موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف

وهنا قصائد ترجمان الأشواق دون شرح

 

 


5- القصيدة الخامسة وهي ستة أبيات من بحر الرمل

وقال رضي الله عنه:

1

أَنْجَدَ الشَّوْقُ وَأَتْهَمَ الْعَزَاءُ

***

فَأَنَا مَا بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامْ

2

وُهُمَا ضِدَّانِ لَنْ يَجْتَمِعَ

***

فَشَتَاتِي مَا لَهُ الدَّهْرَ نِظَامْ

3

مَا صَنِيعِي مَا احْتِيَالِي دُلَّنِي

***

يَا عَذُولِي لا تَرُعْنِي بِالمَلامْ

4

زَفَرَاتٌ قَدْ تَعَالَتْ صُعَّداً

***

وَدُمُوعٌ فَوْقَ خَدَّيَّ سِجَامْ

5

حَنَّتِ الْعِيسُ إِلَى أَوْطَانِهَ

***

مِنْ وَجَى السَّيْرِ حَنِينَ المُسْتَهَامْ

6

مَا حَيَاتِي بَعْدَهَمْ إِلاَّ الْفَنَ

***

فَعَلَيْهَا وَعَلَى الصَّبْرِ سَلامْ

شرح البيت الأول:

1

أَنْجَدَ الشَّوْقُ وَأَتْهَمَ الْعَزَاءُ

***

فَأَنَا مَا بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامْ

يقول: طلب الشوقُ نجدًا، لأن تعلُّقَه بالمستوى الأعلى، وطلب الصبرُ تِهامة. يريد أن الصّبر والشّوق لا يجتمعان، كما أن العُلْو والسُّفْل لا يجتمعان، وأنا ما بينهما في برزخ الآلام؛ فالموطن يطالبني بالصّبر لأنه ليس محلَّ اللِّقا، والشوقُ يطالبني بمفارقة التركيب الذي هو هذا الهيكل الطبيعي المانعِ اللطيفةَ الهائمة المتيَّمة بِمُنَاسِبِها من العالم العلوي، لكونها وُجدت مدبِّرةً له إلى أجل مسمى؛ فالشَّوق يجذبني إلى العُلو والصَّبر يجذبني إلى السُّفل، والصَّبر أغلبُ من الشَّوق، لإعانة الموطن له، الذي هو الحياة الدنيا.

شرح البيت الثاني:

2

وُهُمَا ضِدَّانِ لَنْ يَجْتَمِعَ

***

فَشَتَاتِي مَا لَهُ الدَّهْرَ نِظَامْ

يقول: لَمَّا كانت اللطيفة الإنسانية لا توجد دنيا ولا آخرة إلا مدبِّرَة لمركَّب، ولا تُترك لحظة لمشاهدة بسيطها، عريَّةًعن مركبها من غير علاقة، كما يراه بعض الصوفية والفلاسفة مما لا علم له بما هو الأمر، فلهذا قال: "فشتاتي ما له الدّهر نظام"، أي: لا أتَّصل بالمُنَزَّه الأعلىالبسيط المشاكِل لذاتي وحقيقتي، فإن مرتبة التدبير لي وصف لازم لا تصحُّ مفارقته، لكوني على الصورةِ الإلهيةِ والرحمانيةِ مخلوقٌ، كما أنّ الألوهية نعتٌ لازمٌ للحقِّ سبحانه، وإذا كان الأمر هكذا؛ فالشوق جهلٌ لهذا المقام، فإنه لا يحصل. لكنَّ الشوق للمحبَّة وصفٌ لازم تابعٌ لها، وهو مِنحكمها، فلهذا لا تنفكُّ عنه، مع العلم بأن المُشتاقَ إليه لا يقع به وِصْلة، فهو غير نافع.

شرح البيت الثالث:

3

مَا صَنِيعِي مَا احْتِيَالِي دُلَّنِي

***

يَا عَذُولِي لا تَرُعْنِي بِالمَلامْ

أقسم الله بالنفس اللوامة [القيامة: 2]، غير أن اللوم المقصود في هذ البيت من هذا اللائم ليس هو حالٌ بعينه، وإنَّماالمحبّ أيَّ اسم تعلق به وحنَّ إليه، أو أيَّ عالَمٍ، وجدَ عذولا في نفسه يعذله على تعلُّقِه،ويدعوه إلى جنابه، وذلك أنه لَمَّا كان مجموعاً للعالَم والحضرة الإلهية،صار كلُّ جزءٍ منه، وكلُّ حقيقة تطلب مناسِبَها أن تَتَّصِل به، وتَعْذِلُه إذا نظر إلى غيرها بحكم الميل والإيثار، والعارف لا يخلو عن ميل، فلا يخلو عن عاذل دائما أبدًا.

