المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
النفحات الإلهية
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
نفحة كلية تتضمن سرّ قبول الأكابر المحن و استيلاء البلايا عليهم اكثر من غيرهم
و سر قوله صلّى اللّه عليه و سلّم : ان البلايا موكل بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل و اسرارا أخر عزيزة جدا .
محن الكمل و الأولياء و الأنبياء لها سببان غير ما ذهب اليه فهم علماء الرسوم و فهم اكثر اهل الذوق: أحدهما سعة دائرة مرتبتهم مع صحة محاذاتهم حضرة الحق من حيث العبودة و النيابة المشار إليهما بالخلافة و الظلية، فليس في الحضرة الإلهية و الامكانية امر لا يقبله سعتهم و لا ما ينافيه استعدادهم و حالهم، فيقبلون بالذات و الحال الجمعى و المرتبتى من حضرة: و ان من شي ء الا عندنا خزائنه (21الحجر) من كل ما فيها بحسب ما يتسع له حال النشأة، إذ ذاك و الوقت المقيد ايضا .
و في قوتهم قبول الجميع، نعم! و قبول كل ما تضمنه غيب الحق، لكن شيئا بعد شي ء لعدم مساعدة الالة كما قيل :فان اتى دهره بازمنة اوسع من ذا الزمان أبداها فكما يقتضي قابليتهم التامة كل خير، كذلك يقتضي قبول ضده النسبي ما داموا مرتبطين بهذه النشأة الاحاطية الجامعة، و هذا السر هو سبب خوف الكمل، و قوله صلى اللّه عليه و سلم: و اللّه انى لا تقاكم للََّه و أعلمكم بما اتقى لكمال السعة و مطلق الإمكان و من هذا الباب قوله: مََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَ لََا بِكُمْ ( 9الأحقاف) فإنه خرج من دائرة الأسماء و الصفات الى فسيح حضرة الذات، فقابلها بسعة مضاهاته و حاذى إطلاقها المجهول التعين بمثله من حيث ما يضاهيها بخلاف حالة المتقدم فإنه ما دام في حضرات الأسماء يعرف ما يفعل به و بغيره ان شاء اللّه و لهذا عرف اسماء الفوارس العشرة الطلائع و اسماء قبائلهم و عشائرهم و الوان خيولهم قبل وجودهم بنحو ست مائة سنة و كسر. و في هذا المشهد الذاتي لا يعرف .
بل يقول في الريح و لعله كما قال: قوم عاد الحديث، و قال في بدر ايضا :
اللهم ان تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض، مع سابق قوله: زويت الى الأرض الحديث، و قوله: هذا مصرع فلان و هذا مصرع فلان، و قوله لابن صياد لما قال له معارضا :بل أنت، اشهد انى رسول اللّه امنت باللّه و كتبه و رسله، مع انه خاتم النبيين، و هنا بحار زاخرة يعطب فيها الفحول، فما الظن بسواهم ؟
و السبب الاخر المقتضى للمحنة كمال العدل الاعتدالى الذي به قامت السموات و الأرض، فإنه ليس من العدل الأتم ان يحظى بالسعادة الباطنة الاخراوية طائفة و يصفو لهم الدنيا ايضا دون كدر و لا تبعة و يحرم آخرون، كل ذلك من كل وجه مع صحة هذا الأصل، و هو ان هذه الدار دار الجمع الأتم و مع صحة ان كل شي ء فيه كل شي ء لا محالة، فأين الجمع؟ إذ لو وقع ما ذكرنا ضعفت درجات الامر الاعتدالى و أحكامه للانحراف المحمود او المذموم بالغلبة التي تكاد تستهلك احكام ما غلب من مجموع الامر كله و اما التعطيل فمحال، فلا بد من ضرب ما من المزج من كل شي ء بالفعل لا بالقوة، و بالوجوب لا بالإمكان ليصدق ان كل شي ء فيه كل شي ء، و كل شي ء بالفعل هو الإنسان الكامل من حيث بعض مراتبه فيظهر فيه كل شي ء و لو من جهة أحكامه الكلية فإنه الأنموذج الجامع و من المقام الذي هذا لسانه يعرف سر مآل الخلق الى الرحمة دون تخصيص و استثناء، فهذا برهانه .
و حديث ان المحن انما كانت لمزيد الترقيات و رفع الدرجات و نيل ما قدر ان لا ينال الا بعوض، و كل العوض هو المرض او غيره من المحن، فهذا و ان كان داخلا في دائرة الجمع و واقعا في جملة احكام المقام المنبه عليه، لكن ليس هو السبب الحقيقي و لا الغاية المقصودة، و من اقتصر على هذا و مثله و وقف إدراكه عنده فهو من القاصرين و الجاهلين بكنه الامر و جلية الحال، و هذا مجمل يطول تفصيله و يعسر بسطه و توصيله الا شفاها، و انما غلبت على نفسى فقيل ما قيل .