- كتاب فصوص الحكم - الصفحة 41
ويقول: «فما أعطاه الخير سواه ولا أعطاه ضد الخير غيره، بل هو منعِّم ذاته ومعذبها: فلا يذمن إلا نفسه ولا يحمدن إلا نفسه. فلله الحجة البالغة في علمه بهم، إذ العلم يتبع المعلوم» (الفص اليعقوبي). فكأن ابن عربي يفرِّق- كما فرّق الحلاج من قبله- بين نوعين من الأمر: الإلهي: الأمر التكليفي الذي يخاطب به الله العباد فيطيعونه أو يعصونه على حسب مقتضيات أعيانهم الثابتة. والأمر التكويني الذي يعبر عنه بالمشيئة الإلهية، وهذه لا تتعلق بشيء إلا وجد على النحو الذي قدِّر أزلًا أن يكون عليه. فكل شيء في الوجود خاضع للأمر التكويني، منفذ للإرادة الإلهية، سواء في ذلك الخير والشر والطاعة والمعصية والإيمان والكفر. فإن أتى الفعل موافقاً للأمر التكليفي سمي طاعة واستلزم الحمد، وإن أتى مخالفاً له سمي معصية وكفراً واستلزم الذم. وهو في كلتا الحالتين عين الطاعة للأمر التكويني. ومعنى هذا أن المشيئة الإلهية تتعلق بالفعل من حيث هو، لا بالفاعل الذي يظهر الفعل على يديه. (الفص اللقماني). وإذا كانت الطاعة والمعصية ليس لهما مدلول حقيقي- أو بالأحرى مدلول ديني- على نحو ما فسرنا، فأحرى بالثواب والعقاب ألا يكون لهما مدلول إيجابي في مذهب كمذهب وحدة الوجود. وأقصى ما يستطيع ابن عربي أن يقوله هو أن الثواب اسم ناشئ عن الطاعة في نفس المطيع، وأن العقاب اسم للأثر الناشىء عن المعصية في نفس العاصي. ولكنه تمشياً مع منطق مذهبه أميل إلى أن يعتبر العقاب والثواب- اللذة والألم- حالتين يشعر بهما الحق نفسه، أي الحق المتعين في صورة العبد. أ لم يقل في أيوب إنه سأل الله أن يرفع الضر عنه، وإن إزالة الألم عن أيوب في الحقيقة إزالة للألم عن الجناب الإلهي، فإن الله قد وصف نفسه بأن يؤذي إلخ؟ (الفص الأيوبي).
-
- كتاب فصوص الحكم - الصفحة 41 |