موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


18. الباب الثامن عشر في الإرادة

وفيها قال رحمه الله:

إن الإرادة أول العطفات    ......   كنت لنا وله من النفحات

ظهر الجمال بها من الكنز الذي  .....  قد كان في التعريف كالنكرات

فبدت محاسنه على أعطافه   ......   وهو الخليقة صورة الجلوات

لولاه أي لولا محاسنه اقتضت   .....    من نفسها إيجاد مخلوقات

ما كان مخلوقاً ولولا كونهم     .....    ما كان منعوتاً بحسن صفات

ظهروا به وبهم ظهور جماله    ......  كل لكلٍّ مظهر الحسنات

والمؤمن الفرد الوحيد لمؤمن    ......    فيما روى المختار كالمرآة

هو مؤمن والفرد منّا مؤمن   .....    كمرايتين تقابلا بالذات

فبدت محاسنه بنا وبدت محا    ....   سننا به من غير ما إثبات

وبنا تسمى بل تسمينا به    .....   كل لكلّ نسخة الآيات

لولا إرادته التعرّف لم يكن     .....   للكنز إبراز من الخفيّات

فلذلك المعنى تقدم حكمها     ......    عن سائر الأوصاف والنسبات

 

إعلم أن الإرادة صفة تجلي علم الحق على حسب المقتضى الذاتي، فذلك المقتضى هو الإرادة وهي تخصيص الحق تعالى لعلوماته بالوجود على حسب ما اقتضاه العلم.

 فهذا الوصف فيه تسمى الإرادة، الإرادة المخلوقة فينا هي عين إرادة الحق سبحانه وتعالى، لكن لما نسبت إلينا كان الحديث اللازم لنا لازماً لوصفنا بأن الإرادة مخلوقة يعني إرادتنا.

وإلا فهي بنسبتها إلى الله تعالى عين الإرادة القديمة التي هي له، وما معناها من إبراز الأشياء على حسب مطلوبها إلاَّ لنسبتها إلينا.

 وهذه النسبة هي المخلوقة، فإذا ارتفعت النسبة التي لها إلينا ونسبت إلى الحق على ما هي عليه له انفعلت بها الأشياء فافهم.

كما أن وجودنا بنسبته إلينا مخلوق وبنسبته إلى الله قديم، وهذه النسبة هي الضرورية التي يعطيها الكشف

والذوق أو العلم القائم مقام العين فما ثم إلا هذا، فافهم.

وأعلم أن الإرادة لها تسعة مظاهر في المخلوقات:

المظهر الأول: هو الميل، وهو انجذاب القلب إلى مطلوبه، فإذا قوي جداً سمي ولعاً.

 وهو المظهر الثاني للإرادة، ثم كذا اشتدّ وزاد سمي صبابة، وهو كذا أخذ القلب في الاسترسال فيمن يحبّ فكأنه انصبّ كالماء إذا فرغ لا يجد بداً من الانصباب.

وهذا هو المظهر الثالث للإرادة، ثم إذا تفرَّغ له بالكلية وتمكن ذلك منه سمي شغفاً.

 وهو المظهر الرابع للإرادة، ثم كذا استحكم في الفؤاد وأخذه عن الأشياء سمي هوى،

وهو المظهر الخامس، ثم كذا استوفى حكمه على الجسد سمي غراماً،

وهو المظهر السادس والعشق هو الذات المحض الصرف الذي لا يدخل تحت رسم ولا نعت ولا

وصف، فهو أعني العشق في ابتداء ظهوره، يفني العاشق حتى لا يبقى له اسم ولا رسم ولا نعت ولا وصف فإذا امتحق العاشق وانطمس أخذ العشق في فناء المعشوق والعاشق، فلا يزال يفنى منه الاسم ثم الوصف ثم الذات فلا يبقى عاشق ولا معشوق، فحينئذ يظهر العاشق بالصورتين ويتصف

بالصفتين، فيسمى بالعاشق ويسمى بالمعشوق، وفي ذلك أقول:

العشق نار اللَّه أعني الموقدة       .......   فأفولها فطلوعها في الأفئدة

نبأ عظيم أهله هم فيه     ......    مختلفون أعني في المكانة والجدة

فتراهم في نقطة العشق الذي     .....    هو واحد متفرقين على حدة

واعلم أن هذا الفناء هو عبارة عن عدم الشعور باستيلاء حكم الذهول عليه، ففناؤه عن نفسه عدم شعوره به، وفناؤه عن محبوبه باستهلاكه فيه.

 فالفناء في اصطلاح القوم هو عبارة عن عدم شعور الشخص بنفسه ولا بشيء من لوازمها.

فإذا علمت هذا فاعلم أن الإرادة الإلهية المخصصة للمخلوقات على كل حالة وهيئة صادرة من غير علّة ولا بسبب بل محض اختيار إلهي ، لأنها، أعني الإرادة حكم من أحكام العظمة، ووصف من أوصاف الألوهية، فألوهيته وعظمته لنفسه لا لعلّة.

 وهذا بخلاف ما رأى الإمام محيى الدين بن العربي رضي الله عنه فإنه قال: لا يجوز أن يسمى الله مختاراً لأنه لا يفعل شيئاً بالاختيار، بل يفعله على حسب ما اقتضاه العالم من نفسه، وما اقتضى العالم من نفسه إلاَّ هذا الوجه الذي هو عليه، فلا يكون مختاراً.

هذا كلام الإمام محيى الدين في الفتوحات المكية، ولقد تكلم على سرّ ظفر به من تجلّي الإرادة وفاته منه أكثر مما ظفر به، وذلك من مقتضيات العظمة الإلهية .

ولقد ظفرنا بما ظفر به، ئم عثرنا بعد ذلك في تجلي العزة على أنه مختار في الأشياء، متصرف فيها، بحكم اختيار المشيئة الصادرة لا عن ضرورة ولا مريد.

 بل شأن إلهي ووصف ذاتي كما صرح الله تعالى عن نفسه في كتابه فقال: "وربك يخلق ما يشاء ويختار" 68 سورة القصص .

فهو القادر المختار العزيز الجبار المتكبر القهار.


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!