المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
النفحات الإلهية
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
كتاب آخر الى القاضي محيى الدين بدمشق المحروسة
اصحب اللّه الخير و الخيرة، كل حكم سبق في علمه سبحانه إمضاؤه و اجرائه على حوزة سيدنا الامام العالم العامل، الصدر الخطير، الفاضل رئيس الاصحاب ، سيد الإقران و الاتراب، حبر المذاهب حاوى الفضائل و المناقب، ذخر المؤمنين قاضى قضاة المسلمين، محيى الملة و الدين صحبة يؤمن معها التأسف و الندم، و نزه همته الشريفة عن التعلق بما لا يقبل الزوال و العدم، ليسلم من الم كل قيد و تعشق و اشتباه، و يتمحض بكليته في كل حال للََّه، فمن كان للََّه كان اللّه له، و هذه لعمرى سعادة تامة و راحة مكملة .
و اما من بقي في حبس العوائد و التعلقات فإنه يتألم لفقد كل ما ذهب وفات، و بالحرية التي هي من لوازم كمال الفردانية يزول العناء و تتم الفناء ، و من هذا المقام يستشرف على سر التضايف المدرج في رب العالمين و ما يستلزمه من الاحكام المختلفة، مثل: جعت فلم تطعمني، و: مرضت فلم تعدني، و سيما قوله: فَلَمََّا آسَفُونََا انْتَقَمْنََا مِنْهُمْ الاية (55الزخرف) و يعرف حكم المقام القابل لهذه المرتبة، المثبت صرافة وحدة الحق و غناه المبين، و قولى : المبين، حق تحوى على درّ ثمين، و وراء المقامين المذكورين البحر الذي هذا الدرّ من خصائصه عزّ عن تناول العبارات و مرامى الإشارات، حققنا اللّه و كافة الاخوان بهذا الشرف العلى و الحال السنى، آمين .
وصلت المشرفة الكريمة فوقف الداعي على مضمونها و سرّ بسلامة الذات الشريفة مع مشاركة الجماعة فيما عرض للخاطر من الالام النفسانية و الاحكام الموطنية، هذا و ان اقل درجات ذوى الإستبصار الثبوت تحت مجارى الاقدار و لحظ كل ما يقلبون فيه من الأحوال بعين التجربة و الاعتبار، الى ان تنتهي الحركة الى السكون و القلق الى الثبات و التمكين ، كما قيل : و رب هدو في التقلقل كامن من أجل سكون الطفل حرك مهده و من اصعب ما مر بى في بعض المشاهد قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لََا يَرْجُونَ لِقََاءَنََا وَ رَضُوا بِالْحَيََاةِ الدُّنْيََا وَ اطْمَأَنُّوا بِهََا الآيتين (7و 8يونس) لأنني اطلعت فيهما على اسرار و علوم جمة، من جملتها: اننى عرفت انه من ركن الى شي ء في هذه الدار و اطمأن اليه لعينه و ان لم يكن من صور احوال هذه الدنيا بالنسبة الى فهم الجمهور منها فإنه لا يخرج عن دائرة الحياة الدنيا، فيدخل تحت حكم هذا الخطاب المهول .
الا ترى ان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أخبر أن صلاته التي جعلت قرة عينه فيها من المحبوبات الدنيوية؟ ثم لم يكتف بمجرد الإضافة الى مطلق الدنيا بل قال: من دنياكم، فإذا كانت صلاته و ناهيك منها لم تتنزه عن حكم الدنيا، فما ظنك بأكثر ما يتلبس به السائرون من الأحوال التي يظن فيها انها وراء الاحكام الاخروية فكيف الدنيوية، هيهات! و اللّه لو عرفوا الدنيا لرأوا الآخرة من بعض أحكامها و نتائجها، و مع هذا فقد
ادرج صلّى اللّه عليه و سلّم في هذه الإضافة اسرارا يجل وصفها و يحرم كشفها الا للندر و الغرض من هذا الفصل انه لما كان بين الإنسان و بين كل شي ء مناسبة ذاتية و مرتبية، فمتى ظهر سلطان شي ء من تلك المناسبات و تلبس صاحبها بحكمها سكنت نفسه الى المناسب له و الملائم حالتئذ و اطمأن به و اجتمع باطنه عليه او بسببه، فمسه من ذلك الخطاب حكم « ما» و «متى »، سبقت عناية الحق به قبل الانتظام في سلك خلاصة الخاصة من اهله سبحانه تعاهده كل وقت بما تعلق سكونه و يعرفه خفى حاله و مكنونه، ليعتاد بكثرة المقلقات عدم الاستقرار و الاعتماد على ما يتصل به من الأمور و ينضاف اليه في المعتاد .
و لقد شعر بعضهم ببعض احكام هذا الأصل و أجاد الترجمة بقوله :
فمن سره ان لا يرى ما يسوؤه فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا