إسراء الرسول صلّى اللّه عليه وسلم كان بجسمه ]

إلى علمه ، لذا قرن به «إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ» لما خوطب به ولما يخبر به الحق من التعريفات «الْبَصِيرُ»

لما شاهده من الآيات وتقلبات الأحوال في العالم كله آيات من أحكام الأسماء الإلهية ، فلو كان الإسراء بروحه وتكون رؤيا رآها كما يراه النائم في نومه ما أنكره أحد ولا نازعه ، وإنما أنكروا عليه كونه أعلمهم أن الإسراء كان بجسمه في هذه المواطن كلها ، وله صلّى اللّه عليه وسلم أربعة وثلاثون مرة ، الذي أسري به منها الإسراء واحد بجسمه ، والباقي بروحه رؤيا رآها ، وبهذا زاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم على الجماعة بإسراء الجسم واختراق السماوات والأفلاك حسا ، وقطع مسافات حقيقية محسوسة .

واعلم أنه لما ذكر اللّه سبحانه في كتابه العزيز أنه تعالى استوى على العرش ، على طريق التمدح والثناء على نفسه ، إذ كان العرش أعظم الأجسام ، فجعل لنبيه صلّى اللّه عليه وسلم من هذا الاستواء نسبة على طريق التمدح والثناء عليه به ، حيث كان أعلى مقام ينتهي إليه من أسري به من الرسل ، وذلك يدل أنه أسري به صلّى اللّه عليه وسلم بجسمه ،

ولو كان الإسراء به رؤيا لما كان الإسراء ولا الوصول إلى هذا المقام تمدحا ، ولا وقع من الأعراب في حقه إنكار على ذلك ، لأن الرؤيا يصل الإنسان فيها إلى مرتبة رؤية اللّه تعالى ، وهي أشرف الحالات ،

وفي الرؤيا ما لها ذلك الموقع من النفوس ، إذ كل إنسان بل الحيوان له قوة الرؤيا ، فقال صلّى اللّه عليه وسلم عن نفسه على طريق التمدح لكونه جاء بحرف الغاية وهو (حتى) فذكر أنه أسري به حتى ظهر لمستوى يسمع فيه صريف الأقلام ، وهو قوله تعالى : «لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» فالضمير في «إِنَّهُ هُوَ» يعود على محمد صلّى اللّه عليه وسلم ،

فإنه أسري به فرأى الآيات وسمع صريف الأقلام ، فكان يرى الآيات ويسمع منها ما حظّه السماع وهو الصوت ، فإنه عبّر عنه بالصريف ، والصريف الصوت ، فدل أنه بقي له من الملكوت قوة ما لم يصل إليه بجسمه من حيث هو راء ولكن من حيث هو سميع ، فوصل إلى سماع أصوات الأقلام وهي تجري بما يحدث اللّه في العالم من الأحكام .

واعلم أن قصة الإسراء وإن كانت مشتملة على الترقي بالنبي صلّى اللّه عليه وسلم ، فليست منافية إلى عموم إحاطة ربنا سبحانه بجميع الجهات وعدم اختصاصه ، ولا مستلزمة لإثبات الجهة ، ويدل عليه أمور : منها افتتاح السورة " بسبحان الذي " المقتضي للتنزيه تنبيها على تعاليه عن التحيز بالجهات وعلى عدم اختصاصه بجهة .

الثاني : قوله «أَسْرى بِعَبْدِهِ» فأتى بهاء الإضافة المفيدة للمصاحبة في تعدية الفعل ، تنبيها على مصاحبته له في حالة إسرائه ، وأنه ليس نائيا ولا بعيدا عنه ، فيحتاج في

قربه إلى قطع مسافة مكانية ، وتحقيقا لقوله صلّى اللّه عليه وسلم (اللهم أنت الصاحب في السفر) .

الثالث :قوله «بِعَبْدِهِ» تنبيها على أنه على حسب التحقق لخضوع العبودية يكون الترقي إلى حضرة الربوبية .

