موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


43. الباب الثالث والأربعون في السرير و التاج

إنّ السرير لرتبة السلطان        .....   هو عرشه بمكانة الرحمن

فجلوسه فوق السرير ظهوره   ....     في مجده وعلوّه السلطاني

فهو المعبر عنه بالعرش المجيد  .....   و بالعظيم بمحكم القرآن

والعرش مطلقه بمخلوقاته        .....   و الاستواء تمكُّن ربّاني

اعلم وفقنا الله وإياك، أن الحديث النبوي الذي يذكر فيه أنه رأى ربه في صورة شاب أمرد على سرير من كذا وكذا، وفي رجله كذا وكذا الحديث بكماله أعطانا الكشف فيه أنه واقع صورة ومعنى.

أما صورة:

فهو تجلى الحق سبحانه وتعالى في الصورة المذكورة المعينة المحدودة على سرير المعين في النعلين المذكورين من الذهب والتاج المخصوص، لأنه سبحانه وتعالى يتجلى بما شاء كيف شاء.

فهو متجلي في كل منقول و معقول و مفهوم و موهوم ومسموع ومشهود.

فقد يتجلى في الصورة المحسوسة، وهو عينها وباطنها، وقد يتجلى كيف يشاء، فهو متجلي في كل منها، وهو عينها وظاهرها.

ويتجلى في الصورة الخيالية وهو عينها وظاهرها، ولا يكون في الخيالية إلا هذا الظهور بأنه نفسها وعينها المشهود. لكنه سبحانه وتعالى له من وراء ذلك ما لا يتناهى .
وهذا التجلي الخيالي نوعان:
نوع على صورة المعتقد، ونوع على صورة المحسوسات فافهم.
لكن مطلق التجلي الصوري منشؤه و محتده العالم المثالي.

وهو إذا اشتد ظهوره شوهد بالعين الشحمية محسوسة، لكنه على الحقيقة عين البصيرة هي المشاهدة.

إلا أنه لما صار كله عين، كان بصره محل بصيرته في هذا المشهد.

وأما المعنوي:

 أعني مما أعطانا الكشف في الحديث أنه واقع معنى، فكل من الأشياء المذكورة في الحديث عبارة عن معنى إلهي كما عبرنا في الرفرف بأنه المكانة الإلهية.

وفي السرير بأنه المرتبة الرحمانية التي هي في المكانة الإلهية.

وأما التاج فهو عبارة عن عدم التناهي، وهو المعبر عنه بصورة شاب، لأن الصورة يلزمها التناهي، وهو لا نهاية له.

فذكر التاج الذي هو فوق الرأس إشارة إلى ماهية الذات التي لا نهاية لها، فهو سبحانه إذا تجلی شوهد بما تجلى به.

وكل مشهود متناه، لكنه يظهر في تجلية المتناهي بلا نهاية فهو من حيث تناهيه بلا نهاية.

وهو من حيث واحديته شيء واحد، والواحد لا كثرة فيه، فلا يقال: إنه لا نهاية له، لأن عدم التناهي من شروط الكثرة، وهو منه عن الكثرة.

وهو من حيث ذاته المتعالية عن الحد والحصر والإدراك لا نهاية له، فجمع الضدين في عين وحدته التي لا تثنية فيها.

 فانظر إلى هذا الأمر العجيب العجاب، وتأمل في هذا الخبر المستطاب، لعلك تهدي إلى الصواب، وإليه المرجع والمآب.


 


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!