موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف

 

 


37- القصيدة السابعة والثلاثين وهي ستة أبيات من البحر الرمل

وقال رضي الله عنه:

1

يَا خَلِيلَيَّ أَلِماَّ بِالْحِمَى،

***

وَاطْلُبَا نَجْداً وَذَاكَ الْعَلَمَ

2

وَرِدَا مَاءً بِخَيْمَاتِ اللِّوَى

***

وَاسْتَظِلَّا ضَالَهَا وَالسُّلَمَ

3

فَإِذَا مَا جِئْتُمَا وَادِي مِنًى،

***

فَالَّذِي قَلْبِي بِهِ قَدْ خَيَّمَ

4

أَبْلِغَا عَنِّي تَحِيَّاتِ الْهَوَى،

***

كُلَّ مَنْ حَلَّ بِهِ أو سَلَّمَ

5

وَاسْمَعَا مَاذَا يُجِيبُونَ بِهِ

***

وَاخْبِرَا عَنْ دَنِفِ الْقَلْبِ بِمَ

6

يَشْتَكِيهِ مِنْ صَبَابَاتِ الْهَوَى

***

مُعْلِناً مُسْتَخْبِراً مُسْتَفْهِمَ

شرح البيتين الأول والثاني:

1

يَا خَلِيلَيَّ أَلِماَّ بِالْحِمَى،

***

وَاطْلُبَا نَجْداً وَذَاكَ الْعَلَمَ

2

وَرِدَا مَاءً بِخَيْمَاتِ اللِّوَى

***

وَاسْتَظِلَّا ضَالَهَا وَالسُّلَمَ

يخاطب عقله وإيمانه، يقول لهما: انزلا بالحماية الإلهية عند حجاب العزة الأحمى، واطلبا معرفة نجدية، يريد علوما وهبية (كونها تأتي من جهة نجد، وهو مكان الشروق). وقوله: "وذاك العلما"، يشير إلى معرفة من جهة الدليل، ليجمع بين م يستقلُّ العقل بإدراكه، وبين ما لا يستقلُّ بإدراكه، فيكون ممن أوتي الجوامع.

وقوله: "ورِدا ماءً"، يريد معدن الحياة الأزلية، "بخيمات اللوى"، يقول: بحضرة العطف الإلهي (من معنى كلمة اللوى)، و"استظلا" طلبا للراحة في ظلال العِلم، بالعجز عن درك الإدراك (إدراك، كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه)، وهو مقام الحيرة، فهو "الضال" (من الفعل: ضلَّ)، و"السلما":، أي فيه السلامة من التقييد بأمر ما والإحاطة به، فإنّ الأمر أعزُّ وأعلى من أن يتقيّد بشيء، أو لشيء، أو تأخذه الإحاطة.

شرح البيتين الثالث والرابع:

3

فَإِذَا مَا جِئْتُمَا وَادِي مِنًى،

***

فَالَّذِي قَلْبِي بِهِ قَدْ خَيَّمَ

4

أَبْلِغَا عَنِّي تَحِيَّاتِ الْهَوَى،

***

كُلَّ مَنْ حَلَّ بِهِ أو سَلَّمَ

يقول: "فإذا جئتما" موضع رمي الجمرات، وهو مقام الجماعات، يريد مواطن الملأ الأعلى، على مراتبهم، وحضرات اجتماعات الأسماء لظهور آثارهم، لِما قد بيَّناه في بعض كتبنامن محاضراتهم.

قال: "فالذي قلبي به قد خيّما"، يعني مجالسة تلك الجماعات العلوية المعنوية الذين أشار إليهم الشارع عن ربه تبارك وتعالى أنه: «إِنْ ذَكَرَنِي عَبْدِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُ» [البخاري: 7405]، فهو ما أشرنا إليه من الجماعات، فإنّ الجَمْرة: الجماعة، والجمرات: الجماعات، ومحلُّها تلك البقعة المخصوصة المعبَّر عنها بمنى (موضع رمي الجمرات).

ولَمَّا كانت هذه الحضرة محلَّ القربة الإلهية، كانت هذه البقعة محلَّ القرابين يوم الحجِّ الأكبر.

وقوله: "أبلغا عني تحيات الهوى"، البيت بكماله؛ يقول لعقله يبلِّغ إلى صِنفه، ولإيمانه كذلك، سلِّما مني على تلك الجماعات المقدَّسة سلام محب لهم راغب في الالتحاق بمراتبهم، إن سبقت له عناية إلهية بذلك. وقوله: "أو سلما"، أي لا تبلغو عني تحية إلا إن رأيتم القبول ممن بلغتماه، وإلا فسلِّما أنتما ولا تذكراني.

شرح البيتين الخامس والسادس:

ثم قال:

5

وَاسْمَعَا مَاذَا يُجِيبُونَ بِهِ

***

وَاخْبِرَا عَنْ دَنِفِ الْقَلْبِ بِمَ

6

يَشْتَكِيهِ مِنْ صَبَابَاتِ الْهَوَى

***

مُعْلِناً مُسْتَخْبِراً مُسْتَفْهِمَ

يقول لهما: "واسمعا" ما يردِّدْن عليكما، وأخبراهم عما تعلما من حالي ودَنَفي بهم، وما أشتكيه من رقة الحبّ ولطائفه، إعلانا بذلك ليسمع ذو الرحمة منهم فيشفع، فربما قد سبق في العلم أن لا يكون التقريب إلا بشفاعة فيظهر عند ذلك رجاء من هذا العبد.

وقوله: "مستخبرا مستفهما" عن دوائه فيما قد أصابه من مقاساة الحب المانعة عن إدراك المطلوب، مع وجود المحبة وأسبابهابباطنه وظاهره.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!