موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الكهف (18)

 

 


الآيات: 26-28 من سورة الكهف

قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)

[ «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ . . .» الآية ]

كان سبب هذه الآية أن زعماء الكفار من المشركين كالأقرع بن حابس وأمثاله ،

قالو :

ما يمنعنا من مجالسة محمد إلا مجالسته لهؤلاء الأعبد ، يريدون بلالا وخباب بن الأرت وغيرهما ، فكبر عليهم أن يجمعهم والأعبد مجلس واحد ، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حريصا على إيمان مثل هؤلاء ، فأمر أولئك الأعبد إذا رأوه مع هؤلاء الزعماء أن لا يقربوه إلى أن يفرغ


من شأنهم ، أو إذا أقبل الزعماء والأعبد عنده أن يخلوا لهم المجلس ، فأنزل اللّه هذه الآية غيرة لمقام العبودية والفقر أن يستهضم بصفة عز وتأله ظهر في غير محله ، فإن اللّه يغار لعبده المنكسر الفقير أشد مما يغار لنفسه ، وهو من أعظم دليل على شرف العبودة والإقامة عليها ، فأمر اللّه تعالى رسوله صلّى اللّه عليه وسلم بقوله «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ»

أن يحبس نفسه مع الأعبد والفقراء من المؤمنين مثل خباب بن الأرت وبلال وابن أم مكتوم وغيرهم ، فكان صلّى اللّه عليه وسلم إذا رأى هؤلاء الأعبد وأمثالهم أو جالسهم يقول [ مرحبا بمن عاتبني فيهم ربي ] فكلما جلسوا عنده جلس لجلوسهم ، لا يمكن له أن يقوم ولا ينصرف حتى يكونوا هم الذين ينصرفون ،

وكان صلّى اللّه عليه وسلم يقول : [ إن اللّه أمرني أن أحبس نفسي معهم ]

فكانوا إذا أطالوا الجلوس معه يشير إليهم بعض الصحابة مثل أبي بكر وغيره أن يقوموا حتى يتسرح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لبعض شؤونه ، ولما علموا ذلك منه وأنه عليه السلام قد تعرض له أمور يحتاج إلى التصرف فيها ، فكانوا يخففون فلا يلبثون عنده إلا قليلا ، وينصرفون حتى ينصرف النبي صلّى اللّه عليه وسلم لأشغاله ،

وأبان الحق لرسوله صلّى اللّه عليه وسلم بهذه الآية أن مقام العبودة هو الذي تدعو له الناس ، فإن جميع النفوس يكبر عندهم رب الجاه ورب المال ، لأن العزة والغنى للّه تعالى ، فحيثما تجلت هذه الصفة تواضع الناس وافتقروا إليها ، ولا يفرقون بين ما هو عز وغنى ذاتي وبين ما هو منهما عرضي إلا بمجرد مشاهدة هذه الصفة ، فإذا حضر ملك مطاع نافذ الأمر وقد جاءك مع عظم مرتبته زائرا ، وجاءك فقير ضعيف في ذلك الوقت زائرا أيضا فليكن قبولك على الفقير وشغلك به إلى أن يفرغ من شأنه الذي جاء إليه ، فما عتب اللّه نبيه سدى ، بل أبان واللّه في ذلك عن أرفع طريق الهدى ، وزجر عن طريق الردى ،

فقال (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) ردعا وزجرا لحالة تحجبك ، فإن عزة الإيمان أعلى ، وعزة الفقر أولى ، فليكن شأنك تعظيم المؤمن الفقير على المؤمن الغني بماله ، العزيز بجاهه ، المحجوب عن نفسه ، فإن الفقير المؤمن هو مجلى حقيقتك (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى اللّه) وأنت مأمور بمشاهدة نفسك حذر الخروج عن طريقها ، فالمؤمن الفقير مرآتك ترى فيه نفسك ، والمؤمن الغني بالمال عنك هو مرآة لك صدئت فلا ترى نفسك فيها ، فلا تعرف ما طرأ على وجهك من التغيير . واعلم أن للّه عبادا كانت أحوالهم وأفعالهم ذكرا يتقرب به إلى اللّه ، وينتج من العلم باللّه ما لا يعلمه إلا من ذاقه ، فإن كل ما أمر اللّه به نبيه صلّى اللّه عليه وسلم ونهاه عنه كان عين أحوالهم


وأفعالهم ، مع كون هذه الطائفة التي نزل فيهم هذا القرآن من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، فما نالوا ما نالوه إلا باتباعه وفهم ما فهموا عنه ، ومع هذا عاتب اللّه تعالى نبيه صلّى اللّه عليه وسلم فيهم ، فكان صلّى اللّه عليه وسلم إذا حضروا لا تعدو عيناه عنهم ، ولما كان دعاؤهم بالغداة والعشي ، وهو زمان تحصيل الرزق في المرزوقين ، فكان رزق هؤلاء بالغداة والعشي ما ينتج لهم معرفة وجه الحق في كل شيء ، فلا يرون شيئا إلا ويرون وجه الحق فيه ، فيحصل لهم معرفة الوجه الذي كان مرادهم ، لأنه تعالى يقول «يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» يعني بذلك الدعاء بالغداة والعشي وجه الحق ، لما علموا أن كل شيء هالك إلا وجهه ، فطلبوا ما يبقى وآثروه على ما يفنى ، فكانوا في حضرة شهود أو طالبين لهذه الحضرة ، ولذا قال تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلم «وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ» فكانت عينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لا تعدوان عنهم إلى غيرهم ما داموا حاضرين ،

