موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


62. الباب الثاني والستون في السبع السماوات وما فوقها والسبع الأرضين وما تحتها والسبع البحار وما فيها من العجائب والغرائب ومن يسكنها من أنواع

اعلم أيدك الله بروح منه أن الله تعالى كان قبل أن يخلق الخلق في نفسه.

وكانت الموجودات مستهلكة فيه، ولم يكن له ظهور في شيء من الوجود، وتلك هي الكنزية المخفية.

 وعبر عنها النبي عليه بالعماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء.

لأن حقيقة الحقائق في وجودها ليس لها اختصاص بنسبة من النسب، لا إلى ما هو أعلى ولا إلى ما هو أدنى، وهي الياقوتة البيضاء التي ورد الحديث عنها.

أن الحق سبحانه وتعالى كان قبل أن يخلق الخلق في ياقوتة بيضاء "الحديث".

فلما أراد الحق سبحانه وتعالى إيجاد هذا العالم نظر إلى حقيقة الحقائق، وإن شئت قلت إلى الياقوتة البيضاء التي هي أصل الوجود بنظر الكمال، فذابت فصارت ماء.

فلهذا ما في الوجود شيء يحمل كمال ظهور الحق تعالى إلا هو وحده، لأن حقيقة الحقائق التي هي أصل لم تحتمل ذلك إلا في البطون فلما ظهر عليها ذابت لذلك.

ثم نظر إليها بنظر العظمة فتموت لذلك كما تموج الأرياح بالبحر، فانفهقت كثائفها بعضها في بعض كما ينفهق الزبد من البحر.

فخلق الله من ذلك المنفهق سبع طباق الأرض، ثم خلق سكان كل طبقة من جنس أرضها، ثم صعدت لطائف ذلك الماء كما يصعد البخار من البحار، فتقها الله تعالى سبع سماوات.

وخلق ملائكة كل سماء من جنسها، ثم صير الله ذلك الماء سبعة أبحر محيطة بالعالم، فهذا أصل الوجود جميعه.

ثم إن الحق تعالى كما كان في القدم موجودة في العماء التي عبر عنها بحقيقة الحقائق والكنز والياقوتة البيضاء.

كذلك هو الآن موجود فيما خلق من تلك الياقوتة بغير حلول ولا مزج، فهو متجلي في أجزاء ذرات العالم من غير تعدد ولا اتصال ولا انفصال، فهو متجلي في جميعها لأنه سبحانه وتعالى على ما عليه كان.

وقد كان في العماء، وقد كان في الياقوتة البيضاء، وهذا الوجود جميعه تلك الياقوتة وذلك العماء، ولو لم يكن الحق سبحانه وتعالى متجليا في الوجود جميعه لكان سبحانه تغير عما هو عليه وحاشاه عن ذلك.

 فما حصل التغيير إلا في المجلى الذي هو الياقوتة البيضاء لا في المتجلي سبحانه وتعالى، فهو بعد ظهوره في مخلوقاته باق على كنزيته في العماء النفسي فتأمل.
وقد ذكرنا فيما مضى أمر العماء وحقيقة الحقائق على جلية، هذا وقت ذكر الأشياء الموجودة في حقيقة الحقائق، فأول ما نذكر السبع سموات.

اعلم أن السماء هذه الملحوظة لنا ليست بسماء الدنيا ولا لونها لونها ولا وصفها وصفه.

وهذه التي نراها هي البخار الطالع بحكم الطبيعة من يبوسة الأرض ورطوبة الماء، صعدت بها حرارة الشمس إلى الهواء، فملأت الجو الحالي الذي بين الأرض وبين سماء الدنيا.

ولهذا نراها تارة زرقاء وتارة شمطاء وتارة غبراء، كل ذلك على حكم البخار الصاعد من الأرض.

وعلى قدر سقوط الضياء بين تلك البخارات، فهي لاتصالها بسماء الدنيا تسمى سماء الدنيا نفسها.

فلا يقع النظر عليها لشدة البعد واللطافة، ثم إنها أشد بياضا من اللبن.

وقد ورد في الحديث أن بين سماء الدنيا وبين الأرض مسيرة خمسمائة عام، وبالاتفاق أن النظر لا يقطع مسيرة خمسمائة عام.

فظهر أن المرئية لنا ليست السماء عينها، ولولا أن الكواكب تسقط شعاعها إلى الأرض لما شوهدت ولا رؤيت.

وكم في السموات من نجم مضيء لا يسقط شعاعه إلى الأرض فلا نراه لبعده ولطافته لكن أهل الكشف يرونه ويعبرون عنه لأهل الأرض فيفهمونهم إياه.

اعلم أن الله تعالى قد خلق جميع الأرزاق والأقوات المتنوعة في أربعة أيام، وجعلها بين السماء والأرض مخزونة في قلب أربعة أفلاك:
الفلك الأول فلك الحرارة
 الفلك الثاني فلك اليبوسة
الفلك الثالث فلك البرودة
الفلك الرابع فلك الرطوبة
وهذا معنى قوله تعالى: "وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين" .آية 10 سورة فصلت..
 يعني بحكم التسوية على قدر السؤال الذاتي، لأن الحقائق تسأل بذاتها ما تقتضيه كلما اقتضت حقيقة من حقائق المخلوقات شيئا نزل لها من تلك الخزائن على قدر سؤالها..
وهذا معنى قوله تعالى: "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم".آية 21 سورة الحجر.

 ثم جعل ملائكة الإنزال الموكلة بإيصال كل رزق إلى مرزوقه في السبع السماوات، ثم جعل في كل سماء ملكة يحكم على من فيها من ملائكة الأرزاق يسمى ملك الحوادث، وجعل لذلك الملك روحانية الكواكب الموجودة في تلك السماء، فلا ينزل من السماء ملك من ملائكة الأرزاق إلا بإذن ذلك الملك المخلوق على روحانية كوكب تلك السماء، فكوكب سماء الدنيا القمر، وكوكب السماء الثانية عطارد، وكوكب السماء الثالثة الزهرة، وكوكب السماء الرابعة الشمس، و کوکب السماء الخامسة المريخ، وكوكب السماء السادسة المشتري، وكوكب السماء السابعة زحل. وأما السماء الدنيا فإنها أشد بياضا من الفضة، خلقها الله تعالى من حقيقة الروح لتكون نسبتها للأرض نسبة الروح للجسد.

وكذلك جعل فلك القمر فيها، لأنه تعالى جعل القمر مظهر اسمه الحي، وأدار فلكه في سماء البروج فيه حياة الوجود وعليه مدار الموهوم والمشهود، ثم جعل فلك الكوكب القمري هو المتولي تدبير الأرض.

كما أن الروح هي التي تتولى تدبير الجسد، فلو لم يخلق الله تعالى سماء الدنيا من حقيقة الروح لما كانت الحكمة تقتضي وجود الحيوان من الأرض بل كانت محل الجمادات.

ثم أسكن الله تعالی آدم في هذه السماء، لأن آدم روح العالم الدنيوي إذ به نظر الله إلى الموجودات فرحمها، وجعل لها حياة بحياة آدم فيها.

فلم يزل العالم الدنيوي حيا ما دام هذا النوع الإنساني فيها، فإذا انتقل منها هلكت الدنيا والتحق بعضها ببعض، كما لو خرجت روح الحيوان من جسده، فيخرب الجسد ويلتحق بعضه ببعض.

زین الله هذه السماء بزينة الكواكب جميعها كما زین الروح بجميع ما حمله الهيكل الإنساني من اللطائف الظاهرة كالحواس الخمس، ومن اللطائف الباطنة كالسبع القوى التي هي العقل والهمة والفهم والوهم والقلب والفكر والخيال.

فكما أن كواكب سماء الدنيا رجوم للشياطين، كذلك هذه القوى إذا حكم الإنسان بصحتها انتفت عنها شياطين الخواطر.

فحفظ باطنه بهذه القوى كما حفظت بالنجوم الثواقب السماء الدنيا، و ملائكة هذه السماء أرواح بسيطة ما دامت مسبحة لله تعالى فيها.

فإذا نزلت منها لما يأمرها الملك الموكل بإنزال ملائكة السماء الدنيا تشكلت على هيئة الأمر الذي تنزل لأجله، فتكون روحانية ذلك الشيء الذي وكلت به، فلا تزال تسوقه إلى المحل الذي أمرها الله تعالى به.

 فإن كان رزقا ساقته إلى مرزوقه، وإن كان أمرأ قضائية ساقته إلى من قدره الله عليه إما خيرا وإما شرا ثم تسبح الله تعالى في فلك هذه السماء ولا تنزل أبدأ بعدها في أمر.
جعل الله الملك المسمى إسماعيل حاكمة على جميع أملاك هذه السماء وهو روحانية القمر.

فإذا أمر الله على ذلك بأمر وقضى الملك ذلك الأمر، فإنه يجلسه على كراسي تسمى منصة الصور، فيجلس عليه متشكلا بصورة ما نزل به من الأمر، ولا يعود إلى بساطته أبدا.

بل يبقى على ما هو عليه من التشكل والتصور الجرمي الجزئي يعبد الله تعالى في الوجود.

لأن الأرواح إذا تشكلت بصورة من الصور لا سبيل إلى أن تنخلع تلك الصورة عن نفسها بأن تعود إلى البساطة الأصلية، هذا ممتنع.

