موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث السادس والخمسون: في بيان وجوب التوبة على كل عاص وبيان أنها تصح ولو بعد نقضها

وأنه تصح من ذنب دون ذنب أي تصح من ذنب ولو كان صغيرا مع الإصرار على ذنب آخر ولو كان كبيرا كم قاله الجلال المحلي قال: وإذا تاب ثم عاود الذنب لم تبطل توبته السابقة بل ذلك ذنب يوجب توبة أخرى هذا ما عليه جمهور العلماء ونقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنها لا تصح بعد نقضها وهو عوده إلى المتوب منه وقيل إنها لا تصح عن ذنب صغير لتكفيره باجتناب الكبير وقيل لا تصح من ذنب الإصرار على ذنب كبير. قالوا: ومن المساعد للعبد على حصول التوبة أن يستحضر ما فيها من المحاسن والوصلة بأهل اللّه تعالى من الأنبياء والأولياء وصالحي المؤمنين، وأنه إذا لم يتب اتصل بأعداء اللّه تعالى من الفسقة والشياطين ثم من الواجب الإتيان بشرائط التوبة كلها ولا يكفي الاستغفار باللسان فقط كما هو شأن أكثر الناس ومعظم شروطها الندم على المعصية أي من حيث أنها معصية ليخرج ما لو ندم على شربه الخمر مثلا من حيث إضراره بالبدن فإن ذلك ليس بتوبة وعرف بعضهم الندم بأنه تحزن وتوجع لما فعل وتمن لكونه لم يفعل قال الكمال في " حاشيته على شرح جمع الجوامع ": ولا يجب عندن استدامة الندم في جميع الأزمنة بل يكفي استصحاب الندم حكما بأن لا يصدر منه ما ينافيه لأن الشارع أقام الأمر الثابت حكما مقام ما هو حاصل بالفعل كما في الإيمان فإن التائب مؤمن بالاتفاق وأيضا قلما في التكليف يتذكر الندم في جميع الأزمنة من الحرج المنفي في الدين قال الجمهور: وتتحقق التوبة بالإقلاع عن المعصية وعزم أن لا يعود إليها وتدارك ممكن التدارك من الحقوق الناشئة عنها كحد القذف مثلا فيتدارك بتمكين مستحقه من المقذوف أو وارثه يستوفيه أو يبري منه فإن لم يكن تدارك الحق كأن لم يكن مستحقه موجودا سقط هذا الشرط كما يسقط أيضا في توبة العبد عن معصية لا ينش عنها حق لآدمي قال العلماء: وكذلك يسقط شرط الإقلاع في توبة العبد عن معصية بعد الفراغ منها كشرب الخمر مثلا، قال الجلال المحلي: فالمراد بتحقق التوبة بهذه الأمور أنها لا تخرج عما يتحقق به عنها لا أنه لا بد منها في كل توبة انتهى، قال الكمال في " حاشيته " وقولهم وتدارك ممكن التدارك إلى آخره هو المشهور عند أصحابنا والذي جرى عليه الآمدي وصاحب " المواقف " و " المقاصد " أن التدارك واجب برأسه فمن قتل وظلم أو ضرب فعليه أمران التوبة والخروج من المظلمة وهو تسليم نفسه مع الإمكان ليقتص منه ومن أتى بأحد الواجبين لم تكن صحة ما أتى به متوقفة على الإتيان بالواجب الآخر وقال في " المقاصد " إنه التحقيق إلا أنه قد لا يصح الندم بدونه كرد المغصوب انتهى. قال ابن السبكي وغيره: وإذا أحس الإنسان من نفسه عدم الصدق في الاستغفار أتى به وإن احتاج إلى استغفار آخر لأن اللسان إذا ألف ذكرا يوشك أن يألفه القلب فيوافقه فيه وكان الإمام السهروردي يقول:

