موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

رسالة النصوص

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

فصل في وصل

 

 


وامّا سرّ المناسبات ، فهو من حيث الاشتراك في الامر القاضي يرفع احكام المغايرة من الوجه المثبت للمناسبة ، وأولها وأعلاها ، المناسبة الذاتيّة . فالمناسبة الذاتية بين الحق والإنسان الذي هو العين المقصودة ، تثبت من وجهين : أحدهما ، من جهة ضعف تأثير مرآتيّته في التجلي المعين ( المتعيّن - خ ل ) لديه بحيث لا يكسيه وصفا قادحا في تقديسه سوى قيد التّعين الغير القادح في عظمة الحق وجلاله ووحدانيّته وخلوه عن أكثر احكام الإمكان وخواص الوسائط وتفاوت درجات المقربين والافراد ، عند الحق هو من هذا الوجه ، واما المناسبة مع الحق من وجه آخر ، فهو بحسب حظ العبد من صورة الحضرة الإلهيّة وذلك الحظ يتفاوت بحسب تفاوت الجمعيّة ، فتضعف المناسبة وتقوى بحسب ضيق جمعيّة ذلك الإنسان من حيث قابليّته وسعتها ، فتنقض الحظوظ لذلك وتتوفّر ، والمستوعب  لما يشتمل عليه مقام الوجوب والإمكان من الصّفات والاحكام وما يمكن ظهوره بالفعل من ذلك في كلّ عصر وزمان مع ثبوت المناسبة أيضا من الوجه الأول له الكمال وهو  محبوب الحق ، والمقصود لعينه وهو من حيث حقيقته التي هي برزخ البرازخ  مرآة الذات والالوهيّة معا ولوازمهما  وصاحب المناسبة الذاتيّة من الوجه الأول محبوب مقرّب لا غير  ، وقد سبق التّنبيه على ذلك  . واما المناسبة الذاتيّة بين الناس ، فتثبت من وجهين أيضا ، وهو مثالان للوجهين الإلهين المذكورين : أحدهما ، من جهة اشتراك المتناسبين في المزاج ، بمعنى وقوع مزاجهما في درجة واحدة من درجات الاعتدالات التي يشتمل عليها مطلق عرض الأمزجة الانسانية ، أو يكون درجة مزاج أحدهما مجاورة لدرجه مزاج الأخر . وهذا أصل عظيم في مشرب التحقيق ، قل من يعرفه ذوقا ، لان تعيّنات أرواح الأناسيّ من العوالم الرّوحانيّة وتفاوت درجاتها في الشرف وعلوّ المنزلة من حيث قلَّة الوسائط وكثرتها وتضاعف وجوه الإمكان  وقوتها بسبب كثرة الوسائط وقلتها وضعفها ، انّما موجبه بعد قضاء الله وقدره ، المزاج المستلزم لتعيّن الرّوح بحسبه ، فالأقرب نسبة إلى الاعتدال الحقيقي الذي تعيّن نفوس الكمّل في نقطة دائرته  ، يستلزم قبول روح اشرف وأعلى نسبة من العقول والنّفوس العالية ، والا بعد ( من - خ ل ) عن النقطة الاعتداليّة المشار إليها بالعكس من الخسّة ، ونزول الدرجة . فاعلم ذلك ، وتفهم ما ذكرت ( ما ذكرته - خ ل ) في الامر ( أمور الاشتراك - خ ل ) الاشتراك المزاجي ترقّ به إلى  معرفة المناسبة الروحانية الخصيصة بالوجه  الاخر المشابهة  للمناسبة الذاتية المخفية الحقيقة المحضة  .

وإذا عرفت هذا عن شهودا وفهم محقق ، رأيت أن بعض الأرواح يكون مبدأ مقامه في التعيّن اللوح المحفوظ ، ومبدأ تعيّن بعضه من روحانيّة العرش من مقام إسرافيل ، وبعضها من الكرسىّ من مقام ميكائيل ، وبعضها من السّدرة من مقام جبرئيل ، هكذا متنازلا حتى ينتهى ( يصل - خ ل ) الامر إلى السماء الدنيا المختصة بإسماعيل رئيس ملائكتها ، على جميعهم السلام ، فيعرف حالتئذ ، ان الشرط الأكبر الموجب لما ذكرته من تفاوت درجات أرواح الناس في ذلك بعد سابق علم الله وعنايته وقضائه ومشيّته ، هو ما سبق ذكره في شأن الأمزجة وقربها من نقطة الاعتدال الحقيقي وبعدها ، واثر العناية والمشيّة يختص بحسن التسوية الربانيّة التي يليها نفخ الرّوح وتعيّنه ، فافهم وتذكر .

