موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مراتب الوجود

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


مطالعة كتب الحقيقة عند المحققين أفضل من أعمال السالكين

فأقول لك : إن المراتب المشار إليها بعلم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين ، التي ذكرنا عنها أنها منتهى فائدة الكتب لا يكاد أن يصل إليها ، بل ولا إلى أقلها باجتهاد العمر كله ، فإني قد رأيت صبياناً من أهل الطريق من إخواني بلغوا بمطالعة هذه الكتب في الأيام القليلة ما لم يبلغه رجال باجتهاد أربعين وخمسين سنة على أنهم قد كانوا سبباً لدخول أولئك الصبيان إلى الطريق ، ولكنهم لما وقفوا مع سلوكهم وسار أولئك الصبيان في مطالعة كتب الحقيقة وفهمها ، وتأخروا عن مداهم صار الصبيان شيوخاً في الحقيقة والشيوخ لهم صبياناً حتى أنشد منشد فقال :

وقد تبنيت آبائي على ثقة ........ ولا محالة أني وجه كل أب

وهذا البيت لرجل من تلامذة شيخ لم نعلم له شيئاً من أعمال الطريق سوى مطالعة كتب الحقيقة حتى بلغ مع هذا العلم ما سبق به كثيراً من السابقين واسمه أبو بكر بن محمد الحكاك له نظم كثير في علم الحقيقة . فمن وقف على ديوان شعره وعرف مقداره حظي بطائل .وإنما أوردت لك هذه الحكايات كلها في ديباجة هذا الكتاب حتى أفهمك قدر هذا العلم وعلو شأنه ، لترغب في تحصيل هذا الفن الشريف بمطالعة هذه الكتب وممارستها ومذاكرتها مع أهلها ، حيث كانوا ؛ فإن الرجل منهم قد يفيدك ما لا يفيدك الكتب كلها في العمر كله ، لأنك تأخذ من الكتاب بفهمك ، والرجل العالم بالله إذا أرادك لفهم مسألة على ما هي عليه أعطاك فهمه فيها ، وكم بين فهمك وفهمه ، ولقد كانت مطالعة كتب الحقيقة عند المحققين أفضل من أعمال السالكين ، ومجالسة أهل الله مع التأدب معهم أفضل من مطالعة الكتب كلها ، فعليك ثم عليك بملازمة المطالعة في كتب الحقائق والعمل بمقتضى علومها ؛ فإنك تحصل بذلك إلى مقصودك وتقع به على معرفتك بمعبودك إن شاء الله تعالى .


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!