لكنها في قوتها أن تتصور بكل صورة على عدم مفارقتها للصورة الأصلية التي لها حكمة من الله تعالى، وتلك الصورة الروحانية هي كلمات الله تعالى التي تقوم بالموجودات كما تقوم الروح بالجسد.

فإذا برزت من الغموض العلمي إلى الجلاء العيني تبقى قائمة بذواتها في الوجود، فجميع أجسام العالم من المخلوقات من المعدن والنبات والحيوانات والألفاظ وغير ذلك.

لها أرواح قائمة بها على صورة ما كانت عليه أجسامه حتى إذا زال الجسم بقيت الروح مسبحة الله سبحانه وتعالى، باقية بإبقاء الحق لها، لأن الحق لم يخلق الأرواح للفناء، وإنما خلقها للبقاء.

فالمكاشف إذا أراد کشف أمرا من أمور الوجود تتجلى عليه تلك الأرواح التي هي كلمات الله تعالى، فيعرفها بأعيانها وأسمائها وأوصافها.

فإن كل روح من أرواح الوجود متجلية في الملابس التي كانت أوصافها ونعوته وأخلاقه على الجسم الذي

كانت تديره، وهو كالحيوان والمعدن والنبات و المركب والبسيط، أوعلى الصورة التي كانت الروح معناه، وهو كالألفاظ والأعمال و الأعراض والأغراض وما أشبه ذلك إذا كانت قد برزت من العالم العلمي إلى العالم العيني.
وأما إذا كانت باقية على حالها في العالم العلمي، فإنه يراها كذلك صورة قائمة عليها من أنواع الخلع ما سيكون أعمالا و أوصافا، فالمظهر هنا الذي هو الجسد أو الصورة.

ولكن يعلم أن لا وجود لها حينئذ إلا من حيث هو، فيأخذ منها ما شاء من معلوم، لا من حیثيتها هي، بل من حيثيته هو، لكن على ما تقتضيه حقائقها، بخلاف ما لو يراها بعد بروزها إلى العالم العيني فإنه يعلم أن وجودها حينئذ من حيثيتها هي، فيكلمها وتجيبه بأنواع ما حوته من العلوم والحقائق.

وفي هذا المشهد اجتماع الأنبياء والأولياء بعضهم ببعض.
أقمت فيه بزبيد بشهر ربيع الأول في سنة ثمانمائة من الهجرة النبوية، فرأيت جميع الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين والأولياء والملائكة العالين والمقربين، وملائكة التسخير، ورأيت روحانية الموجودات جميعها.

وكشفت عن حقائق الأمور على ما هي عليه من الأزل إلى الأبد، وتحققت بعلوم إلهية لا يسع الكون أن نذكرها فيه، وكان في هذا المشهد ما كان.
فظن خيرا ولا تسأل عن الخير.
غاص بنا غواص البيان في بحر هذا التبيان حتى ألجأ القدر إلى إبراز هذه الدرر، فلنكتف من ذلك بما قد بدا فيها مما لم يخطر إظهاره أبدا ولنرجع إلى ما نحن فيه و بصدده من ذكر سماء الدنيا.

اعلم أن الله تعالى خلق دور فلك سماء الدنيا مسيرة أحد عشر ألف سنة، وهو أصغر أفلاك السموات دورة، فيقطع القمر جميع دور هذا الفلك في أربع وعشرين ساعة معتدلة أعني مستقيمة.

فيقطع في كل ساعة مسيرة أربعة آلاف سنة وخمسمائة عام، ثم إن للقمر فلكة في نفس الفلك، وكذلك كل كوكب فإن له فلكة صغيرة يدور بنفسه في الفلك الكبير. فالفلك الأكبر بطيئ الدورة، وذلك الفلك الصغير سريع الدورة.

وما تراه من خنس الكواكب وهو رجوعها فإنه لاختلاف دور فلكها في دوران الفلك الكبير فتسبقه في الدور، فيحسبها الشخص راجعة ولم ترجع إذ لو رجعت لخرب العالم بأسره.

واعلم أن القمر جرم کمودي لا ضياء له في نفسه من حيث هو، بل إنه قابل للشمس بنصفه أخذ منها النور فلا يزال نصفه منيرة ونصفه الذي لم يقابل الشمس يكون مظلما، ولهذا لا يرى نور القمر إلا من جهة الشمس أبدا، بخلاف بقية
الكواكب السيارة، فإن كل كوكب منها يقابل نور الشمس في جميعها.

فمثلها مثل البلورة الشفافة إذا وقع فيها النور سري في ظاهرها وباطنها بخلاف القمر فإنه كالكرة المعدنية المصقولة لا تقبل النور إلا في مقابلة الشمس، ولهذا ينقص نوره في الأرض ويزيد بخلاف بقية الكواكب.

واعلم أن السموات بعضها محيط ببعض، فأكبرها سماء زحل وأصغرها سماء القمر، وهذه صورتها.

وكل فلك مماس لسمائه من تحته وهو أمر معنوي، لأنه اسم لسمت دوران الكوكب في أوجه.

والكوكب اسم للجرم الشفاف المنير من كل سماء، ولو أخذنا في بيان الدقائق والثواني والدقائق والدرج والحلول والسمت والسير، أو لو شرحنا خواص ذلك ومقتضياتها لاحتجنا إلى مجلدات كثيرة.

فلنعرض عن ذلك فليس المطلوب إلا معرفة الله تعالى، وما ذكرنا هذا القدر من ظاهر الأشياء إلا وقد رمزنا تحتها أسرارا إلهيا جعلناها كاللب لهذا القشر «والله يقول الحق وهو يهدي السبيل».

وأما السماء الثانية:
فإنها جوهر شفاف لطيف ولونها أشهب، خلقها الله تعالى من الحقيقة الفكرية.

فهي للوجود بمثابة الفكر الإنسان، ولهذا كانت محلا لفلك الكاتب وهو عطارد، جعله الله تعالى مظهرا لاسمه القدير، وخلق سمائه من نور اسمه العليم الخبير.

ثم جعل الله الملائكة الممدة لأهل الصنائع جميعها في هذه السماء ووكل بهم ملكة جعله روحانية هذا الكوكب، وهذه السماء أكثر ملائكة من جميع السلوات، ومنها ينزل العلم إلى عالم الأكوان، وكانت الجن تأتي إلى صفيح سماء الدنيا فتسمع منها أصوات ملائكة السماء الثانية، لأن الأرواح لا يمنعها البعد عن استماع الكلام.

لكن إذا كانت في عالمها، وأما إذا لم تكن في عالمها كان حكمها حكم هذا العالم الذي هي فيه.

ولما كانت الجن أرواحا وهي في عالم الأجسام والكثافة ارتقت حتى بلغت نحو العالم الروحي وهو صفيح سماء الدنيا، فسمعت بواسطة ذلك الارتقاء کلام ملائكة السماء الثانية لعدم الفاصل.

ولم يمكنها سماع الثالثة لحصول الفاصل، فكذلك أهل كل مقام لا يكشفون إلا ما فوقهم بمرتبة واحدة . فإذا حصل الفاصل وتعددت المراتب فلا يعرف الأدنى ما هو الأعلى فيه.

 فلأجل ذا كانت الجن تدنو من سماء الدنيا فتسمع أصوات ملائكة السماء الثانية لتسترق السمع وترجع إلى مشركيها فتخبرهم بالمغيبات.

فهي الآن إذا رقت إلى ذلك المحل نزل بها الشهاب الثاقب فأحرقها، وهو النور المحمدي الكاشف لأهل الحجب الظلمانية عن كثافة محتدهم، فلا يمكنهم الترقي لاحتراق جناح طير الهمة فيرجع خاسرة حاسرا.

رأيت نوح عليه السلام في هذه السماء جالسا على سرير خلق من نور الكبرياء بين أهل المجد والثناء فسلمت عليه وتمثلت بين يديه، فرد علي السلام ورحب بي .

وقام فسألته عن سمائه الفكري ومقامه السري فقال: إن هذه السماء عقد جوهر المعارف…. فيها تتجلى أبكار العوارف، ملائكة هذه السماء مخلوقة من نور القدرة.

لا يتصور شيئا في عالم الوجود إلا وملائكتها المتولية لتصوير ذلك المشهود، فهي دقائق التقدير المحكمة لرقائق التصوير.

عليها يدور أمر الآيات القاهرة والمعجزات الظاهرة، ومنها تنشأ الكرامات الباهرة.

خلق الله في هذه السماء ملائكة ليس لهم عبادة إلا إرشاد الخلق إلى أنوار الحق، يطيرون بأجنحة القدرة في سماء العبرة، على رؤوسهم تيجان الأنوار مرصعة بغوامض الأسرار.

من ركب على ظهر ملك من هذه الأملاك طار بجناحه إلى سبعة الأفلاك، وأنزل الصور الروحانية في القوالب الجسمانية متى شاء وكيف شاء.

فإن خاطبها كلمته، وإن سألها أعلمته جعل الله دور فلك هذه السماء مسيرة ثلاث عشرة ألف سنة وثلاثمائة سنة وثلاثة وثلاثين سنة ومائة وعشرين يوما .

يقطع کوکبها وهو عطارد في كل ساعة مسيرة خمسمائة سنة وخمس وخمسين سنة ومائة وعشرين يوما، فيقطع جميع فلكه في مضي أربع وعشرين ساعة معتدلة.