الرابع :قوله «لَيْلًا» وإن كان لفظ الإسراء مفيدا لذلك تنبيها على أن كل ما تضمنه الإسراء كان خارجا عن العادة في مثله ، فإنه جعل العلة فيه أن يريه من آياته ، والإرادة العادية سلطانها النهار ،

فقال «لَيْلًا» ليعلم أن الرؤية المقصودة ليست عادية ، بل هي رؤية ربه بنور رباني سلطانه الليل دون النهار .

الخامس :قوله «مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» نبه على أن الإسراء لو كان لضرورة رؤية ربه لكونه مخصوصا بجهة العلو لم تكن حاجة بالذهاب إلى المسجد الأقصى ، ولأمكن الترقي من مكة إلى السماء ، فدل على أن الإسراء والترقي من مكان لمكان لحكمة وراء ما زعم مثبت الجهة ، والسر فيه وفي كونه ذكره تعالى في كتابه على أن العبد لا يصل إلى اللّه تعالى إلا فردا تحقيقا ، لقوله (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) ولا تتحقق له الفردية إلّا بعد مفارقة الحوادث وتجرده عنها ، فهناك يصل إلى حضرة عنديته ، وقد جاء الكتاب العزيز بالتنبيه على أن حضرة عنديته وراء دوائر السماوات والأرض ، فقال تعالى (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) فعطف من عنده على من في السماوات والأرض ، وهي مع ذلك محيطة بالسماوات والأرض كإحاطة ربنا بذلك كله ، مباينة لها كمباينته ، فمن أرادها فعليه بتفرقة الحوادث ومباينته لها ، فعلم أن الفرقة فرقة قلبية غيبية ، وفرقة حسية ، فإن فارقها بقلبه وصل إلى اللّه تعالى بقلبه ، وإن فارقها بحسه تبعا لقلبه وصل إلى اللّه تعالى بحسه وقلبه ، ولذلك كان الإسراء مرتين مرة بالروح ومرة بالجسد ، تنبيها على أنه صلّى اللّه عليه وسلم شرع لأمته فراق الحوادث مرتين ، مرة بالروح وهو الإسراء الأول ، ومرة بالجسد حسا وهو الإسراء الثاني ، ومن المعلوم أنه لا تحقق لفرقة الحوادث حسا إلا بمجاوزة دوائر الأفلاك كلها كما ثبت ليلة الإسراء ، وأما ترتيب نقلته صلّى اللّه عليه وسلم وترقيه في توجهه ففيه أسرار بديعة ، أظهرها وأجلاها أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء ، والصلاة حضرة القرب والمناجاة والمراقبة المثمرة لنعيم الرؤية ، ومن المعلوم أن التوجه توجهان : روحاني وحسي ، فقبلة التوجه الروحاني وجه اللّه تعالى ولا اختصاص له بمكان ، وأما التوجه الحسي فله قبلتان بيت المقدس والكعبة ، فبيت المقدس هو قبلة الأنبياء ، والكعبة هي قبلة إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلم ، فجاء الإسراء الروحاني أولا

تأسيسا للشريعة في قوله تعالى (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) وجاء الإسراء الحسي مبدوءا بالتوجه لبيت المقدس ثم إلى السماء ثم بالرجوع إلى الكعبة ، تأسيسا للشريعة في التوجه الحسي في الصلاة أولا لبيت المقدس ثم للسماء في قوله تعالى (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) ثم بالرجوع إلى قبلة مكة في قوله (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)

كذلك قوله تعالى (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) إياك أن تفهم أن ذلك يشعر بتحديد في القرب أو تخصيص في جهة ، وإنما هو دنو تجل وكشف ، لأنه ذكره في قصة الإسراء بالروح ، ألا ترى قوله تعالى بعد (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) ثم ذكر بعده الإسراء الحسي فقال تعالى (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) إلى قوله (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) فإذا علمت أنه دنو تجل روحاني وكشف عرفاني ،

فهمت سر قوله تعالى (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) ثم دنا عن الأفق الأعلى في نعيم الرؤية وفي بيان الحق (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) أي قدر قوسين ، والقوس في اللغة يستعمل في الذراع وما يقدر ويقاس به ، وهو المراد هنا وهو من قوله تعالى في الصحيح [ أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني ] الحديث وفيه

