موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المناظر الإلهية

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


*****المنظر الثاني والسبعون منظر العناية

سبقت العناية الإلهية للنوع الانساني بالكمال الرحماني، حيث قال: "إني جاعل في الأرض خليفة ".

ثم ورث الأبناء ما للآباء، بنص كتابه.

فكل فرد من أفراد النوع الإنساني خليفة الله في العالم، لأنه متصف بصفاته، وذاته من نور ذاته. فهذه هي الخلافة !

فأما نفوذ الأمر بالتصرف في الأكوان، فانما هو أثر الخلافة، لا عين الخلافة. والناس في تحصيل ظهور الأثر المذكور مختلفون، وفي ذلك يكون التفاوت هنا، وفي الدار الآخرة:

- فمنهم من ظهر أثرها عليه بأدنى سعی، وذلك هو السعيد المنعم، في طريق ظهور أثر خلافته.

- ومنهم من شقی، بأن تعب في ظهور أثرها، فلم تظهر عليه حتى يتعذب بأنواع العذاب، وصفة الخلق في هذا المعنى صفة ملوك الأرض.

- ومنهم من تحصل له المملكة. بغير تعب ولا نصب.

- ومنهم من يتعب اولا بأنواع التعب والافلام والفاقة، ثم يتعذب بأنواع الحروب، والضروب، وخوض المهالك، وضيق المسالك، حتى ينال الملك.

فالسعادة والشقاوة إنما هما باعتبار الطريق الذي يكون فيه الوصول الى الله تعالى، وإلا فسائر النوع الإنساني، من حيث الذات الإلهية وصفاتها، خلفاء الكمال، متصفون بانواع الجمال والجلال.

ومن ثم قيل: "من سبقت له العناية، لم تضره الجناية".

يعني: أن النوع الانساني المسبوق له بالعناية المشار إليها في قوله تعالى: "ونفخت فيه من روحي ".

وقوله تعالى:" ولقد کرمنا بني آدم ".

وقوله تعالى: " إني جاعل في الأرض خليفة ".

- لم تضره الجنايات، التي يتعذب بها في طريق وصوله، الذى خلقه الله تعالى مجبول عليه.

فإذا وصل، لم يجد، لما مضى من التعب، ألما.

قال الشاعر شعرا:

أن التجار اذا عادوا وقد ربحوا …… أنساهم الربح ما أعياهم السفر

آفة هذا المنظر:

ذلك الذهاب والرجوع، فإنه ما خرج منه حتى يدخل إليه، ولا انفصل عنه حتى يتصل، ول مضی حتى يرجع.

فرجوعه إنما هو إلى نفسه، وذهابه إنما هو فيها، ووصله إنما هو بذات نفسه. والكمال منزه عن مقتضيات هذه المعاني جميعها، فلا تحصل هذه الأشياء إلا عن حجاب، وترفعه العناية الإلهية لمن أهله الله تعالى للكمال، فيترقی عنها.

يعرفنا الكاشاني بالخليفة الكامل، فيقول: « من كمل من البشر كآكابر الأولياء وأولي العزم من الرسل، عليهم السلام، الذين من شأنهم الصبر والثبات في حاق الوسط، بين الخلق والحق، لياخذون المدد من الحق بلا واسطة، بل بحقيتهم، ويعطون الخلق بخلقيتهم.

فلا يميلون إلى طرف، فيهملون الطرف الآخر، كما هو عليه الحال فيمن غلبت عليه حقيته لاستهلاكه في نور الحق، أو لقيته بانحجابه بظلمة الخلق ».

أما الخليفة غير الكامل: « فهو خليفة الله بواسطة من هو تبع له من أولي العزم والخلفاء والكمل، وكل كامل خليفه لكامل ».

انظر: لطائف الإعلام. المادتين المذكورتين.

فالخليفة الكامل، إذن، هو من كان مدده بلا واسطة. وغير الكامل من كان مدده بواسطة.

ومن الواضح أن الجيلي يتجاهل هذا التصنيف، لأنه يجعل كل فرد من أفراد النوع الإنساني خليفة الله في العالم، ويبرر ذلك باتصاف الفرد بصفات الله، وانبثاق ذاته من نور ذات الله، وهذا تعميم خطير.

واخطر منه مزاوجته الايحائية بين ذلك، وبين ما ذكره من وراثة الأبناء ما الآباء.. فهو هنا يقيس الغائب على الشاهد دون تحفظ ما.


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!