ويقطع الفلك الكبير في مضي سنة كاملة وروحانية الملك الحاكم على جميع ملائكة هذه السماء اسمه نوحائيل عليه السلام ثم رأيت في هذه السماء عجائب من آيات الرحمن وغرائب من أسرار الأكوان لا يسعنا إذاعتها في أهل هذا الزمان.

فتأمل فيما أشرناه وتفكر فيما لغزناه ومن وجودك  لا من خارج عنك، فاطلب حل ما قد رمزناه.

وأما السماء الثالثة :
فلونها أصفر وهي سماء الزهرة، جوهرها شفاف وأهلها المتلونون في سائر الأوصاف.

 خلقت من حقيقة الخيال وجعلت محلا لعالم المثال، جعل الله کوکبها مظهرة لاسمه العليم، وجعل فلكها مجلى قدرة الصانع الحكيم، فملائكتها مخلوقة على كل شكل من الأشكال، فيها من العجائب والغرائب ما لا يخطر بالبال يسوغ فيها المحال ورما امتنع فيها الجائز الحلال.

خلق الله دور فلك هذه السماء مسيرة خمس عشرة ألف سنة وستة وثلاثين سنة ومائة وعشرين يوما.

يقطع کوکبها وهو الزهرة في كل ساعة مسيرة ستمائة سنة وإحدى وثلاثين سنة وثمانية عشر يوما وثلث يوم، فيقطع الفلك في مضي أربعة وعشرين ساعة، ويقطع جميع منازل الفلك الكبير في مسيرة ثلثمائة يوم وأربعة وعشرين يوما.

وملائكة هذه السماء تحت حكم الملك المسمى صورائيل وهو روحانية الزهرة، ثم إن ملائكتها محیطون بالعالم يجيبون من دعاهم من بني آدم.

رأيت ملائكة هذه السماء مؤتلفة لكن على أنواع مختلفة، فمنهم من وكله الله بالإيحاء إلى النائم إما صريحة وإما بضرب مثل يعقله العالم.

ومنهم من وكله الله تعالی بتربية الأطفال وتعليمهم المعاني والأقوال؛ ومنهم من وكله الله بتسلية المهموم وتفريح المغموم.

ومنهم من وكله الله بالناس المستوحشين ومكالمة المتوحدين ومنهم من وكله الله تعالى بإضرام نيران الحب للمحبين في سويداء اللب.

ومنهم من وكله الله بحفظ صورة المحبوب لئلا يغيب عن عاشقه الملهوب ؛ ومنهم من وكله الله بإبلاغ الرسائل بين أهل الوسائل.

اجتمعت في هذه السماء بيوسف عليه السلام، فرأيته على سرير من الأسرار كاشفة عن رموز الأنوار عالما بحقيقة ما انعقدت عليه أكلة الأحبار متحققة بأمر المعاني مجاوزة عن قيد الماء والأواني.

فسلمت عليه تحية وافد إليه فأجاب وحيا ثم رحب بي وبيا.

 فقلت له: سيدي أسألك عن قولك: "رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث" .آية 101 سورة يوسف.
 أي المملكتين تعني وعن تأويل أي الأحاديث تکنی؟
 فقال: أردت المملكة الرحمانية المودعة في النكتة الإنسانية.

 وتأويل الأحاديث: الأمانات  الدائرة في الألسنة الحيوانية.

فقلت له: يا سيدي أليس هذا المودع في التلويح حللا من البيان والتصريح.

فقال: اعلم أن للحق تعالی أمانة في العباد يوصلها المتكلمون بها إلى أهل الرشاد. قلت: كيف يكون للحق أمانة وهو أصل الوجود في الظهور والإبانة؟
فقال: ذاك وصفه، وهذا شأنه، ذاك حكمه وهذه عبارته، الأمانة يجعلها الجاهل في اللسان ويحملها العالم في السر والجنان، والكل في حيرة عنه ولم يفز غير العارف بشيء منه.

 فقلت: وكيف ذاك؟
فقال: اعلم أيدك الله وحماك أن الحق تعالى جعل أسراره كدرر إشارات مودعة في أسرار عبارات… فهي ملقاة في الطريق، دائرة على ألسنة الفريق، يجهل العام إشارتها ويعرف الخاص ما سكن عبارتها، فيؤولها على حساب المقتضى ويثوبها إلى حيث المرتضى.

وهل تأويل الأحلام إلا رشحة من هذا البحر أو حصاة من جنادل هذا القفر؟
فعلمت ما أشار إليه الصديق ولم أكن قبله جاهلا بهذا التحقيق، ثم تركته وانصرفت في الرفيق الأعلى ونعم الرفيق.

وأما السماء الرابعة:
 فهي الجوهر الأفخر، ذات اللون الأزهر سماء الشمس الأنور، وهو قطب الأفلاك خلق الله تعالى هذه السماء من النور القلبي.

وجعل الشمس فيها بمنزلة القلب للموجود، به عمارته ومنه نضارته، منها تلتمس النجوم أنوارها وبها يعلو في المراتب منارها.

جعل الله هذا الكوكب الشمسي في هذا الفلك القلبي مظهر الألوهية ومجلى المتنوعات أوصافه المقدسة النزيهة الزكية فالشمس أصل لسائر المخلوقات العنصرية. كما أن الاسم "الله" لسائر المراتب العلية.

نزل إدريس عليه السلام هذا المقام النفيس لعلمه بالحقيقة القلبية، فتميز عن غيره في الرتبة العربية، جعل الله هذه السماء مهبط الأنوار ومعدن الأسرار.

ثم إن الملك الجليل المسمى إسرافيل هو الحاكم على ملائكة هذه السماء، وهي روحانية الشمس ذات السناء.

لا يرفع في الوجود خفض ولا يحدث فيه بسط ولا قبض إلا بتصريف هذا الملك الذي جعله الله محتد هذا الفلك، وهو أعظم الملائكة هيبة وأكبرهم وسعة وأقواهم همة.

له من سدرة المنتهى إلى ما تحت الثرى يتصرف في جميعها ويتمكن من شريفها ووضيعها، منصته عند الكرسي ومحتد هذا الفلك الشمسي، وعالمه السماوات والأرض وما فيهما من عقل وحس.

ثم اعلم أن الله تعالى جعل الفلك الشمسي مسيرة سبع عشرة ألف سنة وتسعة وعشرين سنة وستين يوما، فيقطع جميع الفلك في مضي أربع وعشرين ساعة معتدلة ويقطع الفلك الكبير في ثلثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم وثلاث دقائق.
اعلم أن هذا المقام الذي فيه إدريس عليه السلام هو مقام من مقامات محمد صلى الله عليه وسلم .
ألا تراه لما بلغ ليلة إسرائه إلى السماء الرابعة ارتقى عنه إلى ما فوقه، فبلوغه عليه الصلاة والسلام إلى المستوى الإدريسي شاهد تحقيقه في المقامات العلية بالمرتبة المربوبية، وبجوازه عنه شاهد ما هو أعلى منه حتى برز منشور سعده بخلعة

"سبحان الذي أسرى بعبده " آية 1 سورة الإسراء.
فمقام العبودية هو المقام المحمود الرفيع وهو لواء الحمد الشامخ المنيع.

واعلم أن الله تعالى جعل الوجود بأسره مرموزة في قرص الشمس، تبرزه القوى الطبيعية في الوجود شيئا فشيئا بأمر الله تعالى.

فالشمس نقطة الأسرار ودائرة الأنوار، أكثر الأنبياء أهل التمكين في دائرة هذا الفلك المكين مثل عيسى وسليمان وداود وإدريس وجرجیس وغيرهم ممن يكثر عدده ويطول أمده.

 كلهم نازلون في هذا المنزل الجلي، وقاطنون في هذا المقام العلي، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل إلى الصراط السوي.

وأما السماء الخامسة:
 فإنها سماء الكوكب المسمی بهرام، وهو مظهر العظمة الإلهية والانتقام، نزل به يحيى عليه السلام لمشاهدته العظمة والجبروت وملاحظته العزة والملكوت.

ولهذا لم يهم بزلة، وما منهم إلا من هم أو جاء بخلة سماؤه مخلوقة من نور الوهم ولونها أحمر كالدم، و ملائكة هذه السماء خلقهم الله تعالى مرائي للكمال ومظاهر للجلال.

بهم عبد الله في هذا الوجود، وبهم دان أهل التقليد للحق بالسجود، جعل الله عبادة هذه الملائكة تقريب البعيد وإيجاد الفقيد.

فمنهم من عبادته تأسيس قواعد الإيمان في القلب والجنان، ومنهم من عبادته طرد الكفار عن عالم الأسرار.
ومنهم من عبادته شفاء المريض وجبر الكسر المهيص.

ومنهم من خلق القبض الأرواح فيقبض بإذن الحاكم ولا جناح وحاكم هذه السماء الأثيل هو الملك المسمى عزرائيل.

وهو روحانية المريخ صاحب الانتقام والتوبيخ، جعل الله تعالى محتد هذا الملك هذه السماء و منصته عند القلم الأعلى.

لا ينزل ملك إلى الأرض للانتقام ولا لقبض الأرواح ولا لنشر انتظام إلا بأمر هذا الملك الذي هو روحانية بهرام.

واعلم أن الله تعالى جعل دور هذه السماء مسيرة تسع عشرة ألف سنة وثمان
مائة سنة وثلاثة وثلاثين سنة ومائة وعشرين يوما.

يقطع هذا الكوكب منها في كل ساعة معتدلة مسيرة ثمانمائة سنة وست وعشرين سنة ومائة وأربعين يوما.

فيقطع جميع الفلك في مضي أربع وعشرين ساعة، ويقطع الفلك الكبير في مضي خمسمائة وأربعين يوما بالتقريب.

وروحانيته هي الممدة لأرباب السيوف والانتقام، وهي الموكلة بنصر من أراد الله نصره من أهل الزمام .

وأما السماء السادسة:
 فمحتدها من نور الهمة، وهي جوهر شفاف روحاني أزرق اللون، وكوكبها مظهر القيومية ومنظر الديمومية ذو النور الممد المسمی بالمشتري.
رأيت موسی علیه السلام متمكنة في هذا المقام، واضعا قدمه على سطح هذه السماء، قابضا بيمينه ساق سدرة المنتهى، سكران من خمر تجلى الربوبية حيران من عزة الألوهية.

قد انطبعت في مرآة علمه أشكال الأكوان، وتجلت في إنيته ربوبية الملك الديان، يهول منظره الناظر، ويزعج أمره الوارد والصادر، فوقفت متأدبة بين يديه، وسلمت بتحقيق مرتبته عليه، فرفع رأيه من سكرة الأزل ورحب بي ثم أهل.

فقلت له: يا سيدي قد أخبر الناطق بالصواب، الصادق في الخطاب، أنه قد برزت لك خلعة لن تراني من ذلك الجناب، وحالتك هذه غير حالة أهل الحجاب فأخبرني بحقيقة هذا الأمر العجاب.

فقال: اعلم أنني لما خرجت من مصر أرضي إلى حقيقة فرضي، ونوديت من طور قلبي بلسان ربي من جانب شجرة الأحدية في الوادي المقدس بأنوار الأزلية "إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني" .آية 14 سورة طه.
فلما عبدته كما أمر في الأشياء، وأثنيت عليه بما يستحقه من الصفات والأسماء تجلت أنوار الربوبية لي فأخذني عني.

فطلبت البقاء في مقام اللقاء، ومحال أن يثبت المحدث الظهور القديم، فنادى لسان سري مترجما عن ذلك الأمر العظيم.

 فقلت: ربي "أرني أنظر إليك" آية 143 سورة الأعراف.
فأدخل بأنيتي في حضرة القدس عليك، فسمعت الجواب من ذلك الجناب ولن تراني ولكن انظر إلى الجبل وهي ذاتك المخلوقة من نوري في الأزل، "فإن استقر مكانه "بعد أن أظهر القديم سلطانه. "فسوف تراني. فلما تجلى ربه للجبل" وجذبتني حقيقة الأزل وظهر القديم على المحدث "جعله دكا" فخر موسى لذلك صعقا، فلم يبق في القديم إلا القديم، ولم يتجلى بالعظمة إلا العظيم، هذا على أن استيفاؤه غير ممكن وحصره غير جائز.

فلا تدرك ماهيته ولا ترى ولا يعلم كنهه ولا يدري، فلما اطلع ترجمان الأزل على هذا الخطاب أخبركم به من أم الكتاب، فترجم بالحق والصواب، ثم تركته وانصرفت وقد اغترفت من بحره ما اغترفت.

واعلم أن الله تعالى جعل دور فلك هذه السماء مسيرة اثنتين وعشرين ألف سنة وستة وستين سنة وثمانية أشهر.

فيقطع کوکبها وهو المشتري فيها في كل ساعة مسيرة تسعمائة سنة وتسع عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يوما ونصف يوم.

فيقطع جميع الفلك في مضي أربع وعشرين ساعة، ويقطع جميع الفلك الكبير في مضي اثنتي عشرة سنة، يقطع كل سنة برجة من الفلك الكبير.

وخلق الله تعالى هذه السماء من نور الهمة، وجعل میکائیل موكلا بملائكتها، وهم ملائكة الرحمة.

جعلهم الله معارج الأنبياء، ومراقي الأولياء، خلقهم الله تعالى لإيصال الرقائق إلى من اقتضتها له الحقائق.

دأبهم ربع الوضيع وتسهيل الصعب المنيع، يجولون في الأرض، بسبب رفع أهلها من ظلمة الخفض، فهم أهل البسط بين الملائكة والقبض.

وهم الموكلون بإيصال الأرزاق إلى المرزوقين على قدر الوفاق، جعلهم الله تعالى من أهل البسط والحظوة، فهم بين الملائكة مجابو الدعوة، لا يدعون لأحد بشيء ألا أجيب.

ولا يمرون بذي عاهة إلا ويبرأ ويطيب، إليهم أشار عليه الصلاة والسلام في قوله: «فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة أجيب دعوته وحصلت بغيته". قريبا منه: البخاري 198 / 1 ، ومسلم في: الصلاة (72)، وأبو داود (936)، والترمذي (250)، وابن ماجه (852)..

فما كل ملك يجاب دعاه، ولا كل حامد يستطاب ثناه.

 ثم إني رأيت ملائكة هذه السماء مخلوقة على سائر أنواع الحيوانات، فمنهم من خلقه الله تعالى على هيئة الطائر وله أجنحة لا تنحصر للحاصر وعبادة هذا النوع خدمة الأسرار ورفعها من حضيض الظلمة إلى عالم الأنوار.
ومنهم من خلقه الله تعالى على هيئة الخيول المسومة، وعبادة هذه الطائفة المكرمة رفع القلوب من سجن الشهادة إلى فضاء الغيوب.

 ومنهم من خلقه الله تعالى على هيئة النجائب وفي صورة الركائب، خلقه الله تعالى على هيئة البغال والحمير، وعبادة هذا النوع رفع الحقير وجبر الكسير والعبور من القليل إلى الكثير.

ومنهم من خلقه الله تعالى على صورة الإنسان، وعبادة هؤلاء حفظ قواعد الأديان، ومنهم من خلق على صفة بسائط الجواهر والأعراض، وعبادة هؤلاء إيصال الصحة إلى الأجسام المرضى.

ومنهم من خلق على أنواع الحبوب والمياه وسائر المأكولات والمشروبات، وعبادة هؤلاء إيصال الأرزاق إلى مرزوقها من سائر المخلوقات.

ثم إني رأيت في هذه السماء ملائكة مخلوقة بحكم الاختلاط مزجة، فالنصف من ماء عقد ثلجة، فلا الماء يفعل في إطفاء النار ولا النار تغير الماء عن ذلك القرار.

واعلم أن ميكائيل عليه السلام هو روحانية كوكب هذه السماء، وهو الحاكم على سائر الملائكة المقيمين في هذا الفلك.

جعل الله محتده هذه السماء و منصته عن يمين سدرة المنتهى، سألته عن البراق المحمدي هل كان مخلوقة من هذا المحتد العلی؟
فقال: لا، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم  لم تتكاثف عليه الستور، فلم ينزل سته عن سماء النور، وذلك محتد العقل الأول ومنشأ الروح الأفضل، فبراقه من فلك هذا المقام المكين، وترجمانه جبريل وهو الروح الأمين؛ وأما من سواه من الأنبياء وسائر الكمل من الأولياء، فإن مراكبهم في السفير الأعلى على نجائب هذه السماء فيصعدون عليها من حضيض أرض الطبائع حتى يجاوزوا الفلك السابع، ثم ليس لهم مركب إلا الصفات ولا ترجمان إلا الذات.

وأما السماء السابعة:
فسماء زحل المکرم، وجوهرها شفاف أسود كالليل المظلم.

خلقها الله من نور العقل الأول، وجعلها المنزل الأفضل، فتلونت بالسواد إشارة إلى سوادها والبعاد، فلهذا لا يعرف العقل الأول إلا كل عالم أكمل.

هذا هو سماء کيوان المحيط بجميع عالم الأكوان، أفضل السماوات وأعلى الكائنات، جميع الكواكب الثابتة في موكبه سائرة سيرة خفية في كوكبه.

دورة فلكه مسيرة أربع وعشرين ألف سنة وخمسمائة عام، يقطع كوكبه في كل ساعة معتدلة مسيرة ألف سنة وعشرين سنة وعشرة أشهر.

ويقطع الفلك الكبير في مدة ثلاثين سنة.

وجميع الكواكب الثابتة التي فيها لكل منها سير خفي مهين لا يكاد ييين، منها ما يقطع كل برج من الفلك في ثلاثين ألف سنة، ومنها ما يقطع بأكثر وأقل.

ولأجل دقتها وكثرتها لا تعرف، وليس لها أسماء عند الحساب.

ولكن أهل الكشف يعرفون اسم كل نجم ويخاطبونه باسمه ويسألونه عن سيره، فيجيبهم ويخبرهم بما يقتضيه في فلكه.

ثم إن هذه الأسماء أول سماء خلقها الله تعالى محيطة بعالم الأكوان، وخلق السموات التي تحتها بعدها.

فهو نور العقل الأول الذي هو أول مخلوقات الله في عالم المحدثات.
رأيت إبراهيم عليه السلام قائمة في هذه السماء، وله منصة يجلس عليها عن يمين العرش من فوق الكرسي، وهو يتلو آية " الحمد الله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق" آية 39 سورة إبراهيم.

واعلم أن ملائكة هذه السماء كلهم مقربون، ولكل من المقربين منزلة على قدر وظيفته التي أقامه الله فيها، وليس فوقه إلا الفلك الأطلس.

وهو الفلك الكبير، سطحه هو الكرسي الأعلى، وبينهما أعني الفلك الأطلس
والفلك المكوكب ثلاثة أفلاك وهمية حكمية لا وجود لها إلا في الحكم دون العين.
الفلك الأول منها، وهو الفلك الأعلى على فلك الهيولي،
الفلك الثاني فلك الهباء.
الفلك الثالث فلك العناصر، وهو آخرهم مما يلي الفلك المكوكب.
وقال بعض الحكماء:
ثم فلك رابع، وهو فلك الطبائع.

واعلم أن الفلك الأطلس هو عرصة سدرة المنتهى، وهي تحت الكرسي وقد سبق بيان الكرسي.

ويسكن سدرة المنتهى الملائكة الكروبيون، رأيتهم على هيئات مختلفة لا يحصى عددهم إلا الله.

قد انطبقت أنوار التجليات عليهم حتى لا يكاد أحد منهم يحرك جفن طرفه؛ فمنهم من وقع على وجهه، ومنهم من جثا على ركبتيه وهو الأكمل، ومنهم من سقط على جنبه، ومنهم من جمد في قيامه وهو أقوى.

ومنهم من دهش في هويته، ومنهم من خطف في إنيته.

ورأيت منهم مائة ملك مقدمين على هؤلاء جميعهم، بأيديهم أعمدة من النور مكتوب على كل عمود اسم من أسماء الله الحسنى.

يرهبون بها من دونهم من الكروبيين، ومن بلغ مرتبتهم من أهل الله تعالى.

ثم رأيت سبعة من جملة هذه المائة متقدمة عليهم يسمون قائمة الكروبيين.

ورأيت ثلاثة مقدمين على هذه السبعة يسمون بأهل المراتب والتمكين.

 ورأيت واحدة مقدمة على جميعهم يسمى عبد الله.

وكل هؤلاء عالون ممن لم يؤمروا بالسجود لآدم.

ومن فوقهم كذلك المسمى بالنون والملك المسمى بالقلم وأمثالهما أيضا عالون، وبقية ملائكة القرب دونهم.

وتحتهم مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل و عزرائيل وأمثالهم.

ورأيت في هذا الفلك من العجائب والغرائب ما لا يسعنا شرحه.

واعلم أن جملة الأفلاك التي خلقها الله تعالى في هذا العالم ثمانية عشر فلك:
الفلك الأول: العرش المحيط.
الفلك الثاني: الكرسي.
الفلك الثالث: الأطلس، وهو فلك سدرة المنتهى.
الفلك الرابع: الهيولي.
الفلك الخامس: الهباء.
الفلك السادس: العناصر.
الفلك السابع: الطبائع.
الفلك الثامن: المكوكب، وهو فلك زحل ويسمى فلك الأفلاك.
الفلك التاسع: فلك المشتري.
الفلك العاشر: فلك المريخ.
الفلك الحادي عشر: فلك الشمس.
الفلك الثاني عشر: فلك الزهرة.
الفلك الثالث عشر: فلك عطارد.
والفلك الرابع عشر: فلك القمر.
الفلك الخامس عشر: فلك الأثير. وهو فلك النار
الفلك السادس عشر: فلك الهواء.
الفلك السابع عشر: فلك الماء
الفلك الثامن عشر: فلك التراب.
والبحر المحيط الذي فيه البهموت، وهو حوت يحمل الأرض على منكبيه، ثم فلك الهواء ثم فلك النار، ثم فلك القمر، ويرجع صاعدة كما هبط.

ثم لكل موجود في العالم فلك وسيع يراه المكاشف ويسبح فيه ويعلم ما يقتضيه، فلا تحصى الأفلاك لكثرتها، قال الله تعالى: "كل في فلك يسبحون".آية 33 سورة الأنبياء.

واعلم أن كل واحد من فلك النار والماء والهواء على أربع طباق، وذلك التراب على سبع طباق، وسيأتي بيان الجميع في هذا الباب، فلنبدأ بذكر الأرض وطباقها، لأن الله تعالى قد أردف ذكر السماء بالأرض، فلا تجعل بينهما فاصلة.

أما الطبقة الأولى من الأرض:
فأول ما خلقها الله تعالى كانت أشد بياضا من اللبن وأطيب من رائحة المسك، فاغبرت لما مشى آدم عليه السلام عليها بعد أن عصي الله تعالى.

وهذه الأرض أرض النفوس، ولهذا كانت يسكنها الحيوانات.

 دورة كرة الأرض مسيرة ألف ومائة عام وستة وستون عامة ومائتا يوم وأربعون يوما، قد غمر الماء منها ثلاثة أرباع بحكم الحيطة، فبقي الربع من وسط الأرض إلا ما يلي الجانب الشمالي.

وأما الجانب الجنوبي فأجمعه بكليته مغمور تحت الماء من نصف الأرض، ثم ربعه من الجانب الشمالي تحت الماء.

فما بقي إلا الربع وهذا الربع فالخراب منه ثلاثة أرباعه، ولم يبق إلا الربع من الربع، ثم هذا الربع المتبقي لم تكن مدته المسكونة منه إلا مسيرة أربعة وعشرين عاما وباقيها برار وقفار عامرة بالطرق ممكنة الذهاب والإياب.

لم يبلغ الإسكندر من الأرض إلا هذا الربع المتبقي، سلك قطره شرقا وغربا، لأن بلاده في المغرب، وكان ملكة بالروم.

 فأخذ أولا يسلك مما يليه من جنبه حتى بلغ إلى باطن الأرض منه، فوصله إلى مغرب الشمس؛ ثم سلك الجنوبي وهو ما يقابله حتى تحقق بظهور تلك الأشياء، فوصل إلى مشرق الشمس، ثم سلك الجانب الجنوبي وهو الظلمات حتى بلغ يأجوج ومأجوج، وهم في الجانب
الجنوبي من الأرض، نسبتهم من الأرض نسبة الخواطر من النفس.

لا يعرف عددهم ولا يدرك حصرهم، لم تطلع الشمس على أرضهم أبدأ.

فلأجل هذا غلب عليهم الضعف حتى أنهم لم يقدروا في هذا الزمان على خراب السد.

ثم سلك الجانب الشمالي حتى بلغ محلا منه لم تغرب الشمس فيه، وهذه الأرض بيضاء على ما خلقها الله تعالى عليه هي مسكن رجال الغيب.

وملكها الخضر عليه السلام، أهل هذه البلاد تكلمهم الملائكة لم يبلغ إليها آدم ولا أحد ممن عصى الله تعالى، فهي باقية على أصل الفطرة.

وهي قريبة من أرض بلغار، وبلغار بلدة في العجم لا تجب فيها صلاة العشاء في أيام الشتاء، لأن شفق الفجر يطلع قبل غروب شفق المغرب فيها.

فلا يجب عليهم صلاة العشاء، ولا حاجة إلى تبيين عجائب الأرض لما قد نقلت الأخبار من عجائبها مما لا يحتاج إلى ذكره فافهم ما أشرنا إليه.

وهذه الأرض من أشرف الأراضي وأرفعها قدرا عند الله تعالى، لأنها محل النبيين والمرسلين والأولياء الصالحين.

فلولا ما أخذ الناس من الغفلة عن معرفتها لكنت تراهم يتكلمون بالمغيبات ويتصرفون في الأمور المعضلات، ويفعلون ما يشاءون بقدرة صانع البريات، فافهم جميع ما أشرنا إليه.

واعرف ما دللناك عليه، ولا تقف مع الظاهر، فإن لكل ظاهر باطن، ولكل حق حقيقة والسلام.

وأما الطبقة الثانية من الأرض:
فإن لونها كالزمردة الخضراء تسمى أرض العبادات، يسكنها مؤمنون الجن، ليلهم نهار الأرض الأولى، ونهارهم ليلها.

لا يزال أهلها قاطنين فيها حتى تغيب الشمس عن أرض الدنيا، فيخرجون إلى ظاهر الأرض يتعشقون بيني آدم تعشق الحديد بالمغناطيس، ويخافون منهم أشد من خوف الفريسة للاساد.

دورة كرة هذه الأرض ألفا سنة ومائتا سنة وأربعة أشهر، ولكن ليس فيها خراب، بل الجميع معمور بالسكني.

وأكثر مؤمني الجن يحسدون أهل الإرادات والمخالفات، فأكثر هلاك السالكين من جن هذه الأرض يأخذون الشخص من حيث لا يشعر بهم.

ولقد رأيت جماعة من السادات، أعني طائفة من متصوفة هذا الزمان مقیدین مغلغلين، قد قيدهم جن هذه الأرض، فأصمهم وأعمى أبصارهم.

وقد كانوا ممن يسمع كلام الحضرة بأذنيه، فصار إذا خوطب من غير جهة هذه الأرض لا يسمع ولا يعقل، وهم محجوبون بما هم فيه، فلو قيل لهم ما هم عليه لأنكروا ذلك فإنهم ما أشرت إليه تحقق بما دللتك عليه.

واستعن بالله في إحكام الطريق ينجك الحق من كيد هذا الفريق.

وأما الطبقة الثالثة من الأرض:
فإن لونها أصفر کالزعفران تسمى أرض الطبع، يسكنها مشرکو الجن، ليس فيها مؤمن بالله.

قد خلقوا للشرك والكفر يتمثلون بين الناس على صفة بني آدم.