واما المناسبة ( المرتبة - خ ل ) المرتبيّة ، فانّها ليست من وجه واحد بل من وجوه متعدّدة : أحدها ، من جهة بعض الأرواح معدنها الاصليّة التي هي من مبد تعيّنات الأرواح المشار إليها آنفا  فان مبدأ تعيّن أعلاها درجة اعني الأرواح الكمّل ، امّ الكتاب  ، ومبدأ تعيّن بعضها علما ووجودا متوحّدا ، ذات القلم الأعلى المسمى بالعقل الأول والروح الكلَّى ، ومبدأ تعيّن بعضها اللوح المحفوظ ، وبعضها عرشيّة اسرافيليّة ، وبعضها ميكائيليّة من مقام الكرسىّ وروحانيّته ، وبعضه جبرئيليّة من مقام سدرة المنتهى ، هكذا إلى آخر أجناس هذه الأصول الروحانيّة المختص بإسماعيل   صاحب سماء الدنيا المعبّر عنه عند الحكماء المشّاءين بالعقل الفعال كما مرّ ( على ما مرّ - خ ل ) . والوجه الاخر هو من جهة مظاهرها المثالية ، فان الأرواح على اختلاف مراتبها لا تخلو عند جميع المحقّقين عن مظاهر يتعيّن ويظهر بها ، وأول مراتب مظاهر أرواح الأناسي ما عد الكمّل  عالم المثال المطلق والصور الخيالية ( الجنانيّة - خ ل ) وان كانت مواد انتشائها لطائف قوى هذه النشأة الطبيعيّة وجواهرها المطهّرة المزكَّاة المكتسية صفات الأرواح ، فان صفاتها وأحوالها في الجنّة انّما تظهر بحسب روحانيّته وقواها وخواص مظاهرها المثاليّة ، ومنازل أهل الجنة مظاهر مراتب الأرواح من حيث مكاناتها  عند الحق ومن حيث مظاهر المثاليّة الأولى ، وقد نبّه النبي “ صلى الله عليه وآله “ على ذلك بإشارات لطيفة ، مثل قوله : “ يا علىّ ، ان قصرك في الجنّة في مقابلة قصرى “ وفي رواية “ في محاذاة قصرى “ وقال في حق العباس قريبا من ذلك وقال في حق جمهور المؤمنين لأحدكم اهدى إلى منزله في الجنة منه إلى منزله في الدنيا ، وليس هذا الا من حكم المناسبة .

واما سوق الجنة المشتمل على الصور الانسانيّة المستحسنة التي يتخيّر أهل الجنة التلبس بما شاؤوا منها ، فمن بعض جداول عالم المثال المطلق الذي هو معدن المظاهر وينبوعها ، وهو مجرى المدد الواصل من عالم المثال إلى مظاهر أرواح أهل الجنة ومنشأ  مآكلهم ومشاربهم وملابسهم وكل ما يتنعّمون به في أراضي مراتب أعمالهم واعتقاداتهم وأخلاقهم وصفاتهم ودرجات اعتدالاتهم في ذلك كلَّه . واما الخلع والتّحف التي يأتي به الملائكة من عند الحق إلى جمهور أهل الجنّة حال حملهم ايّاهم إلى كثيب الرؤية لزيارة الحق ومجالسته ، هي مظاهر احكام الأسماء والصفات التي بستند إليها الزّائرون في نفس الامر ، ( وان لم يعلموا ذلك ) وبتلك التّحف تقوى مناسبتهم مع الحقّ وتحيى دقائق ارتباطهم به ( ارتباطاتهم به خ ) من حيث تلك الأسماء والصفات التي لها درجة ( وجه - خ ل ) الربوبيّة على أولئك الزّائرين ، وقوله تعالى للملائكة في أواخر مجالس الزيارة عن أهل الجنّة : “ ردّوهم إلى قصورهم “ إشارة إلى احكام المناسبات المستفادة من تلك الخلع والتّحف وانتهاء احكام الأسماء والصفات التي من حيث هي تثبت المناسبة بينهم وبين الحق وتوجب جمعيّتهم وحضورهم عنده ، فمتى ظهرت سلطنة الأسماء والصّفات التي تقابل احكام الأسماء والصفات المقتضية للاجتماع ، ظهرت الاحكام القاضية بالامتياز ، فحصل البعد والحجاب فافهم .

واما تفاوت مراتبهم حال المجالسة مع الحق ، فهو بحسب تفاوت مراتبهم في نفس الحق ، وبحسب صحّة عقائدهم في الله ، وعلومهم ومشاهداتهم الصحيحة وإيثارهم فيما قبل  جناب الحق على ما سواه وطول زمان المجالسة وقصره وتفاوت الشرف  فيما يخاطبون به وما يفهمون به من خطابه ، فهو بحسب ما ذكرناه ، وبحسب حضورهم مع ما كانوا يعلمون منه  ، أو استحضارهم له ، بمقتضى اعتقاداتهم فيه ومناسبتهم بجنابه ، من حيث مقام كثيب الرؤية والتجلي الخصيص منه  به  فاعلم ذلك .