ومن هنا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في صفة أولياء اللّه [ وهم الذين إذا رأوا ذكر اللّه ] لما حصل لهم من نور هذا الوجه الذي هو مراد لهؤلاء ، والأنبياء وإن شاهدوا هؤلاء في حال شهودهم للوجه الذي أرادوه من اللّه تعالى بدعائهم ،

فإنهم من حيث إنهم أرسلوا لمصالح العباد لا يتقيدون بهم على الإطلاق ، وإنما يتقيدون بالمصالح التي بعثوا بسببها ، فوقتا يعتبون مع كونهم في مصلحة مثل هذه الآية ، ومثل آية الأعمى ، ومن وجه آخر قيل في هذه الآية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في حق الأعبد «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» أي وانظر فيهم صفة الحق ، فإنها مطلوبك في الكون ،

فإني أدعو عبادي بالغداة والعشي وفي كل وقت ، أريد وجههم أي ذاتهم أن يسمعوا دعائي فيرجعوا إليّ «وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ» فإنهم ظاهرون بصفتي كما عرفتك «تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا» فهذه الزينة أيضا في هؤلاء وهي في الحياة الدنيا فهنا أيضا مطلوبك

«وَلا تُطِعْ» فإنهم طلبوا منه صلّى اللّه عليه وسلم أن يجعل لهم مجلسا ينفردون به معه ، لا يحضره هؤلاء الأعبد ، فأجابهم حرصا على إيمانهم

«مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا» أي جعلنا قلبه في غلاف فحجبناه عن ذكرنا ، فإنه إن ذكرنا علم أن السيادة لنا وأنه عبد ، فيزول عنه هذا الكبرياء ، والصفة التي ظهر بها التي عظمتها أنت لكونها صفتي وطمعت في إزالتها عن ظاهرهم ،

فإني أعلمت أني قد طبعت على كل قلب متكبر جبار فلا يدخله كبر وإن ظهر به

" وَاتَّبَعَ هَواهُ " أي غرضه الذي ظهر به «وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً»

أي ما هو نصب عينيه له وهو مشهود له ، لا يصرف نظره عنه إلى ما يقول له الحق على لسان


رسوله وما يريده منه ، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إذا أقبل عليه هؤلاء الأعبد قال صلّى اللّه عليه وسلم [ مرحبا بمن عتبني فيهم ربي ]

ويمسك نفسه معهم في المجلس حتى يكونوا هم الذين ينصرفون ، ولم تزل هذه أخلاقه صلّى اللّه عليه وسلم بعد ذلك إلى أن مات ، فما لقيه أحد بعد ذلك فحدثه إلا قام معه حتى يكون هو الذي ينصرف ، وكذلك إذا صافحه شخص لم يزل يده من يده حتى يكون الشخص هو الذي يزيلها ، هكذا رويناه من أخلاقه صلّى اللّه عليه وسلم

- فائدة -إن كان العبد قوي الإيمان ، غير متبحر في التأويل ، خائضا في بحر الظاهر ، لا يصرفه للمعاني الباطنة صارف ، انتفع بالذكرى ، فإن تأول تردى وأردى من اتبعه ، وكان من الذين اتبعوا أهواءهم ، وكان أمر من هذه صفته فرطا فإن النفوس مجبولة على حب إدراك المغيبات ، واستخراج الكنوز وحل الرموز ، وفتح المغاليق والبحث عن خفيات الأمور ودقائق الحكم ، ولا ترفع بالظاهر رأسا ، فإن ذلك في زعمها أبين من فلق الصبح ، ومن أحكم الظاهر كشف اللّه له عند ذلك في هذه الظواهر ما لا يخطر بخاطر أحد ، ويعظم قدره وتظهر حكمته وكثرة خيره ، ويعلم الجاهل عند ذلك أنه ما كان يحسبه هينا هو عند اللّه عظيم ، فإن الجاهل بالظاهر بالباطن أجهل ، فإنه الدليل عليه ، وإن فرط في تحصيل الأول كان في تحصيل الآخر أشد تفريط

-نصيحة -الزم باب اللّه واصبر نفسك مع أحبابه الذين تحقرهم العيون ، فذلك الذي رفعهم عند الحق .


المراجع:

(28) الفتوحات ج 3 / 18 - ج 2 / 149 - ج 3 / 18 - ج 2 / 149 - ج 3 / 18 ، 20 - ج 4 / 170- ج 3 / 220 - ج 4 / 152 - كتاب الشاهد

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!