اعمل وإن خفت العجب مستغفرا قال العلماء ويجب عل كل مؤمن مجاهدة نفسه الأمارة بالسوء إذا لم تطاوعه على فعل المأمورات واجتناب المنهيات قالوا وهي أوجب عليك من مجاهدة عدوك الظاهر لأن النفس تريد هلاكك الأبدي باستدراجك من معصية إلى معصية أخرى وفي الحديث المعاصي بريد الكفر أي مقدمته فإن غلبتك نفسك الأمارة بالسوء على فعل مذموم فتب وجوبا على الفور ليرتفع عنك أثر فعله بالتوبة إن شاء اللّه تعالى ، فإن لم تقلع نفسك عن فعل ذلك المذموم لكسل يعوقك عن الخروج منه أو لاستلذاذ به فتذكر هاذم اللذات وهو الموت وفجأته فربما أخذك على غير توبة كما هو مشاهد في كثير من الناس فتخسر مع الخاسرين وإن كان عدم إقلاعك لقنوط من رحمة اللّه تعالى وعفوه عنك لشدة الذنب الذي سبق منك أو لاستحضار عظمة من عصيت فخفف عقاب ربك على هذا فإنه لا يقنط من رحمة اللّه إلا القوم الخاسرون واستحضر سعة رحمة اللّه تعالى التي لا يحيط بها إلا هو لترجع عن قنوطك فإن جانب رحمته تعالى لعصاة الموحدين أرجح من جانب عقوبته لهم هذ آخر كلام ابن السبكي رحمه اللّه في مبحث التوبة. واعلم يا أخي أن التوبة من أعظم ما منّ اللّه تعالى به على عباده فإن لم يقع لنا توبة فالواجب علينا التوبة من ترك التوبة فإن لم يصح لنا التوبة من ترك التوبة وجب علينا التوبة من الإصرار على ترك التوبة وهكذا أبدا ما عشنا وما ثم لنا داء بلا دواء أبدا فإن لم يصح لنا شيء من ذلك كله فللّه رحمة خاصة بمن بها على من مات مصرّا من أهل الإسلام. واعلم أن حقيقة التوبة هي الرجوع إلى شهود أن اللّه تعالى هو المقدر على العبد ذلك الذنب قبل أن يخلق ومعنى حديث « إذا أذنب العبد فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به يقول اللّه عز وجل له في الثانية أو الثالثة افعل ما شئت فقد غفرت لك » أي افعل ما شئت من المعاصي واندم واستغفرني أغفر لك فلا يكفيه العلم بأن له ربا يغفر الذنب من غير ندم فافهم.

