موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المناظر الإلهية

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


*****المنظر الخامس والأربعون منظر التزندق

يتجلى الحق تعالى على الولي بتجل مخصوص، يظهر أثره عليه، بحكم الغلبة. فيزندقه كل من يراه، أو يسمع به، أو يعلمه في تلك الحالة.

ومن ثم قال الجنيد: (لا يكون الصديق صديقا، حتى يشهد له في حقه سبعون صديقا، أنه زنديق).

فهم يشهدون على ظاهره بما ظهر من حاله. لأن الصديق بعطى الظاهر حكم الظاهر، ويعطي الباطن حكم الباطن، فلا يتلبسون بالباطن على الظاهر، ولا بالظاهر على الباطن.

فهم يشهدون أنه زنديق ظاهرا، كما يعلمون أنه صديق باطنا، لتحققهم بذلك الحال في نفوسهم.

ومن ثم قيل للفقيه حسن بن أبي السرور: "لو كشفنا للخلق عنك لرجموك ! "

فقال: "ولو كشفت لهم عن رحمتك لما عبدوك.."

فقيل له: "یا حسن ! لا تقول، ولا نقول.."

يريد بقوله: « لو كشفت لهم عن رحمتك » إظهار سر الربوبية.

القول سهل بن عبد الله، أن: "الربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية"

والمراد بقوله: " لو كشفنا للخلق عنك لرجموك "

هو إظهار حقيقة ما هو عليه قلب الولي. فإن الخلق لو عرفوا الولي بذلك لرجموه، وزندقوه، وكفروه.

ومن ثم قال زين العابدين شعرا:

يارب جوهر علم لو ابوح به …… لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا

ولا ستحل رجال مسلمون دمي ….. يرون أقبح ما يأتونه حسن

آفة هذا المنظر:

أن من ظهر عليه، بحكم الغلبة أثر ما تجلی به الحق عليه باطنا، فهو ضعيف، غير متمكن.

لأن القوى لا يغلبه غالب، والمتمكن منصرف بالاختيار.

فمن ظهر عليه الأثر بحكم الغلبة، فهو محجوب، والمحجوب ناقص عن درجة الكمال.

أورد ابن عربی هذا القول بصيغة مختلفة:

« قال الجنيد: لا يبلغ الحد درج الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صديق بأنه زنديق ». انظر: الفتوحات، د ۳، ص ۲۶۷ - ۲۶۸.

والصديق: « هو الكثير الصدق، كما يقال: سكيت وصريع إذا كثر منه ذلك. والصديق من الناس من كان كاملا في تصديقه لما جاءت به رسل الله علما وعملا، قولا وفعلا، ول يعلو على مقام الصديقية إلا مقام النبوة، بحيث انه من تخطى مقام الصديقية حصل في مقام النبوة.

قال تعالى: ( فأولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) فلم يجعل سبحانه وتعالى بين مرتبتي النبوة والصديقية مرتبة أخرى يتخللهما.

وإليه الإشارة بقوله عليه السلام: ( كنت أنا وأبو بكر كفرسي رهان، فلو سبقني لآمنت به، ولكن سبقته فآمن بي )... » انظر: لطائف الأعلام، مادة صديق، وكذلك اصطلاحات الصوفية، والكمشخانوی، نفس المادة.

وسواء كان حسن او حسين بن أبي السرور، فإننا لم نعثر له على ترجمة.

ومن الواضح أنه صوفي يمنی، معاصر الجيلى أو سابق له.

وقد اعتادت المصادر اليمنية التي تترجم للصوفية، على إطلاق لقب الفقيه على كل منهم، والجيلى يسير على نفس المنهج: انظر: القسم الأول من دراستنا ( عبد الكريم الجيلي ومكانته في الفكر الإسلامي الصوفي )•

"الربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية" هذه العبارة المنسوبة لسهل التستري وردت في العديد من المصادر الصوفية بصيغ مختلفة.

ولكن الجيلى هنا بنقل عن مدرسة ابن عربی: فيذكر الكاشاني أن: «سر الربوبية: هو م أشار إليه سهل، رحمة الله عليه.

بقوله:" أن للربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية ".

سر الربوبية: هو ما أشار إليه سهل بن عبد اللَّه، بقوله: إن للربوبية سرا، لو ظهر لبطلت الربوبية، ومعناه أن المربوب لما كان هو الذى يبقى على الرب ربوبيته، لكون الربوبية نسبة بين الرب والممكن "العبد - المخلوق"، فلو ظهر هذا السر للخلق لبطل عندهم ما يترتب عليه الربوبية.

لطائف الأعلام، مادة « سر الربوبية ». وانظر نفس المادة في: اصطلاحات الصوفية، ولاحظ التعقيب الوافي لسعادة المحقق الدكتور كمال جعفر، حيث تتبع نص التستري في (قوت القلوب) لأبي طالب المكي، و (الكهف والرقيم) للجيلي، و ( كشاف ) التهانوی، و ( طبقات ) الشعراني، وفي ( فتوحات ) ابن عربی، و ( فصوصه )، وفي دراسة للمحقق

الأبيات الشعرية للإمام على بن الحسين زين العابدين. توفي علم 14 هـ.

وقد أورد ابن عربي هذه الأبيات في ( الفتوحات ) منسوبة مرة لزين العابدين، ج ۳ ص ۲۶۹ فق ۲۱۸ ب. ومنسوبة مرة أخرى للشريف الرضي.


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!