الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف
45- القصيدة الخامسة والأربعين وهي ستة أبيات من البحر الرجز المجزوء
وقال رضي الله عنه:
1 | أَحْبَابُنَا أَيْنَ هُمُ؟ | *** | بِالله قُولُوا: أَيْنَ هُمْ |
2 | كَمَا رَأَيْتُ طَيْفَهُمْ، | *** | فَهَلْ تُرِينِيْ عَيْنَهُمْ؟ |
3 | فَكَمْ، وَكَمْ أَطْلُبُهُمْ، | *** | وَكَمْ سَأَلْتُ بَيْنَهُمْ |
4 | حَتَّى أَمِنْتُ بَيْنَهُمْ، | *** | وَمَا أَمِنْتُ بَيْنَهُمْ |
5 | لَعَلَّ سَعْدِي حَائِلٌ | *** | بَيْنَ النَّوَى وَبَيْنَهُمْ |
6 | لِتَنْعَمَ الْعَيْنُ بِهِمْ، | *** | فَلَا أَقُولُ: أَيْنَ هُمْ |
شرح البيتين الأول والثاني:
1 | أَحْبَابُنَا أَيْنَ هُمُ؟ | *** | بِالله قُولُوا: أَيْنَ هُمْ |
2 | كَمَا رَأَيْتُ طَيْفَهُمْ، | *** | فَهَلْ تُرِينِيْ عَيْنَهُمْ؟ |
قوله: "أحبابنا" يريد الأرواح العلوية، بالأبنية اللائقة بهم، فإنّ الأبنية لغير المتحيِّزات كالأبنية التي سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم بها السوداء الخرساء [كنز العمال: 1744]؛ وأخذ يُقسم على المسؤولين عليهم "بالله"، الاسم الجامع، "أين هم؟" والجواب: هم في قلوب محبيهم.
وقوله: "كما رأيت طيفهم"، يريد تجليهم في عالم التمثل والصور، "فهل تريني عينهم؟" يريد حقيقتهم في عالم اللطف والمعاني من غير تجسد.
شرح البيتين الرابع والخامس:
ثم قال:
3 | فَكَمْ، وَكَمْ أَطْلُبُهُمْ، | *** | وَكَمْ سَأَلْتُ بَيْنَهُمْ |
4 | حَتَّى أَمِنْتُ بَيْنَهُمْ، | *** | وَمَا أَمِنْتُ بَيْنَهُمْ |
يقول: وكم طلبتهم لأظفر بهم وأنتظم في سلكهم، بالتخلص مما أنا فيه، "وكم سألت بينهم"، أي وصلهم والبين هنا: الوصل، قال تعالى: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ﴾ [الأنعام: 94] بالرفع، أي وصلُكم. وقوله: "حتى أمنت بينَهم"، أي بُعْدهم. والبين (هنا): البعد، وهو من الأضداد. "وما أمنت بينَهم"، من البينيَّة (أي ما أمنت في حال كوني بينهم)، وعدم الأمن من أن يحترق بأنوارهم إذا كان بينهم، لضعفه وقوتهم.
شرح البيتين الخامس والسادس:
ثم قال:
5 | لَعَلَّ سَعْدِي حَائِلٌ | *** | بَيْنَ النَّوَى وَبَيْنَهُمْ |
6 | لِتَنْعَمَ الْعَيْنُ بِهِمْ، | *** | فَلَا أَقُولُ: أَيْنَ هُمْ |
يقول: لعل عناية إلهية سبقت لي في القِدم تحول بين البُعد وبينهم، وأدركهم فأظفر بالمطلوب، وتنعم عيني بمشاهدتهم، فلا أقول بعد ذلك: "أين هم؟"، لحضوري عندهم، وحضورهم عندي.