[ فإن تقرب إليّ شبرا تقربت منه ذراعا ، وإن تقرب إليّ ذراعا تقربت منه باعا ] وليس فيهما ذراع حسي محدود ، وإنما المراد تمثيل التقريب لدنو الذاكر من المذكور في مجالس النجوى والذكرى وتجلي سر المعية للقلب ، وأدنى الرتب في ذلك تحقق القلب بسر سبحان اللّه وسر الحمد للّه ، وكذلك كان صلّى اللّه عليه وسلم ليلة الإسراء ، وإذا أردت التحقيق فخذه من افتتاح سورة الإسراء بسبحان واختتامها بقوله (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) *ثم نبه على انتفاء التقدير في دنوه بقوله تعالى (أَوْ أَدْنى) وهو التحقيق بالتوحيد في نعيم الرؤية بالآية الكبرى وهي (لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ)

*ولذلك وصفه بقوله آخر سورة الإسراء (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) إلى قوله (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً)

تحقيقا لقوله [ وما بينهم وبين النظر إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ]

وإذا أردت أن تفهم سر التدلي في قوله تعالى (فَتَدَلَّى)

فتأمل ما رواه أبو عيسى الترمذي من حديث العنان ، وفيه ذكر الأرضين السبع وأن بين كل أرض وأرض كما بين السماء والأرض ، ثم قال صلّى اللّه عليه وسلم

[ والذي نفسي بيده لو دلى أحدكم حبلا لوقع على اللّه ]

فنبه صلّى اللّه عليه وسلم على عدم تحيزه في السماء وأنه ليس مختصا بجهة ، كما نبه على ذلك قوله تعالى (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى)

فإن الإسراء كان للعلو ، فربما يوهم المحجوب أن الدنو في قوله (دَنا) زيادة

العلو ، فنبه بقوله (فَتَدَلَّى) على أن قربه قاب قوسين كان ثمرة التدلي المشعر بالتنزيل ، وأنه تعالى لا يختص قربه بجهة العلو ، بل التدلي إليه بالخضوع أقرب تحقيقا لقوله (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)

وفي الصحيح [ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ] وإذا أردت زيادة التبصر بأن الإسراء وعروج الملائكة ورفع عيسى وإدريس صلى اللّه عليهم وسلم إلى السماء لا يدل على أن اللّه تعالى مخصوص بجهة السماء ، فاعتبر فرض الحج على العباد إلى البيت الحرام ، وأمر اللّه تعالى الناس بالتوجه إليه من جميع الجهات ، وجعل سكانه جيران اللّه ، وحجاجه وفده وضيفانه ، والحجر الأسود يمينه ، مع أن نسبة البيت وغيره إلى اللّه تعالى سبحانه كاعتبار المسافة بسفر أحد ، فعلم أن القصد بالسير إلى البيت لا أن السير يقتضي القرب والوصول إليه بالمكان ، وإنما للّه سبحانه تعبدات وأسرار في ضمن مشروعات يقتضيها من عباده بحكم ظاهر وحقيقة ، ألا تراه كيف ناجى موسى صلّى اللّه عليه وسلم بالواد المقدس وأسمعه كلامه من الشجرة ، ووصفه بالقرب إلى مجلس حضرته ونجواه ، مع الاتفاق على أنه تعالى لا يختص بجهة الواد المقدس ،

ولا يحل كلامه - وهو صفته - بالشجرة ، وأن موسى صلّى اللّه عليه وسلم قرب إليه مع كونه بالأرض ، وسمع نداء ربه من جانب الطور ، ولم يكن ربه بجانب الطور ، وإنما لتجلياته مظاهر وحجب روحانية وجسمانية ، لا يشهدها إلا من فتق اللّه رتق قلبه ، وفلق أصباح ليله ، ونوّر مصباح مشكاته بزيت شجرة توحيده (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) واعلم أن اللّه تعالى نبه بقوله «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ» إلى قوله «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً» أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما تحقق (سبحان الله) أولا (وبحمد الله) آخرا تجلى له وجه ربه بكماله الجامع للجلال والإكرام ، في شرف لا إله إلا اللّه الجامع لسبحان اللّه والحمد للّه ، آية ربه الكبرى ، ولهذا قال آخر السورة (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً)

[ - مشهد روحاني ]