لا يعرفهم إلا أولياء الله تعالى، لا يدخلون بلدة فيها رجل من أهل التحقيق إذا كان متمكنة بشعاع أنواره.

وأما قبل ذلك فإنهم يدخلون عليه ويحاربهم، فلا يزالون كذلك حتى ينصره الله تعالى عليهم، فلا يقربون بعد هذا من أرضه.

ومن توجه إليه احترق بشعاع أنواره، ليس لهؤلاء عمل في الأرض إلا إشغال الخلق عن عبادة الله تعالى بأنواع الغفلة.

دورة كرة هذه الأرض مسيرة أربعة آلاف سنة وأربعمائة سنة وثمانية أشهر.

 كلها عامرة بالسكان ليس فيها خراب، لم يذكر الحق سبحانه وتعالى فيها منذ خلقها إلا مرة واحدة بلغة غير لغة أهلها.

 فافهم ما أشرنا إليه واعرف ما دللناك عليه.

وأما الطبقة الرابعة من الأرض:
فإن لونها أحمر كالدم تسمى أرض الشهود، دورة كرة هذه الأرض مسيرة ثمانية آلاف سنة وخمس وستين سنة ومائة وعشرين يوما.

كلها عامرة بالسكني، يسكنها الشياطين، وهم على أنواع كثيرة، يتوالدون من نفس إبليس.

 فإذا تحصلوا بين يديه جعلهم طوائف، يعلم طائفة منهم القتل ليكونوا أدلة عليه لعبادة الله.

 ثم يعلم طائفة الشرك ويحكمهم في معرفة علوم المشركين ليوطن بنيان الكفر في قلوب أهله.

 ويعلم طائفة العلم ليجادلوا به العلماء.  ويعلم طائفة منهم المكر .

وطائفة الخداع . وطائفة الزنا .  وطائفة السرقة.

حتى لا يترك معصية صغيرة ولا كبيرة إلا وقد أرصد لها طائفة من حفدته.

ثم يأمرهم أن يجلسوا في مواضع معروفة،
فيعلموا أهل الخدع والمكر وأمثال ذلك أن يقيموا في دركة الطمع،
ويعلموا أهل القتل والطعن وأمثال ذلك أن يقيموا في دركة الرياسة،
ويعلموا أهل الشرك أن يقيموا في دركة الشرك،
ويعلموا أهل العلم أن يقيموا في دركة المناجاة والعبادات،
ويعلموا أهل الزنا والسرقة وأمثال ذلك أن يقيموا في دركة الطبع؛
ثم جعل بأيديهم سلاسل وقيودا يأمرهم أن يجعلوها في أعناق من يحتكم لهم سبع مرات متواترات ليس بينها توبة.

ثم يسلمونه بعد ذلك إلى عفاريت الشياطين فينزلون إلى الأرض التي تحتهم، ويجعلون أصول تلك السلاسل فيهم.فلا يمكنه مخالفتهم بعد أن توضع تلك السلاسل في عنقه أبدا..
"والله يقول الحق وهو يهدي السبيل".

وأما الطبقة الخامسة من الأرض:
فإن لونها أزرق كالنيلة، واسمها أرض الطغيان.

 دورة كرتها سبعة عشرة ألف سنة وستمائة سنة وعشر سنين وثمانية أشهر.

كلها عامرة بالسكني، يسكنها عفاريت الجن والشياطين، ليس لهم عمل إلا قيادة أهل المعاصي إلى الكبائر.

وهؤلاء كلهم لا يصنعون إلا بالعكس؛ فلو قيل لهم اذهبوا جاءوا، ولو قيل لهم تعالوا ذهبوا،
هؤلاء أقوى الشياطين کيدا، فإن من فوقهم من أهل الطبقة الرابعة كيدهم ضعيف يرتدع بأدنى حركة.

 قال الله تعالى: "إن كيد الشيطان ضعيفا" .آية 76 سورة النساء.  .

وأما هؤلاء فكيدهم عظيم يحكمون على بني آدم بغلبة القهر فلا يمكنهم مخالفتهم أبدأ «والله يقول الحق وهو يهدي السبيل». .

أما الطبقة السادسة من الأرض:
فهي أرض الإلحاد، لونها أسود كالليل المظلم.

دورة كرة هذه الأرض مسيرة خمس وثلاثين ألف سنة ومائتي سنة وإحدى وعشرين سنة ومائة وعشرين يوما.

كلها عامرة يسكنها المردة ومن لا يتحكم لأحد من عبادة الله تعالى.

واعلم أن سائر الجن على اختلاف أجناسهم كلهم على أربعة أنواع:
1- فنوع عنصريون.
2- ونوع ناریون .ولو كانت النار راجعة إلى العنصرين فثم نكتة،
3- ونوع الهوائيون.
4- ونوع ترابيون.
فأما العنصريون فلا يخرجون عن عالم الأرواح وتغلب عليهم البساطة، وهم أشد الجن قسوة، سموا بهذا الاسم لقوة مناسبتهم بالملائكة.

وذلك لغلبة الأمور الروحانية على الأمور الطبيعية السفلية منهم، ولا ظهور لهم إلا في الخواطر.

قال الله تعالى: "شياطين الإنس والجن" .آية 112 سورة الأنعام.  فافهم.
ولا يتراءون إلا للأولياء.

وأما الناريون فيخرجون من عالم الأرواح غالبا، وهم يتنوعون في كل صورة أكثر ما يفاجئون الإنسان في عالم المثال، فيفعلون به ما يشاءون في ذلك العالم، وكيد هؤلاء شديد، فمنهم من يحمل الشخص بهيكله فيرفعه إلى موضعه؛ ومنهم من يقيم معه، فلا يزال الرائي مصروعا ما دام عنده.
وأما الهوائيون فإنهم يتراءون في المحسوس مقابلين للروح فتنعكس صورهم على الرائي فينصرع.
وأما الترابيون فإنهم يلبسون الشخص ويعفرونه بترابهم، وهؤلاء أضعف الجن قوة ومكرا.

وأما الطبقة السابعة من الأرض:
فإنها تسمى أرض الشقاوة، وهي سطح جهنم، خلقت من سفليات الطبيعة يسكنها الحيات والعفاريت وبعض زبانية جهنم.

دورة كرة هذه الأرض مسيرة سبعين ألف سنة وأربعمائة سنة واثنتين وأربعين سنة وأربعة أشهر.

وحياتها وعقاربها كأمثال الجبال و أعناق البخت، وهي ملحقة بجهنم نعوذ بالله منها..

أسكن الله هذه الأشياء في هذه الأرض لتكون أنموذجا في الدنيا لما في جهنم من عذابه.

كما أسكن طائفة مثل سكان الجنة على الفلك المكوكب ليكون أنموذجا في الدنيا لما في الجنة من نعيمه، ونظير ذلك في مخيلة الإنسان.

وما في الجانب الأيسر منها من الصور الممثلة هو نسخة هذه الأرض، وما في الجانب الأيمن منها هو نسخة ما في الفلك الأطلس من الحور وأمثاله.

كل ذلك لتقوم حجته على خلقه، لأنه تعالى لو لم يجعل في هذه الدار شيئا من الجنة والنار لكانت العقول لا تهتدي إلى معرفتها لعدم المناسبة فلا يلزمها الإيمان بها.

فجعل الحق تعالى في هذه الدار هذه الأشياء من الجنة والنار لتكون مرقاة للعقول إلى معرفة ما أخبر به الحق تعالى به من نعيم الجنة وعذاب النار. فافهم ما أشرنا إليه ولا تقف مع ظاهر اللفظ.

ولا تنحصر بباطن معناه، بل تحقق بما أشار باطنه إليه وتيقن بما ذلك ظاهره علیه فإن لكل ظاهر باطنا، ولكل حق حقيقة، والرجل من استمع القول فاتبع أحسنه، جعلنا الله وإياكم ممن تذكروا فإذا هم مبصرون.

ثم اعلم أن أطباق الأرض إذا أخذت في الانتهاء دار الدور عليها في الصعود.

كما أن أهل النار إذا استوفوا ما كتب عليهم وخرجوا لا يخرجون إلا إلى مثل ما ينتهي إليه حال أهل الجنة من كريم المشاهدة والتحقق بتحقق المطالعة إلى أنوار العظمة الإلهية.

فكما أن الماء أول فلك قبل ذلك التراب، كذلك هو أول فلك بعد فلك التراب، ثم الهواء بعده، ثم النار، ثم القمر، ثم كل فلك على الترتيب المذكور إلى فلك الأفلاك، وإلى أن ينتهي إلى العرش المحيط.

واعلم أن البحار السبعة المحيطة أصلها بحران، لأن الحق سبحانه وتعالى لما نظر إلى الدرة البيضاء التي صارت ماء.

فما كان مقابلا في علم الله تعالى لنظر الهيبة والعظمة والكبرياء، فإنه لشدة الهيبة صار طعمه مالحة زعافا.

وما كان مقابلا في علم الله تعالى لنظر اللطف والرحمة صار طعمه عذبا.

وقدم الله ذكر العذب في قوله تعالى: "هذا عذب فرات سائغ شرابه، وهذا ملح أجاج " لسر سبق الرحمة الغضب.

فلهذا كان الأصل بحرین عذب ومالح.

