فحين يرى الظمآن ذلك السراب فيفرح فرحاً عظيماً لتوهمه الماء فإذا قصده وقرب إليه فلم يرى ماءً ولا سراباً وهكذا تجلى الحق لعبده الخالص في العبودية فيشاهد أثر ذلك التجلي من غير أن يرى صفتها فضلاً عن ذاتها تعالت عن الإدراك علواً كبيراً فليس في الكون شيء يشبه تجلي الحق لأنه لما انتفت مشابهة ذاته انتفت مشابهة صفاته فليس في الكون شيء يشبه التجلي إلى قلوب العباد من سماء المعرفة من أعلا مقام المعرفة سوى هذه الصفة وهي تجلي الحق للإنسان كتجلي السراب للظمآن وإياك أن تتوهم فوق ذلك أو مجاوزة كنه ذلك فتكون هالكا لشرف مقام الربوبية وعدم إدراك صفة الأحدية بحيث يشار إليها ويشاكلها في شيء من الموجودات بل إدراكنا لها إنما هو بسلب شوائب النقص عنها واثبات صفات الكمال لها كما تقدم الكلام عليه ألا ترى أن التجلي لا يكون إلا من أعلى على أدنى فيه ترشيح لا يخفى وتلميح للفهم المليح وجعل القيعان وهي الأرض المتساوية الأجزاء دون الجبال من حيث الرتبة والنفع إلا ترى أن ما في الجبال من ماء ورحمة تورد منه وتنحدر إلى القيعان فينتفع بها بواسطة الجبال بحسب قابليتها لذلك فصارت القيعان محلا للسراب الأسني الذي هو كناية