-مشهد روحاني -كان الإسراء مقاما خصّ به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، وهو مقام رؤية المعبود جل وعلا ، وهو مقام قاب قوسين أو أدنى ، وذلك أنه لما كان صلّى اللّه عليه وسلم ثمرة شجرة الكون «1» ،

ودرة صدفة الوجود وسره ، ومعنى كلمة كن ، ولم تكن الشجرة مرادة لذاتها ، وإنما كانت مرادة لثمرتها ، فهي محمية محروسة لاجتناء ثمرتها واستجلاء زهرتها ، ولما كان المراد عرض هذه الثمرة بين يدي مثمرها ، وزفها إلى حضرة قربه ، والطواف بها على ندمان حضرته ،

..........................................................................................

(1) ثمرة شجرة الكون يعني بالكون كل ما خلق من الكلمة الإلهية وهي " كُنْ " .

523

قيل له : يا يتيم أبي طالب ، قم فإن لك طالب ، قد ادخر لك مطالب ، فأرسل إليه أخص خدام الملك ، فلما ورد عليه قادما ، وافاه على فراشه نائما ، فقال له : يا جبريل إلى أين ؟

فقال : يا محمد ارتفع الأين من البين «1» ، فإني لا أعرف في هذه النوبة أين ، لكني رسول القدم ، أرسلت إليك من جملة الخدم ، وما نتنزل إلا بأمر ربك ، قال : يا جبريل فما الذي مراد مني ؟ قال : أنت مراد الإرادة ، مقصود المشيئة ، فالكل مراد لأجلك ، وأنت مراد لأجله ، وأنت مختار الكون ، أنت صفوة كأس الحب ، أنت درة هذه الصدفة ، أنت ثمرة هذه الشجرة ، أنت شمس المعارف ، أنت بدر اللطائف ، ما مهّدت الدار إلا لرفعة محلك ، ما هيئ هذا الجمال إلا لوصلك ، ما روّق كأس المحبة إلا لشربك ، فقم فإن الموائد لكرامتك ممدودة ، والملأ الأعلى يتباشرون بقدومك عليهم ، والكروبيون «2» يتهللون بورودك إليهم ، وقد نالهم شرف روحانيتك ، فلا بد لهم من نصيب جسمانيتك ، فشرّف عالم الملكوت كما شرفت عالم الملك ، وشرّف بوطء قدميك قمة السماء ، كما شرفت بهما أديم البطحاء ،

قال : يا جبريل الكريم يدعوني ، فما ذا يفعل بي ؟

قال : ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، قال : هذا لي فما لعيالي وأطفالي ؟ فإن شر الناس من أكل وحده ، قال : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : يا جبريل الآن طاب قلبي ، ها أنا ذاهب إلى ربي .

فقرب له البراق ، فقال : ما لي بهذا ؟ قال : مركب العشاق ، قال : أنا مركبي شوقي وزادي توقي ودليلي ليلي ، أنا لا أصل إليه إلا به ، ولا يدلني عليه إلا هو ، وكيف يطيق حيوان ضعيف أن يحمل من يحمل أثقال محبته ، ورواسي معرفته ، وأسرار أمانته التي عجزت عن حملها السماوات والأرض والجبال ؟ وكيف تطيق أن تدل بي وأنت الحائر عند سدرة المنتهى ، وقد أنتهي إلى حضرة ليس لها منته ؟

يا جبريل أين أنت مني ولي وقت لا يسعني فيه غير ربي ، يا جبريل إذا كان محبوبي ليس كمثله شيء فأنا لست كأحدكم ، المركوب يقطع به المسافات ، والدليل يستدل به إلى الجهات ، وإنما ذلك محل الحدثات ، وأنا حبيبي مقدس عن الجهات ، منزه عن الحدثات ، لا يوصل إليه بالحركات ، ولا يستدل عليه بالإشارات ، فمن عرف المعاني عرف ما أعاني ، هلم إن قربي منه مثل قاب قوسين أو أدنى . فوقعت هيئة الوقت

..........................................................................................

(1) أي ستذهب إلى حضرة لا توصف بأين ، وهي ظرف مكان .

(2) الكروبيون أعلى صنف من الملائكة .

