موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

وصل من هذا الأصل

 

 


اعلم أنّ إمداد الحقّ وتجلّياته واصل إلى العالم في كلّ نفس، وبالتحقيق الأتمّ ليس إلّا تجلّيا واحدا يظهر له بحسب القوابل ومراتبها واستعداداتها تعيّنات، فيلحقه لذلك، التعدّد والنعوت المختلفة والأسماء والصفات، لا أنّ الأمر في نفسه متعدّد أو وروده طار ومتجدّد، وإنّما التّقدّم والتأخّر وغيرهما ـ من أحول الممكنات التي توهم التجدّد والطريان والتقيّد والتغيّر ونحو ذلك ـ كالحالّ في التعدّد، وإلّا فالأمر أجلّ من أن ينحصر في إطلاق أو تقييد، أو اسم أو صفة أو نقصان أو مزيد.

وهذا التجلّي الأحديّ المشار إليه والآتي حديثه من بعد ليس غير النور الوجودي، ولا يصل من الحقّ إلى الممكنات بعد الاتّصاف بالوجود وقبله غير ذلك، وما سواه فإنّما هو أحكام الممكنات وآثارها تتّصل من بعضها بالبعض حال الظهور بالتجلّي الوجودي الوحداني المذكور.

ولمّا لم يكن الوجود ذاتيّا لسوى الحقّ بل مستفادا من تجلّيه، افتقر العالم في بقائه إلى الإمداد الوجودي الأحدي مع الآنات، دون فترة ولا انقطاع ؛ إذ لو انقطع الإمداد المذكور طرفة عين لفنى العالم دفعة واحدة، فإنّ الحكم العدميّ أمر لازم للممكن، والوجود عارض له من موجده.

ثم نقول : ولا يخلو السالك في كلّ حين من أن يكون الغالب عليه حكم التفرقة أو الجمع الوحدانيّ النعت، كما أنّه لا يخلو أيضا فيما يقام فيه من الأحوال من غلبة حكم إحدى

صفاته على أحكام باقيها، كما بيّنّاه، فإن كان في حال تفرقة ـ وأعني بالتفرقة هاهنا عدم خلوّ الباطن من الأحكام الكونيّة وشوائب التعلّقات ـ فإنّ التجلّي عند وروده عليه يتلبّس بحكم الصفة الحاكمة على القلب، وينصبغ بحكم الكثرة المستولية عليه، ثم يسري الأمر بسرّ الارتباط في سائر الصفات النفسانيّة والقوى البدنيّة سريان أحكام الصفات المذكورة فيما يصدر عن الإنسان من الأفعال والآثار، حتى في أولاده وأعماله وعباداته التابعة لنيّته وحضوره العلمي.

والنتائج الحاصلة من ذلك كلّه عاجلا وآجلا، وتذكّر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد سرّ أبيه» و «الرضاع يغيّر الطباع» ونحو ذلك ممّا اتّضح عند اولي البصائر والألباب فلم يختلفوا فيه، وكانصباغ النور العديم اللون بألوان ما يشرق عليه من الزجاج، فتتكثّر صفات التجلّي بحسب ما يشرق ويمرّ عليه ويتّصل به من صفات المتجلّى له وقواه حتى ينفذ فيه أمر الحقّ اللازم لذلك التجلّي.

فإذا انتهى السالك إلى الغاية التي حدّها الحق وشاءها، انسلخ عن التجلّي حكم تلك الصفات الكونيّة، فيعود عودا معنويا إلى حضرة الغيب بتفصيل يطول وصفه، بل يحرم كشفه.

وهكذا حكم التجلّيات الإلهيّة مع أكثر العالم فيما هم فيه ؛ فإنّ أوامر الحقّ الإرادية الذاتيّة تنفذ فيهم وهم لا يشعرون بسرّ موردها ومصدرها.

