موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


33. الباب الثالث والثلاثون في أم الكتاب

أمّ الكتاب فكنهه في ذاته            .....              هي نقطة منها انتشاء صفاته

هي كالدواة لأحرف تبدو على       .....      ورق الوجود بحكم ترتيباته

فالمهملات من الحروف إشارة       .....            فيما تعلّق بالقديم بذاته

والمعجمات عبارة عن حادث       .....      من أنه طار على نقطاته

ومتى تركبت الحروف فإنها       .....        كلم فتلكم محض مخلوقاته

 اعلم أن أم الكتاب: هي عبارة عن ماهية كنه الذات المعبر عنها من بعض وجوهها بماهيات الحقائق التي لا يطلق عليها اسم ولا نعت ولا وصف ولا وجود ولا علم ولا حق ولا خلق.

 والكتاب هو الوجود المطلق الذي لا عدم فيه.

 وكانت ماهية الكنه أم الكتاب.

 لأن الوجود مندرج فيها اندراج الحروف في الدولة.

 فلا يطلق على الدواة باسم شيء من أسماء الحروف سواء كانت الحروف مهملة أو معجمة.

 وسيأتي بيان الحروف في هذا الباب.

 فكذلك ماهية الكنه لا يطلق عليه اسم الوجود ولا اسم العدم، لأنها غير معقولة، والحكم على غير المعقول بأمر محال.

 فلا يقال بأنها حق ولا خلق ولا غير ولا عين.

ولكنها عبارة عن ماهية لا تنحصر بعبارة إلا ولها ضدّ تلك العبارة من كل وجه.

 وهي الألوهية باعتبار، ومن وجه هي محل الأشياء ومصدر الوجود.

 والوجود فيها بالعقل، ولو كان العقل يقتضى أن يكون الوجود في ماهية الحقائق بالقوّة كوجود النخلة في النواة.

 ولكن الشهود يعطي الوجود منها بالفعل لا بالقوّة للمقتضى الذات الإلهي.

 لكن الإجمال المطلق هو الذي حكم على العقل بأن يقول بأن الوجود في ماهية الحقائق بالقوة بخلاف الشهود.

 لأنه يعطيك الأمر المجمل مفصلاً، على أنه في نفس ذلك التفصيل باق على إجماله.

 وهذا أمر ذوقي شهودي كشفي لا يدرك العقل من حيث نظره.

 لكنه إذا وصل إلى ذلك المحل وتجلت عليه الأشياء قبلها وأدركها كما هي عليه، وإذا علمت أن الكتاب هو الوجود المطلق تبين لك أن الأمر الذي لا يحكم عليه بالوجود ولا بالعدم هو أم الكتاب.

 وهو المسمى بماهية الحقائق لأنه كالذي تولد الكتاب منه.

وليس للكتاب إلا وجه واحد من وجهي كنه الماهية.

 لأن الوجود أحد طرفيها، والعدم هو الثاني.

 فلهذا ما قبلت العبارة بالوجود ولا بالعدم لأن ما فيها وجه من هذه الوجوه إلا
وهي ضدّه، فالكتاب الذي أنزله الحق سبحانه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم هو عبارة عن أحكام الوجود المطلق الذي هو أحد وجهي ماهية الحقائق.

 فمعرفة الوجود المطلق هو علم الكتاب.

 وقد أشار الحق إلى ذلك في قوله: "وكل شيء أحصيناه في إمام مبين"12 سورة يس.

 وقوله : "ولا رطب ولا يابس إلا في کتاب مبین" 59 سورة الأنعام.

 وقوله : "وکل شيء فصلناه تفصيلا" 12 سورة الإسراء.

وبعد أن أعلمناك أن أم الكتاب هي ماهية الكنه.

 وظهر أن الكتاب هو الوجود المطلق.

 اعلم أن الكتاب سور وآيات وكلمات وحروف، فالسور عبارة عن الصور الذاتية وهي تجليات الكمال.

 ولا بد لكل سورة من معنى فارق تتميز به تلك السورة عن غيرها، فإذن لا بد لكل صورة إلهية كمالية من شأن تتميز به تلك الصور عن غيرها.

 ولولا التطويل لنبهناك على كل صورة منها و سورة من كتاب الله تعالى.

 والايات عبارة عن حقائق الجمع، كل آية تدل على جمع إلهي من حيث معنى مخصوص يعلم ذلك الجمع الإلهي عن مفهوم الآية المتلوة.