على جبريل ، فقال : يا محمد ، إنما جيء بي إليك لأكون خادم دولتك وصاحب حاشيتك ، وجيء بالمركب إليك لإظهار كرامتك ، لأن الملوك من عاداتهم إذا استزاروا حبيبا ، أو استدعوا قريبا ، وأرادوا ظهور كرامتهم واحترامهم ، أرسلوا أخص خدامهم وأعز دوابهم لنقل أقدامهم ، فجئناك على رسم عادة الملوك وآداب السلوك ، ومن اعتقد أنه سبحانه وتعالى يوصل إليه بالخطإ وقع في الخطا ، ومن ظن أنه محجوب بالغطاء فقد حرم العطاء ، يا محمد ، إن الملأ الأعلى في انتظارك ، والجنان قد فتحت أبوابها وزخرفت رحابها وتزينت أترابها وروق شرابها ، كل ذلك فرحا بقدومك وسرورا بورودك ، والليلة ليلتك والدولة دولتك ، وأنا منذ خلقت منتظر هذه الليلة ، وقد جعلتك الوسيلة في حاجة قلّت فيها حيلتي ، وانقطعت وسيلتي ، فأنا فيها حائر العقل ، ذاهل الفكر داهش السر ، مشغول البال زائد البلبال ، يا محمد ، حيرتي أوقفتني في ميادين أزله وأبده ، فجلت في الميدان الأول فما وجدت له أول ، وملت إلى الميدان الآخر فإذا هو في الآخر أول ، فطلبت رفيقا إلى ذلك الرفيق فتلقاني ميكائيل في الطريق ، فقال لي : إلى أين ؟ الطريق مسدودة والأبواب دونه مردودة ، لا يوصل إليه بالأزمان المعدودة ، ولا يوجد في الأماكن المحدودة ، قلت : فما وقوفك في هذا المقام ؟

قال : شغلني بمكائيل البحار وإنزال الأمطار ، وإرسالها في سائر الأقطار ، فأعرف كما أجاجها مددا ، وكم تقذف أمواجها زبدا ، ولا أعرف للأحدية أمدا ، ولا للفردية عددا ، قلت :

فأين إسرافيل ؟ قال : ذلك أدخل في مكتب التعليم ، يصافح بصفحة وجهه اللوح المحفوظ ، ويستنسخ منه ما هو مبروم ومنقوض ، ثم يقرأ على صبيان التعليم - في مثال - ذلك تقدير العزيز العليم ، ثم هو في زمن تعلمه لا يرفع رأسه حياء من معلمه ، فطرفه عن النظر مقصور ، وقلبه عن الفكر محصور ، فهو كذلك إلى يوم ينفخ في الصور ، قلت : فهلم نسأل العرش ونستهديه ، ونستنسخ منه ما علمه ونستمليه ، فلما سمع العرش ما نحن فيه اهتز طربا ، وقال : لا تحرك به لسانك ولا تحدث به جنانك ، فهذا سر لا يكشفه حجاب ، وستر لا يفتح دونه باب ، وسؤال ليس له جواب ، ومن أنا في البين حتى أعرف له أين ؟ وما أنا إلا مخلوق من حرفين ، وبالأمس كنت لا أثر ولا عين ، من كان بالأمس عدما مفقودا ، كيف يعرف رؤية من لم يزل موجودا ، ولا والدا ولا مولودا ، وهو سبقني بالاستواء ، وقهرني بالاستيلاء ، فلو لا استواؤه لما استويت ، ولولا استيلاؤه لما اهتديت ، استوى إلى

