المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
الرسالة المفصحة
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
وهي ضمن مراسلاته مع الشيخ نصير الدين الطوسي
[ القانون الفكري المرجوع إليه عند أهل الفكر ، فهم مختلفون ]
وأمّا القانون الفكري المرجوع إليه عند أهل الفكر ، فهم مختلفون فيه أيضا من وجوه : أحدها في بعض القرائن وكونها منتجة عند البعض وعقيمة عند غيرهم . وثانيها حكمهم على بعض ما لا يلزم عن القضايا أنه لازم . وثالثها اختلافهم في الحاجة إلى القانون والاستغناء عنه من حيث إنّ الجزء النظري منه ينتهي إلى البديهي ومن حيث إنّ الفطرة السليمة كافية في اكتساب العلوم ومغنية عن القانون . ولهم فيما ذكرنا اختلاف كثير لسنا ممن يشتغل بإيراده ، إذ غرضنا التنبيه والتلويح .
واخر ما تمسّك به المثبتون منفعته الأولويّة والاحتمال . فقالوا : إنا نجد الغلط لكثير من الناس في كثير من الأمور وجدانا محقّقا مع احتمال وقوعه أيضا فيما بعد . فاستغناء الأقلّ عنه لا ينافي احتياج الكثير إليه .
وأمّا الأولويّة ، فاحتجوا بها جوابا لمن قال لهم : قد اعترفتم بأنّ القانون ينقسم إلى ضروري ونظري وأنّ الجزء النظري مستفاد من الضروري .
فالضروري إن كفى في اكتساب هذا القانون ، كفى في سائر العلوم ، وإلا ، افتقر الجزء الكسبيّ منه إلى قانون آخر . فقالوا : الإحاطة بجميع الطرق أصون من الغلط ، فتقع الحاجة إليه من هذا الوجه عملا بالأحوط .
وإصابة بعض الناس في أفكاره لسلامة فطرته في كثير من الأمور وبعضهم مطلقا في جميعها بتأييد إلهيّ خصّ به دون كسب لا ينافي احتياج الغير إليه .
ونظير هذا الشاعر بالطبع وبالعروض ، والبدويّ المستغني عن النحو بالنسبة إلى الحضري المتعرّب .
ونحن نقول بلسان أهل التحقيق : إنّ القليل الذي قد اعترفتم باستغنائه عن ميزانكم لسلامة فطرته وذكائه ، نسبته إلى المؤهّلين للتلقّي من جناب الحق والاغتراف من بحر جوده والاطّلاع على أسرار وجوده في القلة وقصور الاستعداد نسبة الكثير المحتاج إلى الميزان . فأهل اللّه هم القليل من القليل ثم * إنّ العمدة عندهم في الأقيسة البرهان ، وهو ، و ، وروح البرهان وقطبه هو الحد الأوسط . واعترفوا بأنه غير مكتسب ببرهان ، وأنه من باب التصور لا التصديق .
فتنخّل مما ذكر أنّ الميزان أحد جزئيه غير مكتسب ، وأنّ المكتسب منه إنما يحصل بغير المكتسب ، وأنّ * روح البرهان الذي هو عمدة الأمر والأصل الذي يتوقف تحصيل العلم المحقق عليه في زعمهم غير مكتسب . وأنّ من الأشياء ما لا ينتظم على صحّتها وفسادها برهان سالم من المعارضة . بل يتوجه عليه إشكال يعرف به الخصم . ومع ذلك فلا يستطيع أن يشكّك نفسه في صحّة ذلك الأمر ، هو وجماعة كثيرة سواه .
وهذا حال أهل الأذواق ومذهبهم حيث يقولون : إنّ العلم الصحيح موهوب غير مكتسب . وإنّ المتحصّل لنا بطريق التلقّي من جانب الحقّ ، وإن لم يقم عليه البرهان النظري ، فإنه لا يشككنا فيه مشكّك ولا ريب عندنا فيه ولا تردّد ، ويوافقنا عليه مشاركونا من أهل الأذواق ، وأنتم فلا يوافق بعضكم بعضا إلا لقصور بعضكم عن إدراك الخلل الحاصل في مقدمات البراهين التي أقيمت لإثبات المطالب التي هي محل الموافقة على ما بيّن سرّه في هذا التمهيد .
وفي الجملة فقد تبيّن أنّ غاية كل أحد فيما يطمئن إليه من العلوم هو ما حصل في ذوقه دون دليل كسبيّ أنه الحقّ . فسكن إليه وحكم بصحّته هو ومن ناسبه في نظره وشاركه في أصل مأخذه وما يستند إليه ذلك الأمر الذي هو متعلّق اطمئنانه .
وبقي هل ذلك الأمر المسكون إليه والمحكوم بصحته هو في نفسه صحيح على نحو ما اعتقد فيه من حاله ما ذكرنا أم لا ؟ ذلك لا يعلم إلا بكشف محقّق وإخبار إلهيّ .