 ولا بد لكل جمع من اسم جمالي وجلالي يكون التجلي الإلهي في ذلك الجمع من حيث ذلك الاسم.

 وکانت الآیة عبارة عن الجمع لأنها صارت عبارهٔ واحدة عن کلمات شتی.

 وليس الجمع إلا شهود الأشياء المتفرقة لعين الواحدية الإلهية الحقية.

 والكلمات هي عبارة عن حقائق المخلوقات العينية، أعني المتعينة في العالم الشهادي والحروف.

، فالمنقوط منها عبارة عن الأعيان الثابتة في العلم الإلهي.

 والمهمل منها على نوعين:

 (النوع الأول) مهمل تتعلق به الحروف ولا يتعلق هو بها.

 وهي خمسة: الألف، والدال، والراء، والواو، واللام.

الالف إشارة إلى مقتضيات كمالية وهي خمسة:

الذات والحياة والعلم والقدرة والإرادة،

إذ لا سبيل إلى وجود هذه الأربعة المذكورة إلا بالذات.

 ولا سبيل إلى كمال الذات إلا بها.

 (والنوع الثاني) مهمل تتعلق به الحروف ويتعلق هو بها، وهي تسعة:

فالإشارة بها إلى الإنسان الكامل لجمعه بين الخمسة الإلهية والأربعة الخلقية.

 وهي العناصر الأربعة مع ما تولد منها.

 وكانت أحرف الإنسان الكامل غير منقوطة لأنه خلقها على صورته.

 ولكن تميزت الحقائق المطلقة الإلهية عن الحقائق المقيدة الإنسانية لاستناد الإنسان إلى موجد يوجده.

 ولو کان هو الموجد فإن حكمه أن يستند إلى غيره، ولهذا كانت حروفه تتعلق بالحروف، وتتعلق الحروف بها.

 وقد نبهنا على حقيقة الحروف وكيفية منشئها من الألف وكيفية منشأ الألف من النقطة في كتابنا المسمى ب الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم

فمن شاء أن يعرف ذلك فلينظر في الکتاب المذکور۔

ولما کان حکم واجب الوجود أنه قائم بذاته غير محتاج في وجوده إلى غيره مع احتياج الكل إليه.

 كانت الحروف المشيرة إلى هذا المعنى من الكتاب مهملة تتعلق بها الحروف ولا تتعلق هي بحرف منها.

 كالألف والدال والراء والواو واللام ألف.

 فإن كل واحد من هذه الأحرف تتعلق به جميع الحروف ولا يتعلق هو بحرف منها. ولا يقال إن لام ألف حرفان فإن الحديث النبوي قد صرّح بأن اللام ألف حرف واحد فافهم.

واعلم أن الحروف ليست بكلمات لأن الأعيان الثابتة لم تدخل تحت كلمة "كن" إلا عند الإيجاد العيني.

وأما هي ففي أوجبها وتعينها العلمي فلا يدخل عليها اسم التكوين فهي حق لا خلق.

 لأن الخلق عبارة عما دخل تحت كلمة "كن".

 وليست الأعيان الثابتة في العلم بهذا الوصف حادثة، لكنها ملحقة بالحدوث إلحاقاً حکمیاً لما تقتضيه ذواتها من اسناد وجود الحادث في نفسه الی قدیم کما سبق بيانه في هذا الكتاب.

 فالأعيان الموجودة المعبر عنها بالحروف ملحقة في العالم العلمي بالعلم الذي هو ملحق بالعالم، فهي بهذا الاعتبار الثاني قديمة.

 وقد سبق تفصيل ذلك في باب القدم.

 فإذا علمت أن الكتاب هو الوجود المطلق الجامع للحروف والآيات والسور على ما أشارت إليه حقيقة كل منها.

 فاعلم أن اللوح عبارة عما اقتضى التعیین من ذلك في الوجود على الترتيب الحكمي لا على المقتضى الإلهي غير المنحصر.

 فإن ذلك لا يوجد في اللوح مثل تفصيل أحوال أهل الجنة والنار وأهل التجليات وما أشبه ذلك.

 ولکنه موجود في الكتاب، والكتاب كل عام، واللوح جزئي خاص.

وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

 والله يقول الحق وهو يهدي السبيل۔


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!