السماء وهي دخان ، واستوى على العرش لقيام البرهان ، فو عزته لقد استوى ولا علم لي بما استوى ، وأنا والثرى بالقرب منه على حد سوى ، فلا أحيط بما حوى ولا أعرف ما زوى ، ولكني عبد له ولكل عبد ما نوى ، ثم إني أخبرك بقصتي ، وأبث إليك شكوة غصتي ، أقسم بعلي عزته وقوي قدرته ، لقد خلقني وفي بحار أحديته غرقني ، وفي بيداء أبديته حيرني ، تارة يطلع من مطالع أبديته فينعشني ، وتارة يدنيني من مواقف قربه فيؤنسني ، وتارة يحتجب بحجاب عزته فيوحشني ، وتارة يناجيني بمناجاة لطفه فيطربني ، وتارة يواصلني بكاسات حبه فيسكرني ، وكلما استعذبت من عربدة سكري ، قال لسان أحديته : لن تراني ، فذبت من هيبته فرقا ، وتمزقت من محبته قلقا ، وصعقت عن تجلي عظمته كما خر موسى صعقا ، فلما أفقت من سكرة وجدي به ، قيل لي : أيها العاشق ، هذا جمال قد صناه ، وحسن قد حجبناه ، فلا ينظره إلا حبيب قد اصطفيناه ، ويتيم قد ربيناه ، فإذا سمعت سبحان الذي أسرى بعبده ، فقف على طريق عروجه إلينا ، وقدومه علينا ، لعلك ترى من يرانا ، وتفوز بمشاهدة من لم ينظر إلى سوانا ، يا محمد إذا كان العرش مشوقا إليك فكيف لا أكون خادم يديك ؟ .

قدم إليه مركبه الأول وهو البراق إلى بيت المقدس ، ثم المركب الثاني وهو المعراج إلى سماء الدنيا ، ثم المركب الثالث وهو أجنحة الملائكة من سماء إلى سماء ، وهكذا إلى السماء السابعة ، ثم المركب الرابع وهو جناح جبريل عليه السلام إلى سدرة المنتهى ، فتخلف جبريل عليه السلام عندها ، فقال : يا جبريل نحن الليلة أضيافك ، فكيف يتخلف المضيف عن ضيفه ؟

أهاهنا يترك الخليل خليله ؟ قال : يا محمد أنت ضيف الكريم ، ومدعو القديم ، لو تقدمت الآن بقدر أنملة لاحترقت ، وما منا إلا له مقام معلوم ،

قال : يا جبريل إذا كان كذلك ألك حاجة ؟

قال : نعم ، إذا انتهى بك إلى الحبيب حيث لا منته ، وقيل لك : ها أنت وها أنا ، فاذكرني عند ربك . ثم زج به جبريل عليه السلام زجة فخرق سبعين ألف حجاب من نور ، ثم تلقاه المركب الخامس وهو الرفرف من نور أخضر قد سد ما بين الخافقين ، فركبه حتى انته به إلى العرش ، فتمسك العرش بأذياله ، وناداه بلسان حاله ، وقال : يا محمد إلى متى تشرب من صفاء وقتك آمنا من معتكره ، تارة يتشوق إليك حبيبك وينزل إلى سماء الدنيا ، وتارة يطوف بك على ندمان حضرته ويحملك على رفرف رأفته (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) وتارة يشهدك جمال أحديته (ما

كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) وتارة يشهدك جمال صمدانيته (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) وتارة يطلعك على سرائر ملكوتيته (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) وتارة يدنيك من حضرة قربه (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) يا محمد هذا أوان الظمآن إليه واللهفان عليه ، والمتحير فيه لا أدري من أي جهة آتية ، جعلني أعظم خلقه فكنت أعظمهم وأشدهم خوفا منه ، يا محمد خلقني يوم خلقني فكنت أرعد من هيبة جلاله ، فكتب على قائمتي (لا إله إلا اللّه) فازددت لهيبة اسمه ارتعادا وارتعاشا ، فلما كتب عليّ (محمد رسول اللّه) سكن لذلك قلقي وهدأ روعي ، فكان اسمك أمانا لقلبي وطمأنينة لسري ورقية لقلقي ، فهذه بركة وضع اسمك عليّ ، فكيف إذا وقع جميل نظرك إليّ ؟ يا محمد أنت المرسل رحمة للعالمين ولا بد لي من نصيب في هذه الليلة ، ونصيبي من ذلك أن تشهد لي بالبراءة من النار مما نسبه إليّ أهل الزور وتقوّله عليّ أهل الغرور ، فإنه أخطأ فيّ قوم فضلّوا وظنوا أني أسع من لا حد له ، وأحمل من لا هيئة له ، وأحيط بمن لا كيفية له ، يا محمد من لا حد لذاته ولا عد لصفاته ، فكيف يكون مفتقرا إليّ أو محمولا عليّ ؟ فإذا كان الرحمن اسمه ، والاستواء صفته ونعته ، وصفته ونعته متصل بذاته ، فكيف يتصل بي أو ينفصل عني ، ولا أنا منه ولا هو مني ؟