* - قال الشيخ محيي الدين في الباب الرابع والسبعين من « الفتوحات »ومن أعظم دليل على وجوب التوبة فورا قوله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31] فأمر اللّه تعالى عباده بالتوبة ثم لقنهم الحجة إذا خالفوا بإعلامهم بمضمون قوله تعالى ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ [التوبة: 118] ليتوبوا ليقولوا إذا سئلوا عن ذلك يوم القيامة لو تبت علينا يا ربنا لتبنا مثل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) [الانفطار: 6] ليقول غرني كرمك يا رب فهذا من باب تعليم الكريم الخصم الحجة ليحاجه بها إذا كان محبوبا وليس هذا التعليم إلا للسعداء خاصة فافهم. قال واعلم أن توبة اللّه على العبد مقطوع بها وتوبة العبد في محل الإمكان لما فيها من العلل وعدم العلم باستيفاء حدودها وشروطه والجهل بعلم اللّه تعالى فيها فكل عارف يسأل ربه أن يتوب عليه وحظه هو من التوبة الاعتراف والسؤال لا غير فمعنى قوله وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ [النور: 31] أي ارجعوا إلى الاعتراف والدعاء كما فعل أبوكم آدم عليه السلام تعليما لكم بالفعل والصورة لا بالمعنى لأنه لم يكن قربه من الشجرة عن ميل ولا انتهاك حرمة وإنما كان محض نفوذ أقدار لا غير. قال وأما الرجوع إلى اللّه تعالى بطريق المعاهدة وهو لا يعلم ما في علم اللّه تعالى ففيه خطر عظيم فإنه إن كان بقي عليه شيء من المخالفات فلا بد من نقضه ذلك العهد فينتظم في سلك من قال اللّه تعالى فيهمالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ [البقرة: 27] ولم يكن أحد أكمل معرفة بمقام التوبة من آدم عليه السلام حتى اعترف بذنبه ودعا ربه وما نقل أنه عاهد اللّه تعالى على أنه لا يعود كما اشترطه بعضهم في صحة التوبة فالناصح لنفسه من سلك طريق أبيه آدم عليه السلام فإن في العزم المصمم عند أهل الكشف ما لا يخفى من ادعاء القوة ومقاومة الأقدار الإلهية إلا أن يقصد بذلك أنه لا يعود إن وكل الأمر إليه استقلالا وذلك محال انتهى. فليتأمل ويحرر وقد وقع لبعض الأكابر من عباد بني إسرائيل أنه قال رب لو فرغتني لعبادتك ووكلتني إلى نفسي لأريتك من العبادة ما لم يفعله أحد من العبيد، ففتح التوراة ذلك اليوم وأمر أن لا يدخل عليه أحد يشغله عن ربه فما جاء نصف العصر حتى وقع في الخطيئة. وما قص اللّه تعالى علينا وقائع الأكابر إلا لنتأدب بما أدبهم اللّه به فعلم أن العبد لم يكلف إلا بوزن أعماله البارزة على يديه على وفق الكتاب والسنة ويعطي كل فعل حظه فما كان من طاعة فليشكر اللّه وما كان من معصية فليستغفر اللّه وما كان من مباح فهو فيه بحسب مقامه فإن كان عارفا قلب المباح بالنية إلى شيء محمود وفي بعض الهواتف الربانية ليس للعبد أن يشغل عليه بالاختيار لفعل شيء أو تركه في المستقبل وإنما عليه أن يعطي ما أبرزناه على يديه حقه فإن كان طاعة حمدنا على قسمتها له واستغفرنا من تقصيره فيها وإن كان معصية حمدنا على تقديرنا عليه واستغفرنا من ارتكابه مخالفة أمرنا وإن كان غفلة وسهوا فعل ما هو اللائق بمقامه انتهى. وقوله ليس للعبد أن يشغل قلبه بالاختيار لفعل شيء أو تركه في المستقبل لا ينافي مجاهدة النفس ورد خواطرها لأن ذلك في الحالة الراهنة لا في مستقبل الزمان لأنها وجدت وكذلك لا ينافي الاستخارة لفعل شيء في المستقبل لأن الاستخارة مأمور بها وقس على ذلك كل مأمور واللّه أعلم. وقال الشيخ محيي الدين في "الفتوحات" بعد كلام طويل: وبالجملة فلا يخلو العبد الذي يعاهد ربه على ترك شيء أو فعله في المستقبل إما أن يكون ممن أطلعه اللّه تعالى على أنه لا يقع منه زلة في المستقبل أم لا فإن كان ممن أعلمه الحق تعالى بذلك على لسان ملك الإلهام الصحيح فلا فائدة للمعاهدة على عزم أن لا يعود بعد علمه أنه لا يعود وإن كان لم يطلعه اللّه تعالى على ذلك وعاهد اللّه على أنه لا يعود فقد يكون ممن قضى اللّه تعالى عليه أن يعود فيصير ناقضا عهد اللّه وميثاقه وإن كان أطلعه اللّه على أنه يعود فعزمه على أن لا يعود مكابرة ومعارضة للأقدار فعلى كل حال لا فائدة للمعاهدة على ترك الفعل في المستقبل لا الذي علم ولا الذي جهل وليست التوبة التي طلبها الحق تعالى من عباده إلا أن يفعلوا ما فعل أبوهم آدم عليه السلام وما بقي على العاصي أمر بعد الوقوع يكلف به إلا عدم الإصرار على الذنب والتوبة منه لإشعاره بالتهاون بأوامر اللّه عز وجل وحد بعضهم الإصرار على الذنب بأن يدخل عليه وقت صلاة أخرى وهو لم يتب، وقال بعضهم: من لم يتب عقب الذنب فورا فهو مصر ما عدا ما هو أقل من مدة انتظار الملائكة الكرام الكاتبين فإنه ورد أنهم ينتظرون العاصي ساعة وما عرفنا مقدار هذه الساعة هل هي الفلكية أو غيرها ومما يؤيد عدم وجوب المعاهدة على العزم أن لا يعود ما ورد في حديث إذا أذنب العبد فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به إلى آخره فإنه لم يذكر فيه العزم على أن لا يعود ولعل من شرطه رأى أنه من لازم صحة التوبة المشروعة فأفرده بالشرطية كما أفرد الإقلاع عن الذنب بالشرطية مع أنه من لازم وقوع الندم وكذلك إفرادهم رد المظالم إلى أهلها واللّه أعلم.

