موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


44. الباب الرابع والأربعون في القدمين والنعلين

اعلم هدانا الله وإياك، و آتاك من الحكمة ما آتانا أن القدمين عبارة عن حكمين ذاتيين متضادين.

وهما من جملة الذات بل هما عين الذات، وهذان الحكمان، هما ما ترتبت الذات عليهما كالحدوث والقدم والحقية والخلقية والوجود والعدم والتناهي وعدم التناهي والتشبيه والتنزيه وأمثال ذلك.

مما هو للذات من حيث عينها ومن حيث حكمها الذي هو لها ولذلك عبر عن هذا الأمر، لأن القدمين من جملة الصورة.

وأما النعلان فالوصفان المتضادان كالرحمة والنقمة والغضب والرضا وأمثال ذلك، والفرق بين القدمين والنعلين

أن القدمين عبارة عن المتضادات المخصوصة بالذات، والنعلان عبارة عن المتضادات المتعدية إلى المخلوقات.

 يعني أنها تطلب الأثر في المخلوقات، فهي نعلان تحت القدمين، لأن الصفات العقلية تحت الصفات الذاتية.

 وكون النعلين من ذهب، هو نفس طلبها للأثر، فهي ذاهبة:

 أي سارية الحكم في الموجودات، فلها الحكم في كل موجود وجد، بأي نوع كان من الموجودات.

وإذا علمت معنى النعلين وعلمت المراد بالقدمين، ظهر لك سر الحديث النبوي وهو أن الجبار يضع قدمه في النار فتقول: قط قط، وأنها تفنى حينئذ، فينبت موضعها شجر الجرجير، أو كما قال.

و سنومئ إلى ذلك في آخر الكتاب في الباب الذي نذكر فيه جهنم، حسبما أمكن من التصريح أو الكناية، فافهم هذا المعنى.

واعلم أن الرب له في كل موجود وجه كامل، وذلك الوجه على صورة روح ذلك الموجود، وروح ذلك الموجود على صورة محسوسة وجسد.

 وهذا الأمر للرب أمر ذاتي، استوجبه لذاته، لا ينتفي عنه باعتبار، لأنه ما ثبت له باعتبار.

 لأن كل ما نسب إلى الحق باعتبار تنتفي تلك النسبة عنه بضد ذلك الاعتبار.

 وكل ما نسب إليه لا باعتبار، فإنه لا تنتفي نسبته عنه بشيء من الاعتبارات، فافهم ذلك.

وإذا كان الأمر فإن كان كذلك، كانت الصورة للرب أمرا ذاتيا، وإلى ذلك الإشارة في قوله:
" خلق آدم على صورة الرحمن"  وقوله: "خلق آدم على صورته".

 وهذان الحديثان وإن كانا يقتضيان معاني قد تحدثنا عليهما في كتابنا المسمى
" والكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم" فإن الكشف أعطانا أنهما على ظاهر اللفظ، كما أشرنا إليه أولا ولكن بشرط التنزيه الإلهي، تعالی عن التجسيم والتمثيل،
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!