فإن كان المتجلّى له في حال جمع متوحّد مع التعرّي عن أحكام التعلّقات الكونيّة على نحو ما مرّ ذكره، فإنّ أول ما يشرق نور التجلّي على قلبه الوحدانىّ النعت، التامّ التجلّي، المعقول عن صداء الأكوان والعلائق توحّدت أحكام الأحديّات الكلّيّة المتشعّبة من الأحديّة الأصليّة في المراتب التي اشتملت عليها ذاته كحكم أحديّة عينه الثابتة وأحديّة التجلّي الأوّل الذي ظهر به عينه له، وبهذه الأحديّة من حيث التجلّي المذكور قبل العبد الإمداد الالهي الذي كان به بقاؤه إلى ساعته تلك، ولكن بحسب الأمر الغالب عليه وأحدية

الصفة الحاكمة عليه حين التجلّي الثاني، الحاصل لدى الفتح، بل المنتج له، فالذي للعين الثابتة في التجلّي الأوّل تقييده بصفة التعيّن فقط، والذي للصفة الغالبة الوجوديّة صبغ التجلّي بعد تعيّنه بوصف خاصّ يفيد حكما معيّنا أو أحكاما شتّى، كما سبق التنبيه عليه.

فإذا حصل التوحيد المذكور، اندرجت تلك الأحكام المتعدّدة المنسوبة إلى الأحديّات والمتفرّعة منها في الأصل الجامع لها، فانصبغ المحلّ والصفة الحاكمة بحكم التجلّي الأحدي الجمعي، ثم ينصبغ التجلّي بحكم المحلّ.

ثم أشرق ذلك النور على الصفات والقوى، وسرى حكمه فيها، فتكتسى حالتئذ سائر حقائق ذات المتجلّى له وصفاته حكم ذلك التجلّي الوحداني، وتنصبغ به انصباغا يوجب اضمحلال أحكام تلك الكثرة وإخفاءها دون زوالها بالكلّيّة ؛ لاستحالة ذلك.

ثم لا يخلو إمّا أن يتعيّن التجلي بحسب مرتبة الاسم «الظاهر»، أو بحسب مرتبة الاسم «الباطن» أو بحسب مرتبة الاسم «الجامع» ؛ لانحصار كلّيّات مراتب التجلّي فيما ذكرنا.

فإن اختصّ بالاسم «الظاهر» وكان التجلّي في عالم الشهادة، أفاد المتجلّى له رؤية الحقّ في كلّ شيء رؤية حال فظهر سرّ حكم التوحيد في مرتبة طبيعته وقواها الحسّيّة والخياليّة، ولم يزهد في شيء من الموجودات.

وإن اختصّ بالاسم «الباطن» وكان إدراك المتجلّى له ما أدركه بعالم غيبه وفيه، أفاده معرفة أحديّة الوجود ونفيه عن سوى الحقّ دون حال، وظهر سرّ التوحيد والمعرفة اللازمة له في مرتبة عقله، وزهد في الموجودات الظاهرة، وضاق عنه كلّ كثرة وحكمها.

وإن اختصّ التجلّي بالاسم «الجامع» وأدركه المدرك من حيث مرتبته الوسطى الجامعة بين الغيب والشهادة وفيها، استشرف على الطرفين، وفاز بالجمع بين الحسنيين، ولهذا المقام أحكام متداخلة وأسرار غامضة يفضي شرحها إلى بسط وتطويل، فأضربت عن ذكرها طلبا للإيجاز. والله وليّ الهداية.

ثم نقول : وهذه التجلّيات هي تجلّيات الأسماء، فإن لم يغلب على قلب المتجلّى له حكم

صفة التعيين، وتطهّر عن سائر التعلّقات بالكلّيّة حتى عن التوجّه إلى الحقّ باعتقاد خاصّ، أو الالتجاء إليه من حيث اسم مخصوص، أو مرتبة وحضرة معيّنة، فإنّ التجلّي حينئذ يظهر بحسب أحديّة الجمع الذاتي، فتشرق شمس الذات على مرآة حقيقة القلب من حيث أحديّة جمع القلب أيضا وهي الصفة التي صحّ بها للقلب الإنساني مقام المضاهاة وأن يتّسع لانطباع التجلّي الذاتي الذي ضاق عنه العالم الأعلى والعالم الأسفل بما اشتملا عليه، كما ورد به الإخبار الإلهي بواسطة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : «ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن التقيّ النقيّ» وأن يكون مستوى له وظاهرا بصورته، ثم تتبحّر ساحة القلب بالاستواء الإلهي، وتتفرّع جداوله بعد التبحّر والتوحّد بحسب نسب الأسماء علوا في مراتب صفاته الروحانيّة، وسفلا في مراتب قواه الطبيعيّة، وتحرق حينئذ أشعّة شمس الذات، المسمّاة بالسبحات متعلّقات مدارك البصر، وتقوم القيامة المختصّة به، فيقول لسان الاسم «الحقّ» : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فإذا لم يبق نسبة كونيّة يظهر لها حكم وعين ودعوى، أجاب الحقّ نفسه بنفسه، فقال : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) فإنّه قهر بالحكم الآخر من تجلّيه الأوّل المستجنّ فيمن حاله ما ذكرناه آنفا أحكام الأكوان ودعاوي الأغيار المزاحمين لمقام الربوبيّة، والمنازعين لأحديّته بإخفاء كثرتهم وحكمها.