فبرز من العذب جدول إلى جانب المشرق منه واختلط بنبات الأرض فنبتت رائحته فصار بحرة على حدته، ثم خرج منه أي

العذب من جدول مما يلي جانب المغرب، فقرب من البحر المالح المحيط فامتزج طعمه فصار ممتزجة وهو بحر على حدته.

وأما البحر المالح فخرجت منه ثلاث جداول:
جدول أقام وسط الأرض فبقي على طعمه الأول مالحة ولم يتغير فهو بحر على حدته.

وجدول ذهب إلى اليمين، وهو الجانب الجنوبي، فغلب عليه طعم الأرض التي امتد إليها، فصار حامضة، وهو بحر على حدته.

وجدول ذهب إلى الشام، وهو الجانب الشمالي فغلب عليه طعم الأرض التي امتد فيها فصار مرة زعافة وهو بحر على حدته.

وأحاط بجبل قاف والأرض جميعها بما فيها لم يعرف له طعم يختص به ولكنه طيب الرائحة، لا يكاد من شمه أن يبقى على حالته بل يهلك من طيب رائحته.

وهذا هو البحر المحيط الذي لا يسمع له غطيط، فافهم هذه الإشارات واعرف ما تضمنته هذه العبارات.

وها أنا أفصل لك هذا الإجمال وأودعه من أسرار الله غريب الأقوال.

أما البحر العذب :
فهو طيب المشرب وسهل المركب منتقل الخاص والعام ومتعلق الأفكار والأفهام، يغترف منه القريب والبعيد، ويقترف منه الضعيف والشديد.

به يستقیم قسطاس الأبدان ويقوم في الحكم ناموس الأبدان، أبيض اللون شفاف الكون.

يسرع في منافذه الطفل والمحتلم، ويرتع في موائده الطالب والمغتنم، حيتانه سهلة الانقياد قريبة الاصطياد، خلقت من نور تعظیم الاحترام.

الحلال فيه بين من الحرام، وبها ارتبط الحكم الظاهر، وبها أصلح أمر الأول والآخر، كثيرة السفر قليلة الخطر.

قل أن تنعطب مراكبها أو يغرق من موجها راكبها، هي سبيل الهارب إلى نجاته وطريق الطالب إلى أمنياته.

يستخرج منها لآلىء الإشارات من أصداف العبارات، ويظهر منها مرجانة الحكم في شباك الكلام.

مراكبها منقولة ومراسيها معلومة لا مجهولة، قريبة القعر بعيدة الغور، سكانها أهل الملل المختلفة والنحل المؤتلفة.

رؤساؤها المسلمون وحكامها الفقهاء العاملون قد وكل الله ملائكة النعيم بحفظها، وجعلهم أهل بسطها وقبضها.

ولها أربعة فروع مشتهرة وأربعون ألف فرع مندثرة.

فالفروع المشتهرة الفرات والنيل وسيحون وجيحون.

والمندثرة فأكثرها بأرض الهند والتركمان وفي الحبشة منها فرعان.

دورة محيط هذه الأبحر مسيرة أربع وعشرين سنة وهي متشعبة في أقطار الأرض ومتفرعة في طولها والعرض.

يتشعب منها فرعان الأول بإرم ذات العماد، والآخر بنعمان.

فأما الذي أخذ في العرض وبين من ملابسة الأرض، فهو العامر للديار والأعمال والظاهر بين أيدي السفرة والعمال.
وأما الذي أخذ في طول الالتحاد وسكن إرم ذات العماد، فهو البحر الممزوج ذو الدر الممزوج.

فافهم هذه الإشارات وأعرف هذه العبارات فليس الأمر على ظاهره والله محيط بأول الأمر وآخره.

وأما البحر النتن فهو الصعب المسالك القريب المهالك.

هو طرق السالكين ومنهج السائرين، يروم المرور كل أحد عليه ولا يصل إلا العباد إليه.

لونه أشهب وكونه أغرب، أمواجه بأنواع البر طافحة وأرباحه بأنصاف الفضائل غادية ورائحة، حيتانه کالبغال والجمال تحمل الكل وأعباء الأثقال إلى بلد الدر الأنفس ولم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس.

لكنهم صعاب الانقياد لا يصادون إلا بالجد والاجتهاد، لا يعبر مراكبهم الباهرة إلا أهل العزائم القاهرة.

تهب رياحها من جانب الشرق الواضح فتسير بأفلاكها إلى ساحل البحر الناجح، أهلها صادقون في الأفعال مؤمنون في الأقوال والأحوال، سكانها العباد والصالحون والزهاد.

يستخرج من هذا البحر درر البقاء ومراجين النقاء، يتحلى بها من تطهر وتزکی وتخلق وتحقق وتجلى، قد وكل الله ملائكة العذاب بحفظ هذا البحر العجاب.
دور محیط هذا البحر مسيرة خمسة آلاف سنة.

وقد أخذ سردة في العرض غير ممتد في الأرض وأما البحر الممزوج ذو الدر الممزوج، لونه أصفر أمواجه معقودة كالصخر الأحمر، لا يقدر کل على شربه ولا يطيق كل أحد أن يسير فيه سرب.

هو بحر ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، صعب المسالك كثير العطب والمهالك.

لا يسلم فيه إلا آحاد المؤمنين ولا يحكم أمره إلا أفراد المعتقدين.

وكل من ركب في فلكه من الكفار فإنه يئول به إلى الغرق والانكسار، وأكثر مراكب المسلمين تتبعها قروش هذا البحر المعين، لا يعمر مراكبه إلا أهل العقول الراقية المؤيدة بالنقول الشافية.

وأما من سواهم فإنه يستكثر الغرامة ويطلب الفائدة في الإقامة، حيتان هذا البحر كثيرة العلل عظيمة الحيل، لا تصاد إلا بشباك الإبريسم يقينا ولا يتولى ذلك إلا رجال كانوا مؤمنين.

يستخرج منه اللؤلؤ لاهوتي المحتل ومرجان ناسوتي المشهد، وفوائد هذا البحر لا يحصى عددها ولا يعرف أمدها.

وعطبه شديد الخسران مؤثر في الأبدان والأديان.

سكان هذا البحر أهل الصديقية الصغرى، والحاملون لغذاء أهل الصديقية الكبرى، رأيت سكان هذا البحر سليمي الاعتقاد سالمين بحسن الظن من فتن الانقياد.

قد وكل الله ملائكة التسخير بحفظ هذا البحر الغزير، هم أهل إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد.

وهذا البحر يضرب موجه على ساحل هذه البلدة القريبة وينتفع أهلها بحيتانه العجيبة.

قطر محیط هذا البحر مسيرة سبعة آلاف سنة، وقد يقطعها المسافر في مثل السنة، متفرعة في طول الدار غامرة الجواب منها والعمار.
وأما البحر المالح فهو المحيط العام والدائر التام، ذو اللون الأزرق والغور الأعمق، يموت عطشا من شرب من مائه ويهلك فناء.

هبت رياح الأزل في مغاربه فتصادمت الأمواج في جوانبه، فلا يسلم فيه السابح ولا يهتدي فيه الغادي والرائح، إلا إذا أيدته أيادي التوفيق.

فعادت سفينته شرعا في ذلك البحر العميق، مراكبه لا تسير إلا في الأسحار و أرياحه لا تهب إلا جملة من اليمين واليسار.

سفينته من ألواح الناموس معمورة و بمسامير القاموس مسمورة، ضلت الأفكار في طريقه وحارت الألباب في عميقه، مراكبه كثيرة العطب سريعة الهلاك والنصب.

لا يسلم فيه إلا الآحاد ولا ينجو من مهالكه إلا الأفراد، قروش هذا البحر تبتلع المراكب والراكب وتستهلك المقيم والذاهب.

 يجد المسافر فيه على كل مسلك ألف ألف مهلك.

ينبههم الحرام فيه بالحلال ويختلط المنشأ فيه بالمال، ليس لقعره انتهاء ولا لآخره ابتداء.

لا يقدر على الخوض فيه إلا أهل العزائم الوافية ولا يتناول من دره إلا أهل الهمم العالية.

أمره مبني على حقيقة المحصول متأسس عليه الفروع والأصول، أمواجه متلاطمة ودفقاته متصادمة وأهواله متعاظمة وسحائب غيثه متراكمة.

ليس لأهله دلیل غير الكواكب الزاهرات ولا مرسى لمراكبه غير التيه في الظلمات.

حيتانه على هيئة سائر المخلوقات وهوامه بأنواع السموم نافثات.

 خلق الله تعالى حشرات هذا البحر من نور اسمه القادر وجعلها حقيقة حكمة الأمر الظاهر، يستخرج الغواص من هذا البحر إذا سلم من مده والجزر، يتيمات الدرر في أصداف الخفر.

جعل الله سكانه من الملأ الأعلى طائفة لهم اليد الطولى ووكل بحفظهم ملائكة الإيحاء.

اعلم أنه لما نظر الله تعالى في القدم إلى الياقوتة الموجودة في العدم، كان لهذا البحر نور ذلك الياقوت وبهجته.

وكان العذب من جداوله وصورته وهيئته، فلما صارت الياقوتة ماء صار البحران ظلمة وضياء.

فلما مرج البحرين يلتقيان جعل الله بينهما ماء الحياة برزخ لا يبغيان، وهذا الماء في مجمع البحرين وملتقى الحكمين والأمرين.