(فإن قلت): فهل التوبة من المقامات المستصحبة إلى الموت ؟

(فالجواب): نعم هي باقية ما دام العبد مخاطبا بها حتى تطلع الشمس من مغربها فحينئذ يسد باب التوبة ويغلق فلا ينفع نفسا إيمانها ولا ما تكتسبه من خير بذلك الإيمان. قال الشيخ محيي الدين: ولا يخفى أن المؤمن لا يغلق له باب يمنعه من التوبة وإنما يغلق عليه الباب حتى لا يخرج إيمانه من قلبه، وكيف يغلق دونه وقد جاوزه وتركه وراء ظهره باستقرار الإيمان في قلبه فكان من سعادته غلق هذا الباب على إيمانه حتى لا يخرج منه بعده ما دخل فلا يرتد بعد ذلك مؤمن أبدا إذ ليس هناك للإيمان باب يخرج منه فعلم أن غلق باب التوبة رحمة بالمؤمن ونقمة بالكافر ذكره الشيخ في الجواب السادس والثلاثين ومائة من الباب الثالث والسبعين من " الفتوحات المكية "،

* - وقال في الباب السبعين في الزكاة في حديث مسلم " تصدقوا فيوشك الرجل يمشي بصدقته فلا يجد من يقبلها " الحديث فيه الأمر بالمسارعة بالصدقة مبادرة للتوبة فإن التوبة من الفرائض الواجبة حال التكليف فإن أخرها إلى الاحتضار لم تقبل ولهذا لم يقبل إيمان فرعون انتهى.

(قلت): فكذب واللّه وافترى من قال إن الشيخ محيي الدين يقول بقبول إيمان فرعون وهذا نصه يكذب الناقل واللّه أعلم.

(فإن قلت): فمتى يصح من العبد التوبة النصوح التي ما بعدها ذنب ؟

(فالجواب): إذا استوفى جميع ما قدره اللّه تعالى عليه من المعاصي فهناك يتوب العبد لا محالة توبة نصوحا حتى لو أراد أن يعصي ربه لم يجد ما به يعصي وما دام الحق تعالى يخلق المعصية للعبد فهو واقع لا محالة ولكن ما تركه الحق تعالى سدى بل أمره بالتوبة. وقد قال الشيخ في الباب الخامس والخمسين وثلاثمائة: لا يصح لعبد قط عصيان الإرادة الإلهية وإنما يصح له عصيان الأمر لقوة سلطان الإرادة عليه فمن أطاع الأمر أطاع الإرادة ولا يلزم من طاعة الإرادة طاعة الأمر والسعادة منوطة بفعل الأوامر لا بموافقة الإرادة وإياك والتفريط في التوبة وتقول هذا مقدر علي لا أستطيع رده، وقد بسط الشيخ الكلام على ذلك في الباب التاسع والستين وثلاثمائة فراجعه. وكان الشيخ محيي الدين رضي اللّه عنه يقول: في قوله تعالى: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [الفرقان: 70] اعلم أن من علامة من قبل اللّه توبته وبدل اللّه سيئاته حسنات أن لا يصير يتذكر شيئا من ذنوبه لكونه محيت وكل ذنب تذكره العبد فليعلم أنه لم يبدل انتهى، ويؤيده حديث الطبراني: إذ تاب اللّه على عبد أنسى حفظته ذنبه وأنسى جوارحه ومعالمه من الأرض أن تشهد عليه وهي قاصمة للظهر فليتأمل ويحرر واللّه أعلم.