يا محمد وعزته لست بالقرب منه وصلا ولا بالبعد عنه فصلا ، ولا بالمطيق له حملا ولا بالجامع له شملا ، ولا بالواجد له مثلا ، بل أوجدني من رحمته منة وفضلا ، ولو محقني لكان فضلا منه وعدلا ، يا محمد أنا محمول قدرته ومعمول حكمته ، فكيف يصح أن يكون الحامل محمولا ؟ (لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًافأجابه لسان حاله صلّى اللّه عليه وسلم : أيها العرش إليك عني فأنا مشغول عنك فلا تكدر عليّ صفوتي ولا تشوش علي خلوتي ، فما في الوقت سعة لعتابك ولا محل لخطابك ، فما أعاره صلّى اللّه عليه وسلم طرفا ولا قرأ من مسطور ما أوحى إليه حرفا (ما زاغَ الْبَصَرُ) ثم قدم المركب السادس وهو التأييد ، فنودي من فوقه ولم ير : حافظك قدامك ، ها أنت وربك . قال : فبقيت متحيرا لا أعرف ما أقول ولا أدري ما أفعل ، إذ وقعت على شفتي قطرة أحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وألين من الزبد ، وأطيب ريحا من المسك ، فصرت بذلك أعلم من جميع الأنبياء والرسل ، فجرى على لساني : التحيات المباركات للّه الصلوات الطيبات للّه .

فأجبت : السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته . فأشركت إخواني الأنبياء فيما

خصصت به ، فقلت : السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين .

أراد بهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ولهذا قيل لأبي بكر رضي اللّه عنه ليلة أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : إنه رأى ربه ، قال : صدق وكنت معه متمسكا بأذياله ، مشاركه في مقاله ، قيل : كيف ؟ قال : في قوله : السلام علين.

فأجابه الملائكة : أشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسوله قال : ثم نوديت ادن يا محمد ، فدنوت ، ثم وقفت ، وهو معنى قوله عزّ وجل (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) وقيل :

دنا محمد في السؤال فتدلى فتقدم للرب عزّ وجل ، وقيل : دنا بالشفاعة وتقرب إلى الرب بالإجابة ، وقيل : دنا بالخدمة وتقرب للرب بالرحمة . ثم دنا فتدلى معناه ، دنا محمد من ربه فتدلى عليه الوحي من ربه ، دنا لطافة فتدلى عليه رأفة ورحمة . لا يوصف بقطع مفازة ولا مسافة ، قد ذهب الأين من البين ، وتلاشى الكيف واضمحل الأين (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) فلو اقتصر على (قابَ قَوْسَيْنِ) لاحتمل أن يكون للرب مكان ، وإنما قوله (أَوْ أَدْنى) لنفي المكان . وكان معه حيث لامكان ولا زمان ، ولا أوان ولا أكوان ، فنودي :

يا محمد تقدم ، فقال : يا رب إذا انتفى الأين فأين أضع القدم ؟

قال ضع القدم على القدم «1» حتى يعلم الكل أني منزه عن الزمان والمكان والأكوان، وعن الليل وعن النهار ، وعن الحدود والأقطار ، وعن الحد والمقدار ، يا محمد انظر ، فنظر فرأى نورا ساطعا ، فقال : ما هذا النور ؟

قيل : ليس هذا نورا ، بل هو جنات الفردوس ، لما ارتقيت صارت في مقابلة قدميك ، وما تحت قدميك فداء لقدميك ، يا محمد مبدأ قدمك منقطع أوهام الخلائق ، يا محمد ما دمت في سير الأين جبريل دليلك والبراق مركبك ، فإذا ذهب المكان وغبت عن الأكوان ، وانتفى الأين وارتفع البين من البين ، ولم يبق إلا قاب قوسين ، فأنا الآن دليلك يا محمد ، أفتح لك الباب ، وأرفع لك الحجاب ، وأسمعك طيب الخطاب ، في عالم الغيب وحدتني تحقيقا وإيمانا ، فوحدني الآن في عالم الشهود مشاهدة وعيانا ، فقال :

أعوذ بعفوك من عقوبتك ، فقيل : هذا لعصاة أمتك ، ليس هذا حقيقة مدّعي وحّدني ، فقال : لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، فقال : يا محمد ، إذا كلّ لسانك عن العبارة فلأكسونه لسان الصدق (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) فإذا ضلّ عيانك عن الإشارة فلأجعلن عليك خلعة الهداية (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) ثم لأعيرنك نورا تنظر به جمالي ،

..........................................................................................