شرح البيت الرابع:

4

زَفَرَاتٌ قَدْ تَعَالَتْ صُعَّداً

***

وَدُمُوعٌ فَوْقَ خَدَّيَّ سِجَامْ

يقول: إنّ النيران الشوقية تعالت نحو عنصرها، الذي هو الشوق الأعظم، الموصوف به الجناب العالي، كالمحبَّة مِنَّا تطلبُ المحبَّة الإلهية، من قوله (تعالى): ﴿يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: 54]، فحبُّنا نتيجةٌ عن حبّه. يقول: إنّ سرَّ الحياة، الذي هو الماء، تختلف عليه الأسماء والأحكام باختلاف محلِّهِ؛ فيُسمَّى في العين دمعاً، وفي الفم ريقاً، وفي المعي بولا. فقال: إنّ هذ السرَّ ظهر في العين بحكم ما في النفس من ألَم البعد، ووجود الصدّ والهجران الذي هو نعتٌ لازم، كما ذكرناه، فكان فيه حرارة؛ لأنَّ زفرات الأشواق، التي هي أصوات نيرانها، سخَّنته، وظهوره للعين تطهيرله لملاحظة الأغيار، إذ كان ينبغي له أن لا ينظر إلى غير محبوبه، إلى أن يغلب عليه مقامُ نَظَرِه بعين الله، أو مقامُ رُؤيَةِ الله في كلِّ شيء، فحينئذ يرتفع عنه البكاء والزفرات لهذا المشهد الكريم؛ وهو الغاية التي يصل إليها العارف.

ومِن هذا المقام قال عيسى عليه السلام: ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ﴾ [مريم: 33]، فكان أكمل في الوِصلة ِممَّن قيل عنه: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ [مريم: 15]، وهو يحيى (عليه السلام)؛ فهذا مقامٌ أوّل لهذا المقام الثاني العالي، فإنَّ "يحيى" من الحياة، وهي المُسخَّرة لعيسى عليه السلام، فإنَّهُ كان يُحيي الموتى [آل عمران: 49]، فلهذا قلنا فيه إنَّهُ أعلى في قوله: ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ﴾ [مريم: 33]، فافهم!

شرح البيتين الخامس والسادس:

5

حَنَّتِ الْعِيسُ إِلَى أَوْطَانِهَ

***

مِنْ وَجَى السَّيْرِ حَنِينَ المُسْتَهَامْ

6

مَا حَيَاتِي بَعْدَهَمْ إِلاَّ الْفَنَ

***

فَعَلَيْهَا وَعَلَى الصَّبْرِ سَلامْ

"حنَّت العيس إلى أوطانها"، يقول: إنّ الأعمال التي يصعد عليها الكَلِمُ الطيِّبُ إلى المستوى الأعلى (من قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ اَلْكَلِمُ اَلطَّيِّبُ واَلْعَمَلُ اَلصّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: 10])، يقول: حنّت (هذه الأعمال) إلى أوطانها، التي هي الأسماء الإلهية، التي عنها صدَرَتْ وبها تصرَّفَت. وهذا الحنين هو الذي أوجب لها سُرعة السَّير. وقد تكون أيضا: الهِمم، وهي عندنا من الأعمال، فلهذا شرحناها بالأعمال، لتضمُّنها الهِمم، وجَعَلَه حنين محبَّة وشوق، لا حنين عَرَض يزول بزوال متعلَّقِه.

وقوله: "ما حياتي بعدهم إلا الفنا"، يقول: إذا ارتفعت الهِمم نحو مقصودها، أقيمت في الفناء عن الفناء،فاتَّصَلت بالحياة التي لا تَنْفَد، ولا يعقِبُها ضِد.

ثم سَلَّم (بقوله: "فَعَلَيْهَا وَعَلَى الصَّبْرِ سَلامْ") وأودع الصّبْرَ والحياة الطبيعية، لفراقه موطنها الذي هو عالَمُ الحِسِّ والتركيب الطبيعي.



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!