موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مراتب الوجود

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


المرتبة السادسة: الربوبية

من مراتب الوجود هي الربوبية ، وفيها يتعين وجود العبودية ويظهر موقع الجلال والجمال لتأثير الهيبة والأنس ، وهي الحضرة الكمالية والمنصة العظموتية ، وهي المجلى الأقدس المحيط بالنظر القدسي والمشهد المقدس ، وإليها ترجع أسماء التنزيه وبها يختص التقديس ، وهي المعبر عنها بحضرة القدس ، ومن هذه الحضرة أرسلت الرسل وشرعت الشرائع وأنزلت الكتب وتعينت المجازات إما بالنعيم للمطيع وإما بالعذاب للعاصي ، وهي محتد الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، من حيث النبوة والرسالة لا من حيث حقائقهم ، ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لربه عز وجل : { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى } ، وقال موسى صلى الله عليه وسلم : { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } ، قال تعالى عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم { لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } فمرجع النبوة والرسالة إلى الربوبية ولها التعالي المطلق .ولهذا قال تعالى لموسى عليه السلام : لن تراني ؛ لأنه خاطبه في تجلي الربوبية ، فلو خاطبه في تجلي الرحمانية أو تجلي الألوهية أو الوحدانية لما كان يقع المنع أبداً ؛ لأن الرحمانية لها الوجود الساري وهي عين كل امرئ ، والألوهية لها الجمع فهي شيء وعين كل الأشياء ، والواحدية كذلك ، لكن لما خاطبه في تجلي الربوبية بقوله : { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } قيل له : لن تراني ، لأن الربوبية من شأنها التقديس والتعالي والتنزيه عن لحوق هذه الأشياء بها ، فطلب العبد من ربه رؤيته سوء أدب منه بالنظر إلى محل العبودية والربوبية لا بالنظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام ، فإنه أكمل الأدباء لكنها حضرة اقتضت أمور هذه الشؤون وجرى بها القدر على حسب الإرادة الإلهية . فافهم .ولهذا لما تجلى سبحانه وتعالى على الجبل بصفة الربوبية تدكدك الجبل وخر موسى صعقاً ، أي فانياً فلو تجلى عليه بصفة الرحمانية لأبقاه به ولم يتأثر الجبل . فافهم والله تعالى أعلم .


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!