واما حال الكمّل انفعنا الله بهم فيما ذكرناه وسواه  ، فانّه بخلاف ذلك ، فإنهم تجاوزوا حضرات الأسماء والصّفات  والتجليات الخصيصة بها إلى عرصة التّجلَّي الذّاتى ، فهم كما أخبر النّبى “ صلى الله عليه وآله “ عن شأنهم ، بقوله : صنف من أهل الجنة لا يستتر الرّب ( لا يستر الرّب - خ ل ) عنهم ولا يحتجب ، وذلك انهم غير محصورين في الجنّة وغيرها من العوالم والحضرات ، كما قد أشرت اليه في غير هذا الموضع ، من انّ الجنّة لا تسع إنسانا كاملا ولا غير الجنّة ، فهم وان ظهرو فيما شاؤوا من المظاهر ، فانّهم منزّهون عن الحصر والقيود والأمكنة والأزمنة كسيّدهم [ 7 ] ، بل هم معه أينما كان ، وحيث لا أين ولا حيث ولا جرم لا بعد ولا حجاب والانتقال لزيارة ولا ابتداء ( لا انتهاء - خ ل ) لحكم وقت من الأوقات والأسماء والصفات ، فافهم واجتهد وتمن ان تلحق بهم ، وان تشاركهم في بعض مراتبهم العالية ، فان الله ولىّ الإحسان .

واما المناسبات الثابتة بين النّاس من جهة المراتب البرزخيّة ، فانموذجه المنبّه على تفاصيلها لمن لم يكشفها ولم يشهدها ، هو ما ذكره النّبى “ صلى الله عليه وآله “ في حديث الإسراء ( ورؤيته - خ ل ) ورؤية آدم في سماء الدنيا ، وان على يمينه اسودة السّعداء من ذريّته ، وعن يساره اسودة الأشقياء من ذريّته ، وانّه إذ نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر عن يساره بكى ، فهذا إشارة إلى مراتب عموم الأشقياء والسّعداء ، فأهل الشّقاء هم الذين لم يفتح لهم أبواب السماء حال الموت ، وهم في شقائهم على مراتب مختلفة ، فان النبي “ صلى الله عليه وآله “ أخبر عن أرواح بعض الأشقياء ، انّها تجمع في برهوت  والحلتين  ، فمبتدأ مراتب الأشقياء ، من مقعّر السّماء الدّنيا التي فيها آدم ، وأنزلها ما ذكره عليه السلام ، ومراتب عموم السعداء في برزخ السّماء الدنيا على درجات متفاوتة تجمعها مرتبة واحدة ، ومراتب أهل الخصوص من السّعداء ، ما أشار اليه في حديث الإسراء بعد ذكره آدم من : انّ عيسى ( ع ) في الثّانية ، ويوسف عليه السلام في الثالثة ، وإدريس في الرابعة ، وهارون في الخامسة ، وموسى في السّادسة ، وإبراهيم في السابعة ، على جميعهم السلام . وهكذ شأن مشاركى هؤلاء الأنبياء والوارثين تمام متفاوت المراتب في هذه السّماوات .

فان هذه الأخبار من الرسول صلى الله عليه وآله ، هو باعتبار ما شاهده في احدى إسرائه ، فانّه ثبت ان النبي صلى الله عليه وآله ، حصل له أربع وثلاثون معراجا ، رواها وجمعها وأثبت رواياتها ، أبو نعيم الحافظ الأصفهاني ، وكيف تنحصر هذا الحال في ( هؤلاء ) هذا الأنبياء السّبعة دون غيرهم ، ومن البيّن ، ان الرسول والأنبياء كثيرون ، وفيهم الكمّل بتعريف الله ، كداود عليه السلام ، المنصوص على ( بخلافته ) خلافته ، وغيره من أكابر الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ، فأين يتعيّن مراتبهم البرزخيّة بعد الموت ، وما ثم ( ثمّة ) الا العالم الا على والأسفل ، والعالم السفلى محلّ تعينات مراتب الأشقياء على اختلاف طبقاتهم ، فتعيّن ان يكون تعيّنات مراتب الأنبياء والمرسلين والكمّل من ورثتهم ، وأهل الخصوص من السّعداء بعد الموت وقبل الحشر في الحضرات السماويّة ، وان موجب ما ذكره عليه السلام ، ما هو سبقت الإشارة اليه ، فهو كالأنموذج لما لم يتعيّن ذكره ، فافهم . فهذا الرؤية  من النّبى صلى الله عليه وآله ، لهؤلاء السّبعة ، انّما موجبها حالتئذ مناسبة صفاتيّة أو فعليّة أو حاليّة لا غير ، كالأمر في شأن يحيى عليه السلام ، من أن يكون تارة مع عيسى ، وتارة مع هارون ، عليهما السّلام . وليس ذلك الا من مقتضى امر يقتضي مشاركته لهما .

فتدبّر ترشد ان شاء الله .



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!