موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

البحث داخل الكتاب

عرض الصفحة 36 - -

 

كتاب فصوص الحكمللشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

التنسيق موافق لطبعة ....

 

 
  االصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  
 

- كتاب فصوص الحكم - الصفحة 36


وهكذا اعترف الحلاج لأول مرة في تاريخ الإسلام بتلك الفكرة التي أحدثت فيما بعد انقلاباً بعيد المدى في الفلسفة الصوفية: أعني فكرة تأليه الإنسان واعتباره نوعاً خاصاً من الخلق لا يدانيه في لاهوتيته نوع آخر.

أخذ ابن عربي هذه الفكرة الحلاجية، ولكنه اعتبر اللاهوت والناسوت مجرد وجهين لا طبيعتين منفصلتين لحقيقة واحدة، إذا نظرنا إلى صورتها الخارجية سميناها ناسوتاً، وإن نظرنا إلى باطنها وحقيقتها سميناها لاهوتاً.

فصفتا اللاهوت والناسوت بهذا المعنى صفتان متحققتان، لا في الإنسان وحده، بل في كل موجود من الموجودات، مرادفتان لصفتي الباطن والظاهر أو لكلمتي الجوهر والعرض. والحق الذي يتجلى في جميع صور الوجود يتجلى في الإنسان في أعلى صور الوجود وأكملها. ولذا ظهرت فيه هاتان الصفتان ظهوراً لا يدانيه فيه موجود آخر. على هذا الأساس بنى ابن عربي نظريته في الإنسان ومنزلته من الله والخلق.

فالإنسان أكمل مجالي الحق، لأنه «المختصر الشريف» و«الكون الجامع» لجميع حقائق الوجود ومراتبه. هو العالم الأصغر الذي انعكست في مرآة وجوده كل كمالات العالم الأكبر، أو كمالات الحضرة الإلهية الأسمائية والصفاتية. ولذا استحق دون سائر الخلق أن تكون له الخلافة عن الله. ولما لم تقف الملائكة على حقيقة النشأة الإنسانية وما أودع الله فيها من أسرار أسمائه- لأنها ليس لها جمعية الإنسان ولا عموم خلقه- أبت السجود لآدم وأنكرت خلافته، وقالت: «أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ؟»، ولم تعلم أن سفك الدماء والإفساد في الأرض مظاهر لصفات الجلال الإلهي الذي لا وجود له فيها، وأنها لم تسبح الله وتقدسه تسبيح آدم ولا تقديسه، لأن كل موجود يسبح االله‏


-


- كتاب فصوص الحكم - الصفحة 36


 
  االصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!