موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

لوامع البرق الموهن

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


الباب الثامن: في ذكر تجلي الكمال المطلق لوجود الحق من القلب

قال رسول الله ، صلى الله علیه وسلم ، حاکیا عن ربه عز وجل قال تعالى:

 " ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ".

والمحققون ذهبوا إلى أنه:  وسع حقيقي من غير حلول ولا تكييف .

 وسوف أبين لك ، حقيقة ذلك .

قد علمت ، ايدك الله بالفهم ، أن العبد المؤمن بالله ، لا بد له من العلم بأن ثم موجودا واجب الوجود بالذات ، غير مستند إلى غيره ، وله من الكمالات ما اقتضته صفات الألوهية ، كما أخبر عن نفسه، أو أخبر عنه المخبر الصادق ، واقتضاه العقل بالدليل للواجب بالذات .

 ولا شك أن هذا العلم موجود لك في قلبك ، إذ لا خلاف أن معلوم مغايرا للواجب ، هذا محال ، قد نفاه العقل ، والنقل .

 فيتعيّن أن الموجود في علمك ، يطعن ذلك في أحديته، فقد صح في الحديث عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن الرجل في الجنة ، يتمتع في سبعين قصرا ، بسبعين حورية ، في الزمان الواحد .

فإذا جاز في المخلوق المحصور ، كيف يستحيل على الخالق الواسع، المخبر عن نفسه بقوله تعالى : " وهو معكم أينما كنتم".

وقد بينا لك فيما مضى ، أن هذه المعيّة ذاتية ، وظهر لك ما كشفناه ، أن هذا الوسع ذاتي ، وإياك أن تعتقد أن المعية بالممازجة .

 أو الوسع بالحلول،  تعالی الله عن ذلك .

 فإن من أوصافه أن يكون منزها عن الحلول والممازجة ، والمماسة والاتحاد . وبذلك عرفته أنت وأنا ، وعلى تلك الحالة وحدته في يُشكل عليك أن ما تعلمه بصفات الله وتجلياته ، من عدم النهاية .

 فتقول : كيف يمكن وجودها في علمي ،وهي نهاية لها ،وعلمي محدود ومحصور؟

هذه منزلة شيطانية ، يريد الشيطان أن يرفع بها عقلك ، فلا تغفل عنه ، وانظر ،و تحقق وتأمل .

إن كنت قد علمته بأنه لا نهاية له، فقد ظهر في علمك ، على ما  هو عليه، من عدم النهاية، وليس علمك هو المقصود لعدم النهاية، وذلك موجود لك في علمك.

وسر هذا كله أنت ، وكأنهم إنما عبروا به عنك فدلوك عليك من حيث زعمت.

أن المدلول غيرك ، فشهدت نفسك بنفسك ، وأقرنت له الكمال الذي شهدته به ، وإنما أقرنت به لنفسك .

أما تراك لا تجد فى علمك سواك ، ولو فهمته لغيرك ؟

فجميع الكمالات الإلهية التي تنسبها إليه، لا بد لك من وجود أعيانها، في علمك تتعقلها ، وتنسبها إليه .

 وتلك الكمالات هي عين تلك الأعيان ، الموجودة فى علمك ، الموجودة في قلبك.

 وليس علمك إلا عين ذاتك ، إذ لا تغاير بين الصفة والذات ، ولم يحل في علمك سواك .

فاعلم من معلومك ، ومن العالم ، تعرف نفسك ..

  وإذا عرفت ذلك ، عرفت ربك.

 فقد قال صلى الله عليه وسلم : "من عرف نفسه ، عرف ربه" .

ولنكتفي بهذه المقالة ، آخر الرسالة ، والله الموفق للصواب. وإليه المرجع والمآب . وصلى الله علی سیدنا محمد، و علی آله وصحبه ، وسلم.


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!