(1) ضع القدم على القدم : أي ضع قدمك في حضرة القدم حيث لامكان ولا زمان .

وسمعا تسمع به كلامي ، ثم أعرفك بلسان الحال معنى عروجك عليّ ، وحكمة نظرك إليّ ، فكأنه يقول مشيرا : يا محمد إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا - والشاهد مطالب بحقيقة ما شهد به ، ولا يجوز له الشهادة على غائب - فأريك جنتي لتشاهد ما أعددته لأوليائي ، وأريك ناري لتشاهد ما أعددته لأعدائي ، ثم أشهدك جلالي وأكشف لك عن جمالي ، لتعلم أني منزه في كمالي عن المثيل والشبيه والبديل والنظير والمشير ، وعن الحد والقد وعن الحصر والعد وعن الجوز والفرد ، وعن المواصلة والمفاصلة والمماثلة والمشاكلة والمجالسة والملامسة والمباينة والممازجة ، يا محمد إني خلقت خلقي ودعوتهم إليّ فاختلفوا عليّ ، فقوم جعلوا العزيز ابني وأن يدي مغلولة وهم اليهود ، وقوم زعموا أن المسيح ابني وأن لي زوجة وولدا وهم النصارى ، وقوم جعلوا لي شركاء وهم الوثنية ، وقوم جعلوني صورة وهم المجسمة ، وقوم جعلوني محدودا وهم المشبهة ، وقوم جعلوني معدوما وهم المعطلة ، وقوم زعموا أني لا أرى في الآخرة وهم المعتزلة ، وها أنا قد فتحت لك بابي ورفعت لك حجابي ، فانظر يا حبيبي يا محمد هل تجد فيّ شيئا مما نسبوني إليه ؟ فرآه صلّى اللّه عليه وسلم بالنور الذي قواه به وأيده به من غير إدراك ولا إحاطة ، فردا صمدا ، لا في شيء ولا على شيء ، ولا قائما بشيء ولا مفتقرا إلى شيء ، ولا هيكلا ولا شبها ولا صورة ولا جسما ولا محيزا ولا مكيّفا ولا مركبا ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فلما كلمه شفاها وشاهده كفاحا ، فقال :

يا حبيبي يا محمد ، لا بد لهذا الخلق من سر لا يذاع ، وزمن لا يشاع (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) فكان سر من سر في سر ، وصل اللهم وسلم وبارك على أشرف مخلوقاتك ، سيدنا ومولانا محمد بحر أنوارك ومعدن أسرارك ، ولسان حجتك وإمام حضرتك ، وعروس مملكتك وطراز ملكك ، وخزائن رحمتك وطريق شريعتك ، وسراج جنتك وعين حقيقتك ، المتلذذ بمشاهدتك ، عين أعيان خلقك ، المقتبس من نور ضيائك ، صلاة تحل بها عقدتي وتفرج بها كربتي ، وتقضي بها أربي وتبلغني بها طلبي ، صلاة دائمة بدوامك باقية ببقائك قائمة بذاتك ، صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين ، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم ، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، والحمد للّه رب العالمين .


المراجع:

(1) الفتوحات ج 4 / 2074">50 - ج 1 / 49 - ج 2 / 2">419 ، 403 - كتاب الإسفار - ج 1 / 276">276 - ج 3 / 1726">270 - كتاب الإسفار - كتاب الأعلاق - الفتوحات ج 1 / 745 - ج 3 / 340 - كتاب المشاهد القدسية - الفتوحات ج 3 / 340 - ج 2 / 172 - ج 3 / 340 - ج 1 / 2 - ج 2 / 294 - ج 3 / 345 ، 61 - كتاب رد الآيات المتشابهات - كتاب شجرة الكون

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!