موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

كيف ينحرف الإنسان

 

 


فلا يزال الإنسان مباشرا ـ في سائر مراتب الاستيداع من حين إفراز الإرادة له من عرصة العلم، باعتبار نسبة ظاهريّته لا نسبة ثبوته وتسليمها إيّاه إلى القدرة، ثم تعيينه في مقام القلم الأعلى، الذي هو العقل الأوّل، ثم في المقام اللوحي النفسي، ثم في مرتبة الطبيعة باعتبار ظهور حكمها في الأجسام، ثم في العرش المحدّد للجهات، ثم في الكرسي الكريم مستوى الاسم «الرحيم» ثم في السماوات السبع، ثم في العناصر، ثم المولودات الثلاث

إلى حين استقراره بصفة صورة الجمع، بعد استيفاء أحكام مراتب الاستيداع ـ مباشرة تابعة للمشيئة والعناية التابعتين للمحبّة الذاتيّة بالإيجاب العلمي، فمهتمّ به اهتماما تامّا، ومتساهل في حقّه، كما نبّه على الأمرين صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله في جنازة سعد : «اهتزّ عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ» وقال في طائفة أخرى ؛ لما ذكر : «إنّ الموت ينتقي خيار الناس الأمثل فالأمثل حتى لا تبقي إلّا حثالة كحثالة التمر أو الشعير لا يبالي الله بهم». فأين من يهتزّ لموته عرش الرحمن ممّن لا يبالي الله بهم أصلا؟ فكما هو الأمر آخرا، كذا هو أوّلا، بل الخاتمة عين السابقة، فافهم.

ثم نرجع ونقول متمّمين لما وقع الشروع في بيانه : ومكث الإنسان في كلّ عالم وحضرة يمرّ عليها ويهتمّ أهل ذلك العالم والمرتبة به وبخدمته وإمداده وحسن تلقّيه أوّلا ومشايعته ثانيا، هو بحسب ما يدركونه فيه من سمة العناية وأثر الاختصاص، وما من عالم من العوالم العلويّة يمرّ عليه إلّا وهو بصدد التعويق أو الانحراف المعنوي ؛ لغلبة صفة بعض الأرواح ـ الذي يتّصل حكمه به ـ عليه، والأفلاك بالنسبة إلى البواقي، فيتعوّق أو ينحرف عمّا يقتضيه حكم الاعتدال الحالي الجمعي الوسطي الربّاني، الذي هو شأن من يختار للنيابة، ثم الأمثل فالأمثل.

وإذا دخل عالم المولودات، ـ وسيّما من حين تعدّي مرتبة المعدن إلى مرتبة النبات وعالمه ـ إن لم تصحبه العناية ولم يصحبه الحقّ بحسن المعونة والمرافقة والحراسة والرعاية، وإلّا خيف عليه، فإنّه بصدد آفات كثيرة ؛ لأنّه بعد دخوله عالم النبات إن لم يكن محروسا معتنى به وإلّا فقد ينجذب ببعض المناسبات التي تشتمل عليها جمعيّته إلى نبات رديء لا يأكله حيوان، أولا يمكن أكل الأبوين أو أحدهما له، ويفسد ذلك النبات الرديء فيخرج منه إلى عالم العناصر ويبقى فيه حائرا عاجزا حتى يعان ويؤذن له في الدخول مرّة أخرى.

ثم بعد دخوله واتّصاله بنبات صالح مغذّ ربما عرضت له آفة من العناصر من برد شديد، أو حرّ مفرط، أو رطوبة زائدة، أو يبس بالغ، فيتلف ويخرج ليستأنف دخولا آخر، هكذا مرارا شتّى حسب ما شاء الله وقدّره.

ثم على تقدير سلامته أيضا فيما ذكرنا بنعمة الحراسة ونعمة الرعاية وباقي النعم التي يستدعيها فقره، ربما تمّ في صورة نبات مّا، لكن تناوله حيوان ولم يقدر للأبوين أكل ذلك الحيوان لمانع من الموانع، أو منع مانع عن أخذ ذلك النبات وتناوله ؛ لما لم يكن رزق اللذين سبق في علم الله أن يكونا أبويه.

وإذا قدّر مؤاتاة كلّ ما ذكرنا وتناوله الشخصان المتعيّنان في العلم أن يكونا أبويه أو أحدهما، وصار ذلك النبات كيلوسا، ثم دما، ثم منيّا، فإنّه قد يخرج على غير الوجه الذي يقتضي تكوينه منه، فهو مفتقر بعد الاتّصال بالأبوين إلى نعمة الحراسة والرعاية وغيرهما.

فإذا تعيّن في الرحم، فقد تعدّى مراتب الاستيداع وصار مستقرّا في الرحم متطوّرا فيه على الوجه المعلوم عند الجمهور من حيث الشرع، ومن حيث ظاهر الحكمة، فيحتاج إلى حراسة أخرى ومعونة ورعاية لحسن الغذاء واعتدال حركات الوالدة وسلامتها من الأمراض والآفات، وأن يكون انفصاله عنها في وقت صالح سعيد مناسب، فإنّ لحكم الزمان والمكان حال مسقط النطفة وحال الانفصال عن الوالدة مدخلا كبيرا في أمر الإنسان من حيث ظاهره وباطنه.

فالمختصّ بمسقط النطفة من حكمي المكان والزمان شاهدان على كثير من أحواله الباطنة، والمختصّان بحال الولادة شاهدان على معظم أحواله الظاهرة وسرّ الابتداء في السلوك إلى جناب الحقّ سبحانه أو إلى ما يرغب الإنسان فيه ويطلب الاستكمال به ينبّه على الأمر الجامع بين الظاهر والباطن.

