موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


34. الباب الرابع والثلاثون في القرآن

القرآن ذات محض       .....           أحديتها حقّ فرض

هي مشهده فيه وله       .....           من حيث هويته غمض

يتلو ما يطلبه منه       .....      وهو المطلوب له الفرض

فقراءته هي حليته       .....            بحلاه وذاك فنا محض

لكن من حيث الذات له       .....      لا كل هناك ولا بعض

هي لذّته في الذات به       .....        من حيث الذوق ولا غض

والفهم لتلك اللذّة قر       .....          آن هي هو هذا الفرض


اعلم أن القرآن عبارة عن الذات التي يضمحل فيها جميع الصفات، فهي المجلى المسماة بالأحدية.

 أنزلها الحق تعالی علی نبیه محمد صلى الله عليه وسلم لیکون مشهده الأحدية من الأكوان.

 ومعنى هذا الإنزال أن الحقيقة الأحدية المتعالية في ذراها ظهرت بکمالها فی جسده.

 فنزلت عن أوجها مع استحالة النزول والعروج علیها، لکنه صلى الله عليه وسلم لما تحقق جسده بجميع الحقائق الإلهية .

وکان مجلى الاسماء الواحد بجسده ، كما أنه بهويته مجلى الأحدية وبذاته عين الذات.

 فلذلك قال صلى الله عليه وسلم : "أنزل علي القرآن جملة واحدة" .

يعبر عن تحقيقه بجميع ذلك تحقيقاً ذاتياً کلياً جسمانياً، وهذا هو المشار إليه بالقرآن الكريم لأنه أعطاه الجملة.

 وهذا هو الكرم التام لأنه ما ادّخر عنه شيئاً، بل أفاض عليه الكل كرماً إلهياً ذاتياً. وأما القرآن الحكيم فهو تنزل الحقائق الإلهية بعروج العبد إلى التحقق بها في الذات شيئاً فشيئاً على ما اقتضته الحكمة الإلهية بعروج العبد الى التحقيق بها فى الذات شيئا فشيئا على ما اقتضته الحكمة الإلهية التي ترتبت الذات عليها، فلا سبيل غير ذلك.

لأنه لا يجوز من حيث الامكان أن يتحقق واحد بجمیع الحقائق الإلهية بجسده من أول إيجاد.

 لکنه من كانت فطرته مجبولة على الألوهية فإنه يترقى فيها ويتحقق منها بما ينكشف له منها شيئاً من ذلك بعد شيء مرتباً ترتيباً إلهياً.

 وقد أشار الحق إلى بيان ذلك بقوله: "ونزلناه تنزيلا" 106 سورة الإسراء.

 وهذا الحكم لا ينقطع ولا ينقضي، بل لا يزال العبد في ترق إلى هكذا ولا يزال الحق في تجل إذ لا سبيل إلى استيفاء ما لا يتناهى لأن الحق نفسه لا يتناهى.

 فإن قلت: فما فائدة قوله: "أنزل علي القرآن جملة واحدة)".

 قلنا: ذلك من وجهين:

الوجه الأول من حيث الحكم، لأن العبد الكامل إذا تجلى الحق له بذاته حكم بما شهده أنه جملة الذات التي لا تتناهى، وقد نزلت فيه من غير مفارقة لمحلها الذي هو المكانة.

والوجه الثاني من حيث استيفاء بقايات البشرية واضمحلال الرسوم الخلقية بكمالها لظهور الحقائق الإلهية بآثارها فى كل عضو من أعضاء الجسم.

فالجملة متعلقة بقوله على هذا الوجه الثاني، ومعناه ذهاب جملة النقائض الخلقية بالتحقق بالحقائق الإلهية.

وقد ورد فى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن دفعة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم أنزله الحق على آيات مقطعة بعد ذلك".

 هذا هو معنى الحديث:

 فإنزال القرآن دفعة واحدة إلى سماء الدنيا إشارة إلى التحقيق الذاتي.

 ونزول الآيات مقاطعة إشارة إلى ظهور آثار الأسماء والصفات مع ترقي العبد في التحقيق بالذات شيئاً فشيئاً.

 وقوله تعالى: "ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم".

 فالقرآن هنا عبارة عن الجملة الذاتية لا باعتبار النزول ولا باعتبار المكانة، بل مطلق الأحدية الذاتية التي هي مطلق الهوية الجامعة لجميع المراتب والصفات والشئون والاعتبارات.

 والمعبر عنها بساذج الذات مع جملة الكمالات.

 ولهذا قرن بلفظ العظيم لهذه العظمة والسبع المثاني عبارة عما ظهر عليه في وجوده الجسدي من التحقق بالسبع الصفات.

 وقوله تعالى: "الرحمن علم القرآن".

 إشارة إلى أن العبد إذا تجلى عليه الرحمن يجد في نفسه لذة رحمانية تكسبه تلك اللذة معرفة الذات.

 فيتحقق بحقائق الصفات، فما علمه القرآن إلى الرحمن، وإلا فلا سبيل إلى الوصول إلى الذات بدون تجلي الرحمن الذي هو عبارة عن جملة الأسماء والصفات.

 إذ الحق تعالى لا يعلم إلا من طريق أسمائه وصفاته فافهم.

وهذا شيء لا يفهمه إلا الغرباء، وهم الأفراد الكمل الأمجاد الذين هم موضع نظر الله تعالى من العباد.

 والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!