موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المناظر الإلهية

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


*****المنظر الرابع والأربعون مظهر التصوف

الصوفي: من صفا من كدورات البشرية، بأسماء الحق، وصفاته ،وذاته، فهو مصفی مما سوى الحق تعالى.

ولهذا قال بعض المتقدمين من مشايخ العجم: "الصوفي هو الله ".

يريد ان مجلي الحق تعالى على قلب الصوفي، من حيث الألوهية، لا من حيث ما تحتها من الأسماء، فهو أعلى تجليات الحق، فيما يمنحه عباده.

ولقد روى لي من أثق بروايته، "في رؤيا له" عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( الصوفي هو الله ).

قلت: لعله اسم کالولی، يقع على الله، ويقع على العبد.

ومن ثم قال شيخنا: ( التصوف كله خلق )، يعني الأخلاق الالهية.

فالتصوف هو التخلق بها.

آفة هذا المنظر:

هو أن التخلق والاتصاف تحصل، ولا يكون إلا للغير، في صفات الغير، وهذا حجاب.

الله الحق: ويلاحظ أن تعريف الجيلي للصوفي يتفق في صدره مع العديد من التعريفات التقليدية. اما عجز تعريف الجيلي فهو جديد في هذا الميدان، لأنه يستخدم فيه « أسماء الحق وصفاته وذاته »،

وإن كان في النهاية يتفق مع عموم المعنى في التعريفات التقليدية.

ومن هذه التعريفات تعريف بشر الحافي: « التصوف من صفا قلبه الله ».

وسهل التستري: « الصوفي من صفا من الكدر، وامتلأ من الفكر، وانقطع إلى الله من البشر، واستوى عنده الذهب والمدر ».

وأبي الحسين النوري: « الصوفية قوم صفت قلوبهم من كدورات البشرية، وآفات النفوس، وتحرروا من شهواتهم حتى صاروا في الصف الأول والدرجة العليا مع الحق. فلما تركوا كل ما سوی الحق صاروا لا مالكين ولا مملوكين ».

والجنيد البغدادي « التصوف، أن يختص الله بالصفاء فمن اصطفى من كل ما سوى الله، فهو الصوفي »

والجنيد كذلك: « الصوفية قائمون بالله لا يعلمهم إلا هو ». وهكذا. انظر. د. أبو العلا عفيفي، في التصوف الإسلامي وتاريخه، مجموعة بلاجون مترجمة عن الإنكليزية للمستشرق الانجليزى نیکولسون، ص ۲۹، ۳۰، ۳۱، ۳۳ ونلاحظ في التعريف الأول للجنيد قربه من عجز تعريف الجيلى.

ومثله التعريف الذي نقله السراج الطوسي عن أحد الصوفية، وهو « معنى الصوفي: أن العبد اذا تحقق بالعبودية، وصافاه الحق حتى صفا من كدر البشرية، نزل منازل الحقيقة، وقارن أحكام الشريعة، فإذا فعل ذلك فهو صوفي، لأنه قد صوفی ». اللمع، ص ۶۷.

ويبقى للجيلي فضل استخدام اسماء الله وصفاته وذاته.

لا وجود لهذا الحديث بالطبع وانه "في رؤيا له"، لأن مصطلح " صوفي " لم يكن موجودا، بالمعنى المتعارف عليه، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

هذا التخريج للاسم ( الله ) هو تخريج متعسف للجيلي لا يشاركه فيه أحد من اهل السنة.

فيقول الإمام الغزالي: " معاني سائر الأسماء يتصور أن يتصف العبد بثبوت منها، حتى ينطلق عليه الاسم كالرحيم والعليم.... الخ، وإن كان اطلاق الاسم عليه على وجه آخر يباين اطلاقه على الله. وأما معنى هذا الاسم الله فخاص خصوصا لا يتصور فيه مشاركة لا بالمجاز، ولا بالحقيقة ». انظر: المقصد الأسنى، ص 48.

ولا يبتعد القشيري عما قاله الغزالي، وهو يقول:

«... ولم يسم به ای الاسم الله غيره تعالى وتقدس، ولهذا قال بعض المشايخ: كل اسم من اسمائه يصلح للتخلق به الا هذا الاسم فانه للتعلق دون التخلق ». انظر: التحبير في التذكير، ص ۲۰

۰ وتعبير الغزالی تعبير مبسط عما عبر عنه القشيري اصطلاحا بالتعلق والتخلق.

ويعرفنا الكاشاني بمدلول هذين الاصطلاحين فيقول: التخلق: هو معرفة معنى الاسم بالنسبة الى الحق، وبالنسبة إلى العبد ».

أما التعلق فهو:

« افتقار العبد إلى الاسم مطلقا، من حيث دلالته على الذات أقدس تعالی » انظر: لطائف الأعلام، مادة تخلق وتعلق، وهذا يعني أن التخلق هو مشاركة مجازية عن طريق المعرفة بالنسبة، أما التعلق فهو افتقار مطلق من جانب العبد الى دلالة الاسم على الذات، ای افتقار مطلق للمعرفة.

وإذا انتفت المعرفة، انتفى مجرد الاشتراك المجازي، كما يعني أن الاسم الله مقصور على الحق تعالى، وليس في وسع العبد التخلق به، ومن ثم فهو في افتقار مطلق اليه. وهذا تنزيه الذات، وهو ما لم ياخذ به الجيلي.

( التصوف كله خلق ):

هذا التعريف وارد وشائع في مصادر التصوف السني، وكذلك في مصادر مدرسة ابن عربی، بصيغ مختلفة: فيذكر ابو محمد الجريري، وقد سئل عن التصوف، فقال: « الدخول في كل خلق سنی، والخروج من كل خلق دني ».

وكذلك فعل محمد بن على القصاب، وهو استاذ الجنيد، حين سئل عن التصوف، فقال: " أخلاق كريمة، ظهرت في زمان کریم، من رجل كريم، مع قوم كرام". انظر: اللمع، ص 45.

وعن أبي حفص الحداد: « التصوف تمام الأدب ».

وعن أبي بكر الكتاني:

« التصوف خلق: فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الصفاء ». انظر: أبو العل عفيفي، المرجع السابق، ص ۲۹، ۳۰ •

ولدى الكاشاني، من مدرسة ابن عربی: « التصوف: هو التخلق بالأخلاق الالهية ».

انظر: اصطلاحات الصوفية، مادة تصوف. وانظر كذلك لطائف الأعلام، و الكمشخانوی، نفس المادة. ورغم ذلك، فان الجيلى قفز الى هذه النتيجة من مقدمة لا تؤدى الى ذلك، فهي متعسفة بدورها.


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!