وهو عين يتبع جارية في جانب المغرب عند البلد المسمى بالأزل المغرب، فمن خاصية هذا البحر المعين الذي خلقه الله في مجمع البحرین أن من شرب منه لا يموت ومن سبح فيه أكل من كبد البهموت.

والبهموت حوت في البحر المالح هذا المذكور أولا، جعله الله الحامل للدنيا وما فيها.

فإن الله تعالى لما بسط الأرض جعلها على قرني ثور يسمى البرهوت وجعل الثور على ظهر حوت في هذا البحر يسمى البهموت.

وهو الذي أشار إليه الحق تعالى بقوله:"وما تحت الثرى ".آية 6 سورة طه.
ومجمع البحرين هذا هو الذي اجتمع فيه موسى عليه السلام بالخضر على شاطئه، لأن الله تعالى كان قد وعده بأن يجتمع بعبد من عباده على مجمع البحرين.

فلما ذهب موسى وفتاه حاملا لغذائه ووصلا إلى مجمع البحرين لم يعرفه موسى عليه السلام إلا بالحوت الذي نسية الفتى على الصخرة وكان البحر مدة فلما جزر بلغ الماء إلى الصخرة فصارت حقيقة الحياة في الحوت، فاتخذ سبيله في البحر سربا.

فعجب موسى من حياة حوت ميت قد طبخ على النار، وهذا الفتى اسمه يوشع بن نون، وهو أكبر من موسى عليه السلام في السن بسنة شمسية وقصتهما مشهورة.

وقد فصلت ذلك في رسالتنا الموسومة بـ"مسامرة الحبيب ومسايرة الصحيب" فليتأمل فيه.

سافر الإسكندر ليشرب من هذا الماء اعتمادا على كلام أفلاطون أن من شرب من ماء الحياة فإنه لا يموت.

لأن أفلاطون كان قد بلغ هذا المحل وشرب من هذا البحر فهو باق إلى يومنا هذا في جبل يسمى دراوند.

وكان أرسطو تلميذ أفلاطون وهو أستاذ الإسكندر صحب الإسكندر في مسيره إلى مجمع البحرين.

فلما وصل إلى أرض الظلمات ساروا وتبعهم نفر من العسكر وأقام الباقون بمدينة تسمى ثبت "برفع الثاء المثلثة والباء الموحدة وإسكان التاء المثناة من فوق " وهو حد ما تطلع الشمس عليه.

وكان في جملة من صحب الإسكندر من عسكره الخضر عليه السلام، فساروا مدة لا يعلمون عددها ولا يدركون أمدها وهم على ساحل البحر.

وكلما نزلوا منزلا شربوا من الماء، فلما ملوا من طول السفر أخذوا في الرجوع إلى حيث أقام المعسكر، وقد كانوا مروا بمجمع البحرين على طريقهم من غير أن يشعروا به.

فما أقاموا عنده ولا نزلوا به لعدم العلامة، وكان الخضر عليه السلام قد ألهم بأن أخذ طيرة فذبحه وربطه على ساقه.

فكان يمشي ورجله في الماء، فلما بلغ هذا المحل انتعش الطير واضطرب عليه، فأقام عنده وشرب من ذلك الماء واغتسل منه وسبح فيه فكتمه عن الإسكندر وكتم أمره إلى أن خرج.

فلما نظر أرسطو إلى الخضر عليه السلام علم أنه قد نال من دونهم بذلك، فلزم خدمته إلى أن مات، واستفاد من الخضر هو والإسكندر علوما جمة.

اعلم أن عين الحياة مظهر الحقيقة الذاتية من هذا الوجود .

فافهم هذه الإشارات وفك رموز هذه العبارات ولا تطلب الأمر إلا من عينك بعد خروجك من إنيتك.

 لعلك تفوز بدرجة "أحياء عند ربهم يرزقون". آية 169 سورة آل عمران.
ويسمح لك الوقت بأن تصير من حزبهم فتكون المراد بموسى و خضره، و بالإسكندر والظلمات ونهره.

واعلم أن الخضر عليه السلام قد مضى ذكره فيما تقدم، خلقه الله تعالى من حقيقة "ونفخت فيه من روحي ". آية 72 سورة ص .  فهو روح الله.

 فلهذا عاش إلى يوم القيامة اجتمعت به وسألته، ومنه أروى جميع ما في هذا البحر المحيط.

وأعلم أن هذا البحر المحيط المذكور، وما كان منه منفصلا عن جبل " ق " مما يلي الدنيا فهو مالح وهو البحر المذكور.

وما كان منه متصلا بالجبل فهو وراء المالح، فإنه البحر الأحمر الطيب الرائحة، وما كان من وراء جبل " ق" متصلا بالجبل الأسود فإنه البحر الأخضر وهو من الطعم كالسم القاتل، ومن شرب منه قطرة هلك، وفنی لوقته.

وما كان منه وراء الجبل بحكم الانفصال والحيطة والشمول بجميع الموجودات فهو البحر الأسود الذي لا يعلم له طعم ولا ريح، ولا يبلغه أحد، بل وقع به الإخبار، فعلم وانقطع عن الآثار فكتم.

وأما البحر الأحمر الذي نشره كالمسك الأذفر فإنه يعرف بالبحر الأسمى ذي الموج الأنمي، رأيت على ساحل هذا البحر رجالا مؤمنين، ليس لهم عبادة إلا تقریب الخلق إلى الحق، قد جبلوا على ذلك.

 فمن عاشرهم أو صاحبهم عرف الله بقدر معاشرتهم، وتقرب إلى الله بقدر  مسايرتهم، وجوههم كالشمس الطالع والبرق اللامع، يستضيء بهم الحائر في تيهات القفار، ويهتدي بهم التائه في غيابات البحار.

إذا أرادوا السفر في هذا البحر نصبوا شركا الحيتانه، فإذا اصطادوها ركبوا عليها، لأن مراكب هذا البحر حيتانه، ومكتسبه لؤلؤه ومرجانه.

ولكنهم عندما يستووا على ظهر هذا الحوت ينتعشون بطيب رائحة البحر فيغمى عليهم، فلا يفيقون إلى أنفسهم، ولا يرجعون إلى محسوسهم ما داموا راكبين في هذا البحر.

فتسير بهم الحيتان إلى أن يأخذوا حدها من الساحل، فتقذف بهم في منزل من تلك المنازل.

فإذا وصلوا إلى البر وخرجوا من ذلك البحر، رجعت إليهم عقولهم، وبان لهم محصولهم، فيظفرون بعجائب وغرائب لا تحصر، أقل ما يعبر عنها: ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

واعلم أن أمواج هذا البحر كل موجة منها تملأ ما بين السماء والأرض ألف ألف مرة إلى ما لا ينتهي.

ولولا أن عالم القدرة يسع هذا البحر لما كان يوجد في الوجود بأسره، وكل الله الملائكة الكروبيين بحفظ هذا البحر، فهم واقفون على شاطئه، لا يستقر بهم قرار في وسطه، وليس في هذا البحر من السكان سوی دوابه والحيتان.
وأما البحر الأخضر، فإنه مر المذاق، معدن الهلاك والإغراق، يوصف عند العلماء به بخير الصفات، ويوسم عند عارفيه بأحسن السمات، ليس فيه حوت ومن يركبه يموت.

رأيته وعلى ساحله مدينة مطمئنة أمينة، هي المدينة التي وصل إليها الخضر وموسى "فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما". آية 77 سورة الكهف.

وذلك لأنهما لبسا ثياب الفقراء، وتلك البلدة لا يمكن أن يأكل طعامها إلا الملوك والأمراء.

ثم إني رأيت أهلها مشغوفين بركوب هذا البحر، ومتعلقين بحب هذا الأمر، حتى أنهم يجتمعون في رأس كل سنة، وهو يوم عيدهم.

فيركبون على نجائب متلونة بكل لون، فأخضر وأحمر وأصفر وغير ذلك، ويشدون نفوسهم عليها، ويربطون عصابة على أعين النجب، ثم يقربونها إلى جانب البحر، فمن سار به نجيبه إلى البحر هلك هو والنجيب.

ومن أخذ به مركبه عن البحر صفحة فإنه يرجع حيا، ولكنه في نفسه كالخائب والمردود، وكالمهجور والمطرود.

فلا يزال يقتني نجيبة آخر ويربيه ويطعمه إلى دور السنة، ثم يفعل ما فعل في العام السابق إلى أن يتوفر في البحر تعشقا منهم للبحر، كما تتعشق الفراشة بنور السراج.

فلا تزال تلقي بنفسها فيه إلى أن تفنى وتهلك فيه.
وأما البحر السابع فهو الأسود القاطع، لا يعرف سكانه، ولا يعلم حيتانه، فهو مستحيل الوصول غير ممكن الحصول، لأنه وراء الأطوار وآخر الأكوار والأدوار، لا نهاية لعجائبه ولا آخر لغرائبه.

 قصر عنه المدى فطال، وزاد على العجائب حتی كأنه المحال.

فهو بحر الذات الذي حارت دونه الصفات، وهو المعدوم والموجود والموسوم والمفقود والمعلوم والمجهول والمحكوم والمنقول والمحتوم والمعقول.

وجوده فقدانه، وفقده وجدانه، أوله محيط بآخره، وباطنه مستور على ظاهره، لا يدرك ما فيه، ولا يعلمه أحد فيستوفيه، فلنقبض العنان عن الخوض فيه والبيان.

 والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وعليه التكلان.


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!