فإذا استهلكوا تحت قهر الأحديّة وصاروا كأنّهم أعجاز نخل خاوية، ولم تر لهم من باقية، ظهر سرّ الاستواء الإلهي الجمعى الكمالي، على هذا القلب الإنساني، فينطق لسان مرتبة المستوي بنحو ما نطق عقيب الاستواء الرحماني فيقول : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) وهي مرتبة العلوّ من صفات الإنسان المذكور الذي هو مستوى الاسم «الله» وصاحب مرتبة

المضاهاة كما بيّن (وَما فِي الْأَرْضِ) وهو مرتبة سفله وطبيعته من حيث الاعتبار أيضا وما بينهما وهو مرتبة جمعه (وَما تَحْتَ الثَّرى) وهو نتائج أحكام طبيعته التي سفل عن مرتبة الطبيعة من كونها منفعلة عنها ؛ إذ رتبة المنفعل تحت مرتبة الفاعل من كونه فاعلا وتمّ الأمر وحينئذ يظهر قرب الفرائض المقابل لقرب النوافل المشار إليهما في الحديثين المشهورين ب «كنت سمعه وبصره» وبقوله : «إنّ الله قال على لسان عبده : سمع الله لمن حمده» ثم يقول لسان مرتبة الاسم «الله» : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) لانقلاب كلّ صفة وقوّة من صفات العبد وقواه اسما من أسماء الحقّ ويبقى العبد مستورا خلف حجاب غيب ربّه فينشد لسان حاله حقيقة لا مجازا، شعر :

تستّرت عن دهري بظلّ جناحه
 

 

فعيني ترى دهري وليس يراني
 

فلو تسأل الأيّام ما اسمي؟ ما درت
 

 

وأين مكاني؟ ما درين مكاني
 

لأنّه تنزّه عن الكيف والأين، وحصل في العين، واحتجب من حيث مرتبته عن عقل كلّ كون وعين، في مقام العزّة والصون.

ثم يتلى عليه من تلك الإشارات بلسان الحال قوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) وهي الأحكام الكونيّة المظهرة حكم الكثرة من حيث ظهورها بهذا الإنسان ونسبة الفعل فيها إليه (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) بأحديّة الجمع الإلهي كما مرّ ذكره، (أَصْحابُ الْجَنَّةِ)، وهم أهل الستر الإلهي الغيبي المشار إليه : ب (يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) وأيّ مقيل ومستقرّ خير وأحسن من الثبوت في غيب الذات وستره والتحرّز من عبوديّة الأكوان والأغيار، وقيام الحقّ عنه بكلّ ما يريده سبحانه منه؟ ثم قال : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) فالسماء بلسان المقام المشار إليه لمرتبة العلوّ لا محالة، والعلوّ في

الحقيقة للمراتب المحكمة بالتأثير في سائر الموجودات الأثر مخصوص بها، وعلوّ درجة المؤثّر على درجة المؤثّر فيه معلوم.

فالغمام هو الحكم العمائيّ المنبّه عليه في التعريفات النبويّة والإلهيّة وقد أشرت إلى أنّه النفس الرحماني وحضرة الجمع، وأنّه النور الكاشف للموجودات والمحيط بها والمظهر بفتحه، وانشقاقه تميّزها العلمي الأزلي، ولذلك أخبر سبحانه عن نفسه، وحكم في آخر الأمر يوم القيامة بقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) الآية. فيفصّل بين الأمور، ويميّز الخبيث من الطيّب، فظهر في الخاتمة سرّ السابقة الأولى، وتمّت المضاهاة المظهرة حكم الأمر الجامع بين الأوّل والآخر، والظاهر والباطن، فافهم.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!