موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المناظر الإلهية

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


*****المنظر الحادي والسبعون منظر الصراط المستقيم

الصراط المستقيم: هو صراط الله، الذي هو تنوعات تجليه في ذاته، لذاته.

فمن حصن في هذا الصراط، واستقام على علم كيفية الاتصاف بأسماء الله تعالى وصفاته، فيتنوع بتجلياتها في العالم، على حسب مقتضى الشأن.

آفة هذا المنظر:

ذلك الحصول في الصراط، وعلم تلك الكيفية، فإن صاحبها غني عن ذلك جميعه. لأن الله تعالى متجلی بما هو عليه، كما يريد، مما يقتضيه شانه الالهي في الوجود: فبسط ، وقبض.

وجمال ، وجلال ، وهيبة ، وانس، وعظمة، ولطف - كل ذلك من غير علة، ولا ضرورة، وحاجة.

بل الكمال الالهي يختص به تعالى، فسبحانه !

ما أعظم شأنه.

يعرف السراج الطوسي القبض والبسط بقوله: « حالان شريفان لأهل المعرفة، إذا قبضهم الحق احشمهم عن تناول القوام والمباحات والأكل والشرب والكلام. واذا بسطهم ردهم الى هذه الأشياء، وتولی حفظهم في ذلك.

فالقبض: حال رجل عارف، ليس فيه فضل لشيء غير معرفته.

والبسط: حال رجل عارف بسطه الحق، وتولى حفظه، حتى يتأدب الخلق به، قال الله تعالى: ( والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ).

وقال الجنيد، رحمه الله في معنى القبض والبسط:

يعنی الخوف والرجاء، فالرجاء يبسط الى الطاعة، والخوف يقبض عن المعصية... » انظر اللمع، ص 419 - 420.

على أن القشیری بری رأيا آخر غير رای الجنيد، وذلك حين يعرفها بقوله: « وهما حالتان بعد ترقی العبد عن حالة الخوف والرجاء.

فالقبض للعارف: بمنزلة وجمال الخوف للمستأنف.

والبسط للعارف: بمنزلة الرجاء المستأنف.

ومن الفصل بين القبض والخوف، والبسط والرجاء: أن الخوف إنما يكون من شیء في المستقبل، إما أن يخاف فوت محبوب، أو هجوم محذور.

وكذلك الرجاء، إنما يكون بتاميل محبوب في المستقبل، أو بتطلع زوال محذور، وكفاية مكروه في المستأنف.

وأما القبض: فلمعنی حاصل في الوقت..

وكذلك البسط: فصاحب الخوف والرجاء، تعلق قلبه في حالتيه بأجله.

وصاحب القبض والبسط أخذ وقته بوارد غلب عليه في عاجله.

ثم تتفاوت نعوتهم، في القبض والبسط على حسب تفاوتهم في أحوالهم... » انظر: الرسالة، ص 35.

أما الكاشاني من مدرسة ابن عربی فيستدل بالعارف وبالمستانف - لدى القشيري - القلب والنفس والحق.

فيقول: « البسط: في مقام القلب بمثابة الرجاء في مقام النفس. وهو وارد يقتضيه اشارة الى قبول ولطف ورحمة وأنس، ويقابله وارد القبض كالخوف في مقابلة الرجاء في مقام النفس.

والبسط في مقام الحق: هو ان يبسط الله العبد مع الخلف ظاهرا، و يقبضه الله إليه باطنا، رحمة للخلق، وهو يسع الأشياء، ولا يسعه شیء، ويؤثر في كل شيء، ولا يؤثر فيه شيء ».

انظر: اصطلاحات، مادة البسط.

على حين أن القبض بالله « هو اخذ القلب بوارد بشير الى ما يوحشه من الصد والهجران وأمثال ذلك... واكثرها يقع عقيب البسط، بسوء أدب يصدر من المسالك في حال البسط.

والفرق بينهما وبين الخوف والرجاء: ان تعلق الخوف والرجاء بالمكروه والمرغوب المتوقع في مقام النفس، والقبض والبسط إنما يتعلقان بالوقت الحاضر، لا تعلق لهم بالاجل ».

اصطلاحات، مادة قبض. وواضح أنه يأخذ في الاعتبار هنا رای القشيري. وانظر: لطائف الأعلام، وما أورده من تفاصيل كثيرة، وكذلك الكمشخانوی.

الجلال: هو احتجاب الحق تعالی عنا بعزته، أن نعرفه بحقيقته وهويته، كما يعرف هو ذاته. فان ذاته سبحانه، لا يراها الحد، على ما هي عليه، إلا هو ».

اصطلاحات، مادة جلال والجمال: « هو تجليه تعالی بوجهه لذاته. فلجماله المطلق جلال، هو قهاريته للكل عند تجليه بوجهه، فلم يبق احد حتى يراه، وهو علو الجمال. وله دنو يدنو به منا، وهو: ظهوره في الكل، كما قيل:

جمالك في كل الحقائق سافر وليس له الا جلالك س اتر

ولهذا الجمال جلال، هو احتجابه بتعينات الأكوان: فلكل جمال جلال، ووراء كل جلال جمال. ولما كان في الجلال ونعوته: معني الاحتجاب والعزة، لزمه العلو والقهر من الحضرة الالهية، والخضوع والهيبة منا. ولما كان في الجمال ونعوته: معنى الدنو والمسفور، الزمه اللطف والرحمة والعطف من الحضرة الالهية، والأنس منا ». اصطلاحات، مادة جمال. وانظر كذلك: الكمشخانوی، وتصويباته العديدة واضافانه لنص الاصطلاحات. وانظر كذلك: لطائف الأعلام، وما أورده من تفصيلات اضافية.

الهيبة والأنس، عرفهما القشیری بانهما: «... فوق القبض والبسط: فكما إن القبض فوق رتبة الخوف، والبسط فوق منزلة الرجاء - فالهيبة أعلى من القبض، والانس اتم من البسط.

وحق الهيبة: الغيبة، فكل هائب غائب، ثم الهائبون يتفاوتون في الهيبة على حسب تباينهم في الغيبة ۰۰۰

وحق الانس: صحو بحق، فكل مستأنس صاح، ثم يتباينون حسب تباينهم في الشرب. ولهذ قالوا: أدني محل الأنس: أنه لو طرح في لظى لم يتكدر عليه أنسه »..

الرسالة، ص 36، مادة هيبة وانس.


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!