وجملة الحال أنّه ما من مرتبة من هذه المراتب التي ذكرناها إلّا والإنسان من حيث الخلق التقديري ـ المنبّه عليه بقوله عليه‌السلام : «خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي ألف عام».

وبقوله : «إنّ الله مسح على ظهر آدم فأخرج ذريّته كأمثال الذرّ». الحديث، وبما أخبرنا أنّ تعيّن صور الأشياء في اللوح المحفوظ بالكتابة الإلهيّة القلميّة سابق على التعيّنات الروحانيّة والجسمانيّة ـ معرض للآفات التي أجملنا ذكرها ممّا لا تستقلّ العقول بإدراكه.

فأين من يكون أحديّ السير من حين صدوره من غيب الحقّ إلى عرصة الوجود العيني، لم يتعوّق من حيث حقيقته وروحانيّته في عالم من العوالم، ولا حضرة من الحضرات متذكّرا حين كشف الغطاء عنه هنا ما مرّ عليه، يسأل عن ميثاق «ألست» فيقول : كأنّه الآن في أذني وغيره يخبر بما هو أكثر من ذلك، ممّن يتعوّق ويتكرّر ولوجه وخروجه المقتضيان كثافة حجبه وكثرتها، وتقلّبه في المحن والآفات، نعوذ بالله منها.

ثم نقول : وأمّا الآفات والمحن التي الإنسان معرض لها من حين الولادة، بل من حيث الاستقرار في الرحم إلى حين تحقّقه بمعرفة ربّه وشهوده وتيقّنه بالفوز بتحصيل أسباب الرشد والسعادة بل إلى حين تحقّق حسن الخاتمة بالبشرى الإلهيّة، أو بما شاء الله بالنسبة إلى البعض، فغير خافية على العقلاء، وبالنسبة إلى البعض إلى حين دخول الجنّة، كما ورد : «لا تأمن مكري حتى تجوز الصراط»، فما من مقام ولا حال ولا زمان ولا مكان ولا نشأة من النشآت الاستيداعيّة، والتطوّرات الاستقراريّة، التي ذكرها الله في خلق الإنسان من تراب وماء مهين، ونطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظم ولحم، إلى تمام النشأة الدنياويّة، ثم البرزخيّة، ثم الحشريّة، ثم الجنانيّة إلّا ولله فيها على الإنسان نعم كثيرة ـ كما بيّنّا ـ موقّتة ومستصحبة.

فالموقّتة منها كلّ نعمة هي من لوازم كلّ نشأة وحالة يتلبّس الإنسان بها، ثم ينسلخ عنها في العوالم والمراتب والأطوار التي يمرّ عليها.

وغير الموقّتة والمستصحبة نعمة الحراسة، ونعمة العناية، ونعمة الرعاية، ونعمة قبول الأعمال الذاتيّة، ونعمة صحّة المعرفة اللازمة للشهود الذاتي، ونعمة الارتضاء والقبول الذاتي، ونعمة حسن التعويض والتبديل والإنشاء، ونعمة التخلّي للتجلّي، ونعمة إشهاد

الخلق الجديد في كلّ آن، ونعمة حسن المرافقة في كلّ ذلك وسواه، ونعمة الإمداد بما يحتاج إليه في ذاته وخواصّها ولوازمها، وما يحتاج إليه في الوصول إلى مرتبة الكمال الذي أهلّ له، ونعمة التوفيق والهداية المقرّبين للمدى، المنافيين لما عليه العدى، ونعمة العافية، ونعمة تهيئة الأسباب الملائمة في كلّ الأمور.

والأعلى والأشرف نعمة المشاهدة الذاتيّة، التي لا حجاب بعدها ـ مع كمال المعرفة والحضور معه سبحانه، على أتمّ وجه يرضاه للكمّل ـ منه ومنهم له دنيا وبرزخا وآخرة، فقوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بالنسبة لمن يعرف ما بيّنّا هو ما أشرنا إليه.

وأوّل موجود تحقّق بالنعم الإلهيّة القلم الأعلى الذي هو أوّل عالم التدوين والتسطير، فإنّ المهيمنين وإن كانوا أعلى في المكانة، لكنّهم لا شعور لهم من حيث هم بأنفسهم، فضلا أن يكون لهم شعور بنعيم ولذّة.

وآخر الموجودات تحقّقا بهذه النعم عيسى بن مريم ـ على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام ـ لأنّه لا خليفة لله بعده إلى يوم القيامة، بل لا يبقى بعد انتقاله وانتقال من معه مؤمن على وجه الأرض، فضلا عن وليّ وكامل. كذا أخبر نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال : «لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول : الله الله، ولا تقوم الساعة إلّا على شرار الناس».

فينبغي لمن فهم ما ذكرنا أن يستحضر عند قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، القلم الأعلى وعيسى ومن بينهما، ممّن منح النعم الإلهيّة التي عدّدناها والتي أومأنا إليها إشارة وتلويحا على سبيل الإجمال ؛ فإنّه لا يفوته نعمة من النعم الإلهيّة أصلا ؛ لأنّ أهلها محصورون في المذكورين ومن بينهما، وسيّما إذا استحضر قوله تعالى على لسان نبيّه : «هؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل»، وصدّق ربّه بإيمانه التامّ فيما أخبر عن نفسه، وفي وعده بالإجابة وأنّه سبحانه عند ظنّ عبده به، فإنّ الله تعالى يعامله بكرمه الخاصّ واعتقاده فيه لا محالة كما أخبر، وهو الصادق الوعد والحديث، الجواد المحسان.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!