(فإن قلت): إن من رجال اللّه من يقع في المعاصي ولا يهتدي لكونه معصية كالمجاذيب وأرباب الأحوال فما حكم هؤلاء في التوبة ؟

(فالجواب): حكمهم حكم من تصرف في مباح لزوال التكليف وقد أطال الشيخ الكلام على ذلك في الباب العشرين ومائتين ثم قال: وحاصل الأمر أن أهل اللّه عز وجل في وقوعهم في المعاصي على قسمين رجال لا تخطر المعاصي لهم ببال لعدم تقديره عليهم فهؤلاء معصومون أو محفوظون ورجال أطلعهم اللّه تعالى على ما قدره عليهم من المعاصي لكن من حيث إنها أفعال لا من حيث كونها معاصي فبادروا إلى فعل ما رأوه مقدر عليهم مع فنائهم عن شهود ما يقرب ويبعد من حضرة اللّه تعالى من الطاعات والمعاصي فهؤلاء لسان الشريعة المطهرة يقضي عليهم بعصيانهم ووجوب التوبة عليهم وربما يكون حكم هؤلاء عند اللّه في الآخرة حكم من فعل أمرا لا يدري أطاعة هو أم معصية. قال الشيخ: وهذا فناء غريب أطلعني اللّه تعالى عليه بمدينة فاس ولم ألق من رجاله أحد مع علمي بأن من رجال اللّه من ذاقه انتهى.

(فإن قلت): فإذا اطلع الولي على ما قدره اللّه تعالى عليه في اللوح المحفوظ وأن ذلك لا تغيير فيه فهل له المبادرة إلى فعله ليستريح من شهوده فإن صور المعاصي قبيحة بين العبد وبين ربه ؟

(فالجواب): لا يجوز له ذلك بل يصبر حتى يأتي وقتها ويقع بحكم القضاء والقدر كما أنه لا يجوز لمن أطلعه اللّه على أنه يمرض في يوم من رمضان أنه يصبح مفطرا إنما يجب عليه الإمساك حتى يوجد المرض المبيح للفطر.

(فإن قلت): فما مراد بعضهم بقوله شرط التوبة التوبة من التوبة ؟

(فالجواب): مراده أن يدمن مراقبة اللّه تعالى حتى يكون محفوظا من الوقوع فيما يسخط اللّه عليه باطنا وظاهرا فلا يكون له سريرة يفتضح بها قط ول يتوب منها وقد يريدون بقولهم التوبة من التوبة أن لا يرى توبته هل تقبل لعدم خلوصها اتهاما لنفسه فلا يقال إن مراد هذا القائل أن التوبة يجب تركها فإن ذلك ظن فاحش بالقوم وقد بسط الشيخ الكلام على ذلك في الباب الثالث والسبعين من "الفتوحات".

(خاتمة): ذكر الشيخ في الباب السبعين في الزكاة ما نصه: وهنا مسألة دقيقة قل من عثر عليها من أصحابنا وهي أن العارف باللّه تعالى قد لا يوصف بتوبة في بعض الأحوال وذلك إذا كشف اللّه تعالى له أنه هو الفاعل وحده فلا يجد العارف لنفسه حركة لا ظاهرة ولا باطنة ولا عملا ولا نية ولا شيئا من الأمر ويجد الأمر كله للّه تعالى فهل يتصور من مثل هذا توبة أم لا فإنه يرى نفسه مسلوب الأحوال ثم إنه إذ تاب فهل تقبل توبته مع هذا الكشف أو يكون بمنزلة من تاب بعد طلوع الشمس من مغربه فإن شمس الحقيقة قد طلعت له من مغرب قلبه فسلت جميع أفعاله، وهو أصعب الأحوال فإن قبول التوبة ونحوها من العمل الصالح إنما يكون ممن هو خلف حجاب إضافة الفعل للعبد وهنا لم يخرج شيء عن الحق في هذا الكشف عن التعبد حتى يوصف بأن اللّه تعالى يتقبله منه بل هو في يد الحق تعالى وتصريفه وحده لم يخرج وموضوع القبول إنما هو ممن يأتي بشيء ليس في مشهده أنه في ملك الحق. قال الشيخ والذي أقول به تصور التوبة مع هذا الكشف ويكون اللّه تعالى هنا هو التواب على العبد لا العبد انتهى.

(قلت): والذي ظهر لي أن الجزء البشري المنوط به التكليف يدق ول ينقطع، فلا بد من شهود العبد نسبة الفعل إليه من ذلك الوجه وبه صحت مؤاخذته فإن اللّه لا يؤاخذ العبد إلا بحسب دعواه من جزء بشريته واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!